عرض مشاركة واحدة
قديم 07-09-2009, 01:50 AM   #1 (permalink)
بحر الحب
عضو شرف
 
الصورة الرمزية بحر الحب
 
 العــضوية: 3807
تاريخ التسجيل: 01/07/2009
الدولة: الكويت
المشاركات: 4,963

افتراضي مسلسل «ابن الأرندلي» كوميديا اجتماعية.. تدين جشع الإنسان




تكون محظوظا اذا عثرت على مسلسل جميل تشاهده في شهر رمضان بين كم المسلسلات الكبير الذي تعرضه الفضائيات، وتكون أكثر حظا اذا قررت أن تشاهد عملا لأحد النجوم الذين دأبوا على الوجود في عمل أو أكثر خلال هذا الشهر ولم يخيب ظنك كالعادة بمستوى العمل ومضمونه وقيمته الفنية، وكأن هذا الفنان يصر على الوجود بأي عمل كان نكاية بالنقاد والمشاهدين الذين لم يعجبوا بعمله في رمضان السابق.
لكن رغم زلات الفنان الكبير يحيى الفخراني في اختيار بعض الأعمال الأخيرة، فإن المتابع له يحترم وجوده في عمل وحيد ومختلف على صعيد المضمون والشخصية من عام الى آخر، وهو في هذا العام يقدم مسلسل ابن الأرندلي، الذي يمكن وصفه بالمسلسل اللطيف خفيف الدم الذي قدم من خلال حدوتة بها شبكة من الشخصيات والأحداث والعلاقات التي تتقاطع في هم واحد هو اللهاث وراء المال والطمع في الاستحواذ على قدر أكبر منه.
تبدأ أزمة ابن الأرندلي عندما يكتشف أن ثروة عمه لن تذهب له وحده بعد أن أوصى لآخرين فيها، ورغم أنه سيرث عشرات الملايين فإنه يستنفر ويضع الخطط لاستعادة باقي الأموال من ابنة عمه وحبيبة عمه القديمة المجهولة والخادمة التي أوصى لها العم أيضا بالكثير.
وهو ليس وحده المهموم بالمال في هذه القصة فهناك أختا زوجته وزوجاهما الذين يضعون الخطط للاستفادة من ميراثه الجديد، وأخو الخادمة العاطل عن العمل وصاحب السوابق المستعد لفعل أي شيء من أجل المال، وحتى بعض المؤسسات في المجتمع مثل بعض المستشفيات الخاصة التي تتاجر بالطب من أجل المادة مهما كانت خطورة ذلك على حياة المرضى.
المال أصبح كل شيء، هاجس الجميع والمحرك الرئيسي لأفعال الشخصيات باستثناء قلة منها، ففي زمن المادة حتى الحب والمشاعر يجب أن تخضع لمنطق الحساب، فجار معالي زايد، ابنة عم الارندلي، والوحيدة مثله في خريف العمر، يخشى أن يربك حبه لها بميزانيته المحدودة، وفي المقابل يبيع عبد البديع الأرندلي مشاعر الحب الوهمية لابنة عمه من أجل الاستيلاء على ثروتها الجديدة متفوقا عليه بوضعه المادي وقدرته على اثارة اعجابها بالهدايا التي يقدمها لها.
قد يكون مضمون العمل وقضية طغيان المنطق المادي على العلاقات الانسانية ليس جديدا ولكن جمال نص المسلسل هو في خلق الأضداد أو الثنائيات، فكل شخصية مرتبطة بشخصية أخرى على نقيضها، فالأرندلي يلهث وراء المال وزوجته تلهث وراء لفت انتباهه لها واثارة اعجابه بها بأي طريقة، والخادمة تبحث عن الستر وراحة البال في الحياة التي عاندتها كثيرا وتعمل من أجل لقمة العيش، بينما أخوها الرجل عاطل عن العمل ويعتمد عليها هي المرأة في تأمين لقمة عيشه، وبالطبع تبادل الأدوار هذا يخلق الكثير من المشاكل والأزمات لها ويدفع نحو صراع بينهما، أما معالي زايد فهي المرأة الحالمة بالحب بمعناه الرومانسي وجارها الذي كانت تسعى لاستمالته يرى أن الحب يخضع أيضا لمنطق الحسابات والميزانيات نتيجة ضائقته المادية.
