" من جمهور المثقفين "
العــضوية: 7843 تاريخ التسجيل: 08/02/2010
المشاركات: 550
| الأديب الروائي ..... يوسف السباعي [center]الفارس الذي سقط بين أطلال الحاقدين !![size="6"]** بدأ حياته ضابطا , وعاشها منضبطا , ورحل عنها شهيدا !!
** اعتذر عن جائزة الدولة التقديرية عام 1973 لأنه كان وزيرا للثقافة في ذلك الوقت !!
سئل أحد النقاد عن السر في تجاهل الحركة النقدية لمؤلفات الأديب الكبير يوسف السباعي , فرد قائلا :
== لقد حصل يوسف السباعي في حياته على كل شيء .. الوسامة والسلطة والثروة والشهرة , ولم يكن في حاجة إلى ثناء النقاد على أعماله , بل إن البعض خشى أن يتهم بالنفاق والمداهنة إن هو تناول الحصاد الأدبي للسباعي بالبحث والدراسة , ولهذا فضل الجميع أن يلوذوا بالصمت المقصود والتجاهل المتعمد لأعمال هذا الأديب الرائع المتميز !! العمر لحظة
في السابع من يونيو سنة 1917 , ولد الأديب ( يوسف السباعي ) بحارة الروم في قلب القاهرة القديمة , إلا أن أسرته انتقلت بعد ذلك إلى حي السيدة زينب العريق , وعاش طفولته وصباه وشبابه متنقلا بين ( جنينة ناميش ) و ( أبو الريش ) و ( البغالة ) و ( زين العابدين ) وغيرها من الأحياء الشعبية التي تفوح منها رائحة التاريخ وتتجلى معالمها في الكثير من أعماله الروائية التي كتبها على مدار حياته
ويوسف السباعي هو نجل الأديب ( محمد السباعي ) الذي ترجم ( رباعيات الخيام ) من الإنجليزية إلى العربية , كما ترجم العديد من أعمال شكسبير إلى العربية , كما ترجم عمه طه باشا السباعي كتاب ( عن الحرية ) لجون ستوارث ميل ..
وقد بدأ يوسف السباعي الكتابة عام 1933 ونشرت له أوائل قصصه في
( مجلتي ) و ( المجلة الجديدة ) وهو طالب بالمدارس الثانوية ..
ويلخص الكاتب الصحفي ( فتحي رزق ) في كتابه ( شموع في بلاط صاحبة الجلالة ) تفاصيل مشوار حياة السباعي قائلا :
__ __ تخرج يوسف السباعي في الكلية الحربية ثم عين ضابطا بسلاح الفرسان عام 1937 , ونقل إلى سلاح المدرعات عام 1942 وحصل على شهادة الدبابات من مدرسة الشرق الأوسط , وعمل مدرسا للتاريخ العسكري في الكلية الحربية عام 1944 , وحصل في نفس السنة على شهادة الأركان حرب , وبعد خمس سنوات أصبح كبيرا للمعلمين في المدرسة الحربية , وفي عام 1952 عين مديرا للمتحف الحربي بالقاهرة .
واختير عام 1953 رئيسا لتحرير مجلة ( الرسالة الجديدة ) وهي أول مجلة صدرت بعد قيام الثورة , وظل يعمل بها حتى احتجبت عن الصدور عام 1958 .
وفي تلك الفترة , أصبح نائبا لمدير سلاح الفرسان , غير أنه ترك الجيش نهائيا وأصبح سكرتيرا عاما للمجلس الأعلى لرعاية الفنون والعلوم الاجتماعية عام 1956 , ثم سكرتيرا عاما لمنظمة تضامن الشعوب الأفريقية والآسيوية عام 1957 .
ومنذ عام 1960 حتى عام 1978 عمل في الكثير من المواقع الثقافية والصحفية والسياسية , حيث اختير عضوا بمجلس إدارة روز اليوسف عام 1960 ( بعد تأميم الصحافة ) ثم رئيسا لتحرير مجلة ( آخر ساعة ) عام 1967 ورئيسا لمؤسسة دار الهلال عام 1971 , وانتخب نقيبا للصحفيين في مارس 1977 .
وفيما بين عامي 1953 و 1978 شارك يوسف السباعي بصورة إيجابية في إنشاء نادي القصة وجمعية الأدباء واتحاد جمعيات الأدباء , وانتخب سكرتيرا عاما لكل منها , وأصبح رئيسا لنادي القصة , وحصل على العديدمن الجوائز والأوسمة في حياته , منها جائزة وزارة الثقافة عن أحسن قصة لفيلمي
( رد قلبي ) و ( جميلة بو حريد ) وأحسن حوار لقصة فيلم ( رد قلبي ) , ومنح وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1962 , كما حصل عام 1963 على وسام الاستحقاق من طبقة ( فارس ) من جمهورية إيطاليا , ووسام ( لينين ) من الاتحاد السوفيتي عام 1970 .
