[بحر الحب]

لا يزال فؤاد المهندس حاضراً ولا تزال أعماله محببة لدى الكبار والصغار، وهو الذي رحل عن عالمنا في 16 سبتمبر (أيلول) عام 2006 نحسب أن حضوره في حياتنا ومذاق فنه الخاص، في المسرح والسينما ودراما الراديو والتلفزيون سيستمران.
كان المهندس يعتز بمسرحياته أكثر من أفلامه مستثنياً تلك التي أخرجها فطين عبد الوهاب مثل {أرض النفاق}، ونيازي مصطفى، أحد المخرجين المتميزين، مثل {جناب السفير}.
لكن أفلام المهندس بقيت ولعلها ستبقى أكثر مما توقع حتى هو نفسه، وما زالت تمتع مشاهديها، إذ يتوافر فيها قدر ملحوظ من عناصر التلقائية والبراءة وحب صناع الفيلم لفن السينما والرغبة الحقيقية في إسعاد المتفرج.
لعل هذه السمات هي أيضاً ما تمتعت به أعمال رواد الكوميديا أو نجوم جيل المهندس، وإن كان الأخير تأثر بالريحاني خصوصاً، ونظر إليه كثر باعتباره تلميذه الأول النجيب وامتداده الحقيقي، لكن بموهبة لها أصالتها وخصالها وتميزها، وعلى النحو نفسه أيضاً نظر كثر إليه باعتباره يحمل امتداداً لروح علي الكسار و{نكهته».
بدأ المهندس في السينما بأدوار مساعدة، مساندة للبطل مثل دوره مع صالح سليم ونجاة في «الشموع السوداء» من إخراج عز الدين ذو الفقار، ثم قدم، كنجم وبطل كوميدي، سلسلة من الأفلام الكوميدية الخفيفة شاركته بطولة معظمها شويكار (ثمة استثناءات مثل مشاركته البطولة سعاد حسني أو ميرفت أمين...)، وبعض أفلامه تحول إلى السينما بعدما بدأ كمسلسلات في الإذاعة في مواسم رمضان وبعد أن لاق نجاحاً واضحاً، مثل: «العتبة جزاز، شنبو في المصيدة، انت اللي قتلت بابايا»...
وإذا كان عادل إمام، أكبر نجوم الكوميديا اللاحقين على جيل المهندس، بدأ مشواره بأدوار غير رئيسة لكن لافتة مثل دوره في مسرحية «أنا وهو وهي» مع المهندس وشويكار، فإن الأخير، وهو الذي يلقب بالـ{أستاذ»، لم يجد غضاضة في مشاركة إمام في ما بعد مرحلة صعوده بأدوار غير رئيسة لكن مهمة في أفلام مثل «خلي بالك من جيرانك» (1979) ومعهما لبلبة ومديحة يسري...
من ضمن أفلامه المميزة أيضاً «عائلة زيزي» (1963) من إخراج فطين عبد الوهاب مع سعاد وأحمد رمزي وعقيلة راتب وليلى شعير، و{اعترافات زوج» (1964) من إخراج فطين ومع شويكار وهند رستم ويوسف وهبي وماري منيب...
كذلك قدّم المهندس في «أرض النفاق» من إخراج فطين (1968) أحد أهم الأعمال الكوميدية في السينما المصرية، وكتب سيناريو الفيلم وحواره سعد الدين وهبة عن رواية يوسف السباعي، وشارك في الفيلم شويكار وسميحة أيوب وعبد الرحيم الزرقاني.
في الفيلم يجسد المهندس دور «مسعود أبو السعد» موظف الحسابات البسيط المغبون في إحدى الشركات، وهو يعاني الأمرين من تجبر رئيسه في العمل وتسلط زوجته (شويكار) وسلاطة لسانها في المنزل، ومن إهانات أهل الحي الذي يقطن فيه، وفي إطار فانتازي يلتقي بصاحب (عبد الرحيم الزرقاني) يبيع الأخلاق على شكل حبوب (الصدق، الكرم، الشجاعة...).
إنه نوع من النقد الاجتماعي اللاذع الساخر الجميل، وضع أساسه السباعي في أحد أنضج أعماله الأدبية، وكان سبق تقديمها في فيلم عام 1950 بعنوان «أخلاق للبيع» من إخراج محمود ذو الفقار وأدّى بطولته كل من فاتن حمامة وميمي شكيب وعلي الكسار ومحمود شكوكو، سيناريو وحوار أبو السعود الإبياري.
عبّر فؤاد المهندس بدقة وإحساس بالغ عن التحولات التي مرّ بها الإنسان الطيب الباحث عن الكرامة والمعاملة الآدمية، فلم يجدها إلا في «الحبوب» كحبة الصدق التي تفتح له الأبواب الموصدة كافة.
كان المهندس قديراً كعادته خلال تقديمه هذه الشخصية بسخرية عميقة مريرة، فاضحاً واقعاً لا نزال نعيشه ونعانيه ناشدين الخلاص وحياة سوية.

http://www.aljarida.com/aljarida/Article.aspx?id=129607