إن المؤلف يضع بعض الشخصيات أمام الخيار الصعب فإما أن تغرق في منطق المادة أو تنجو وتقف على أرض صلبة من القيم والمشاعر غير المادية، ويقدم شخصية ابن الأرندلي على أنه نموذج للانسان المادي الذي يراوغ ويتحايل ويتلاعب على كل الحبال للوصول الى هدفه. ولكن المؤلف لا يقدم شخصيات ذات بعد واحد فإما مادية أو لا، ولكنه يرسم شخصيات انسانية حقيقية تتنازعها المشاعر ولها مبررات مختلفة لأفعالها، فهي ليست شريرة أو طيبة بالمطلق. لذلك لا تستطيع أن تعطي حكما سلبيا أو ايجابيا على أي شخصية لأن أفعالها مبررة ونتيجة لظروفها وخلفيتها الاجتماعية، فالارندلي يشعر بالغبن لتوزيع الميراث لانه الوريث الوحيد شرعيا وقد أفنى عمره في خدمة عمه وتنمية ثروته، والجار البخيل مضطر الى كبت مشاعره وحساب كل فلس ينفقه بسبب غلاء المعيشة ومحدودية الدخل والتقدم في العمر، وغريب البلطجي ينتمي الى فئة من المجتمع انهارت لديها كثير من القيم الأخلاقية بسبب الفقر وقلة فرص العمل وصعوبتها أمام من لا يمتلك مهارات علمية أو عملية.
إن مسلسل «ابن الأرندلي» هو دراما اجتماعية تقدم موضوعا ليس جديدا، لكن بشكل كوميدي ساخر مكتوب بشكل متماسك ليس فيه حوارات ولا شخصيات مجانية، فالأهم من اثارة موضوع مهم هو الكيفية التي توصل بها مقولتك للمشاهد، فبعض الأعمال التي نشاهدها هذه الأيام تطرح مضامين جديدة، لكنها تضيعها وسط خلل في الكتابة وتشعب في الأحداث والأفكار التي لا يستطيع الكاتب غير الموهوب تنسيقها مع الحدث الرئيسي.
إضافة الى ذلك فان النص الجيد مقدم في هذا العمل بوساطة ممثلين متميزين سواء يحيى الفخراني أو وفاء عامر التي أصبحت أدوارها في أعمالها الأخيرة تشهد بموهبتها، أو عبد العزيز مخيون أو الممثل الذي قام بدور غريب، وبالطبع دلال عبد العزيز التي أدت بجمال دور زوجة الأرندلي أو المرأة التقليدية الساذجة.
ولا بد من الإشارة إلى ذكاء المخرجة رشا شربتجي في تركيب مؤخرة اصطناعية كبيرة لهذه الشخصية لإبراز أنها من فئة الزوجات اللواتي فقدن الاهتمام بمظهرهن وانغمسن في الطبخ وشؤون المنزل، ولخلق دافع للشخصية للقيام بعملية شفط دهون وما يتبع ذلك من أحداث.
معالي زايد قدمت أيضا دور بنت الذوات التي مازالت تعيش عصر الرومانسية القديم وتحلم باستعادة أيام العز الماضية، بشكل متميز، وعموما أحد أسباب تميز هذا العمل أداء الممثلين بالمجمل لأدوارهم المكتوبة جيدا.
«ابن الأرندلي» مسلسل يدين عصر المادة ولا يستثني من المتكالبين على القرش غنيا ولا فقيرا، ومساحة الكوميديا فيه اضافة مهمة الى العمل تبرز بشكل ساخر لامعقولية منطق الشخصيات ودوافعها وأفعالها.
مازالت حلقات المسلسل في منتصفها وأتمنى ألا يفقد العمل وهجه وايقاع أحداثه السريع مع توالي الحلقات التي لا بد أن تكفي أيام شهر رمضان.


http://www.alqabas.com.kw/Article.as...&date=07092009

 

 

بحر الحب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
 
7 9 244 247 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 289 290 291 292