أصدر يوسف السباعي في حياته أكثر من 50 كتابا , منها 15 رواية وأربع مسرحيات , و21 مجموعة من القصص القصيرة , وثمانية كتب في النقد والاجتماع , وكتاب واحد في أدب الرحلات , وقدمت السينما عددا من أعماله
منها ( رد قلبي ) , ( إني راحلة ) , ( بين الأطلال ) , ( السقامات ) , ( نحن لا نزرع الشوك ) , ( أم رتيبة ) , و ( العمر لحظة ) .. وقدم المسرح كل أعماله تقريبا . عشق الفرسان
في أكتوبر عام 1955 , أقامت كلية الآداب حفلا لمد جسور التعارف بين طلبة السنة الأولى وكبار الصحفيين والأدباء , وفي ذلك الحفل حضر ( يوسف السباعي ) ووجهت له إحدى الطالبات سؤالا يقول : من هي البطلة الحقيقية لقصة ( إني راحلة ) التي كتبتها ؟!
وبعد تردد , أعلن يوسف أن البطلة الحقيقية لقصة ( إني راحلة ) هي زوجته السيدة ( دولت طه السباعي ) , ابنة عمه , وأم ولديه ( بيسه ) و (إسماعيل ) .
وفي كتاب ( زوجاتهم وأنا ) تحكي السيدة (دولت ) للكاتبة ( نعم الباز ) قصة حبها ليوسف وزواجها منه قائلة :
== كنت صبية صغيرة , والأسرة بها الكثير من البنات والصبيان , وكان هادئا بطبعه وحساسا ورقيقا ولا أذكر أنه نهر أحدا أو آذى أحدا .. بل كان دائما يشعرني أنه يعطيني أكثر مما يأخذ , وكنت أرتاح له أكثر من أي طفل آخر في أسرتي , كنت أحب أن أتأمله وهو يلعب , وهو يتكلم , وكنت أحس دائما أنه قريب مني .. وكانت أول قصة قرأتها له هي قصة ( تبت يدا أبي لهب وتب ) , وقد نشرت في مجلة اسمها ( مجلتي ) سنة 1932 , وكان لا يزال تلميذا بالمدرسة الثانوية , وقابلته في ذلك الحين وقلت له :
قصتك عجبتني جدا .. ياريت تتجه للأدب وتروح كلية الآداب لأن أسلوبك حلو وممكن تنجح كأديب .
ولكنه كان مصمما على الالتحاق بالكلية الحربية , رغم أنه كان فنانا ليس في الكتابة فقط ولكنه كان يجيد الرسم أيضا , ولا أنسى حادثة معينة حدثت لي وأنا صغيرة , فقد كان يرسم لي الموضوع الذي كان يطلب مني في المدرسة لأني كنت أكره الرسم ولا أستطيع أن أرسم أيضا , وكنت أفوز دائما بالدرجات النهائية على اللوحات التي كان يرسمها لي ..
وكانت الكارثة آخر العام حينما جاء امتحان الرسم ولم أرسم خطا واحدا فرسبت في المادة التي كنت متفوقة فيها طوال العام .
اما عن خطوبتنا , فقد تمت سنة 1940 , وكانت فترة خطوبتنا طويلة إلى حد ما , فقد تم زواجنا في سنة 1942 , ورغم طول الفترة إلا أنها لم تكن غريبة علينا لأنه ابن عمي وكنا معا دائما ..
كان يوسف وقتها ضابطا بسلاح الفرسان , ولم تكن تبهرني إطلاقا ملابس
الضباط , عكس الفتيات في ذلك الحين , فقد كنت مهتمة ومعجبة بجانب آخر في يوسف ..
كنت معجبة بيوسف الأديب , بالرغم من أن يوسف الضابط بسلاح الفرسان كان يأتي إلى منزلنا ممتطيا جواده , مرتديا الملابس المزركشة إياها , المملوءة بالنياشين , ملابس الفرسان في ذلك الوقت .. كان يأتيني تماما كفرسان الأحلام على حصان أبيض , وقد كتب في قصة ( إني راحلة ) أنه كان يجيئني بهذه الأبهة لكي يسعدني ويبهرني , ولكني لم أنشغل أبدا بتلك المظاهر الرقيقة , قدر انشغالي وإيماني به كأديب ..
وتسألها الكاتبة ( نعم الباز ) :
= وأين أنت في قصصه ؟
وترد عليها وهي تبتسم في خجل :
= أنا ( عايدة ) .. بطلة قصة ( إني راحلة ) , فنصف القصة الأول يصور خطبتنا وعلاقتنا كأولاد عم ولكن عدا بعض التفاصيل الصغيرة , فنصفها الأولى لي ولحياتنا في طورها الأول .. أما نصفها الثاني فهو خاص لوجه التأليف والحبكة القصصية !!
= وأين هو في قصصه ؟
== يوسف بطل ( إني راحلة ) في خطوبتنا , وهو أيضا ( علي ) في ( رد قلبي ) فقد حكى فيها قصته في الكلية الحربية وتفاصيل الحياة فيها وبدء الصراع في التفكير في الثورة على الأوضاع . رتوش لابد منها
كان ( يوسف ) يحب أمه حبا عظيما , وقد تأثر بها تأثرا كبيرا , وكان محبا لزملائه , مدافعا عن الحق والحب والحرية في حياته , وكان يردد دائما :
== لا أستطيع أن أغمض عيني وأنا أشعر أن هناك إنسانا غاضبا مني أو جريحا من قلمي !!
وكان شعاره الدائم الذي يستهل به مقاله الأسبوعي هو :
--- لا أجد على شفتي ما أهتف به كلما لقيتك سوى ( أهلا ) !!
كان يوسف _ بالفعل _ أهلا لحب قرائه وزملائه ,وكانت زوجته هي حبه الأول والأخير , وكان يوسف هو الصديق المقرب لابنته ( بيسة ) الذي تأتمنه على أسرارها , ولعل يوسف السباعي هو الأديب الوحيد الذي نال جائزة الدولة التقديرية عام 1973 واعتذر عنها لأنه كان يتولى وزارة الثقافة وقتئذ ..
ولم يبخل يوسف بمد يد العون للأدباء والشعراء الموهوبين بتعيينهم في الوظائف المختلفة ليعينهم على متطلبات الحياة , ومنهم الشاعر الزجال ( حامد الأطمس ) والقاص السكندري ( عباس محمد عباس ) , والقاص ( يحيى الطاهر عبدالله ) والشاعر الكبير أمل دنقل ..
وقد واجه يوسف السباعي تجاهل النقاد لمؤلفاته , وقد برر أحدهم ذلك بأن يوسف كان واحدا من رجال السلطة , وبالتالي يمكن أن تندرج عملية مدحه تحت بند النفاق , وأن تسفر عملية الهجوم عليه إلى مالا يحمد عقباه , ومن هنا جاء التجاهل المتعمد لأعماله رغم تميزها , وقد لخص أحدهم رأيه في هذا قائلا :
== وما الذي يمكن أن نضيفه إلى هذا الأديب الذي أعطاه الله كل شيء ..
الوسامة والموهبة والجاذبية والمعجبات والمال والشهرة والسلطة والقدرة على النشر والانتشار ؟.. هل يمكن لرجل حصل على كل شيء أن ينتظر ثناء النقاد ؟..
لا أظن !! السقا مات
كان يوسف دائم التفكير في الموت , دائم البحث عنه في أوراقه , ومن أشهر عباراته عن الموت :
== يظل الإنسان عبدا لمطالب الحياة حتى يحرره الموت !!
== بين أقصى غرور الحياة وأدنى تواضع الموت _ لحظة _ يأبى المرء أبدا _ لأن يتعظ بها أو يدخلها في حساباته !!
وهو القائل عن الموت أيضا :
== أجل لقد عودنا الموت أن يكون طائشا أحمقا , فهو زائر لا ميعاد له , يزورنا بسبب وبلا سبب , ولكن لو أدرك الناس أنه سواء كان طائشا أو حكيما فهو في جوهره ارتقاء من حالة دنيا إلى حالة عليا لما خافوا منه ولما عملوا له كل هذا الحساب !!
إن المتأمل لرواياته ( إني راحلة ) , ( بين الأطلال ) , ( السقا مات ) , ( نحن لا نزرع الشوك ) , و( العمر لحظة ) سوف يجد أن ( الموت المفاجيء ) هو القاسم المشترك لأبطالها , ففي مجموعته القصصية ( يا أمة ضحكت ) يقول يوسف وكأنه يتنبأ بطريقة موته :
== من منكم لا يرى الموت أقرب إليه من حبل الوريد ؟.. أنا نفسي أراه كامنا بجواري في كل لحظة .. في عربة تعدو في الطريق أو في زر الكهرباء أو من عود ثقاب أو من رصاصة صغيرة أو من قطعة جاتوه أو في كل شيء أو في لا شيء ..
في سكنة من سكنات القلب !!
ولم تكن نهاية يوسف السباعي بعيدة عن نهايات قصصه , ففي الثامن عشر من فبراير عام 1978 , استشهد يوسف إثر جريمة وحشية ارتكبها شابان داخل بهو فندق تشرشل بالعاصمة القبرصية نيقوسيا .
ويحكي المستشار ( عدلي حسين ) تفاصيل تلك الجريمة قائلا :
== في 16 فبراير وصل الأديب الراحل يوسف السباعي إلى نيقوسيا لحضور مؤتمر التضامن الأفريقي الآسيوي الذي بدأ أعماله يوم 17 فبراير , وأقام يوسف بالغرفتين المتداخلتين 525 و 526 بنفس الطابق الخامس بالفندق .
وفي حوالي الساعة العاشرة صباحا يوم السبت 18 فبراير نزل الأديب يوسف السباعي من غرفته متوجها إلى قاعة المؤتمر بالطابق الأرضي , وأثناء وقوفه أمام محل بيع الصحف المجاور لقاعة المؤتمر , أطلقت عليه ثلاث رصاصات ..
أصابته في رأسه وفخذه ويده اليسرى , وذلك من الناحية اليمنى فلقى مصرعه على الفور من كتاب نجوم العشق تأليف محمد السيد محمد ص 133 - ص 144[/size[/center]]
|