في تطور نوعي، نجح فريق بحثي من جامعة الملك سعود في حفظ بلح البرحي طازجاً لفترة تجاوزت الستة أشهر. ولقد بذل الفريق البحثي جهداً متواصلاً لأكثر من خمس سنوات حتى تم التوصل إلى الطريقة الناجعة لإنجاز ذلك. وتعتمد الطريقة في جزء منها على التحكم بغازات مستودع التبريد لتلائم تنفس الثمار. وقد تم التحكم بالفعل في عدة غازات مثل النيتروجين والأكسجين والإيثيلين وثاني أكسيد الكربون وغيرها.
يشار أن هذه الطريقة تم استخدامها للتبريد فقط (بدون تجميد) وبدون أي مواد حافظة أو غازات مضرة بالصحة أو البيئة. ولقد بدأت التجارب منذ أكثر من عدة سنوات تتوجت بالحصول على دعم من مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية لبناء مستودعات تبريد شبه تجارية باستخدام تقنيات حديثة ووفق أسس هندسية دقيقة للتحكم بالغازات وعدد من العوامل الأخرى والتي تبطئ من العمليات الحيوية لبلح البرحي، وبالتالي المحافظة عليها لأطول فترة ممكنة.
ومن المعلومات الإحصائية المتوافرة أن إنتاج المملكة من التمور في الوقت الحاضر 984 ألف طن (من حوالي 23 مليون نخلة) ومن المتوقع أن يتجاوز حد المليون طن خلال السنتين القادمتين و أن يتصاعد سنوياً. تتباين معدلات إنتاج النخلة الواحدة من صنف لآخر، حيث تعتمد على عمر النخلة ووضعها ومناخ المنطقة ونوع الخدمات الزراعية المتوافرة ومرحلة النضج، وتتفاوت معدلات الإنتاج السنوي للتمور في الحدود من 50 إلى 350 كجم للنخلة. تستهلك التمور في المملكة العربية السعودية في مرحلتي البلح (الخلال، البسر) والرطب (الجزئي والكامل) خلال موسم الإنتاج القصير نسبياً والذي يمتد من بداية شهر أغسطس إلى نهاية شهر أكتوبر، بينما تستهلك مرحلة التمر (التمور متوسطة ومنخفضة المحتوى الرطوبي) على مدار العام وحتى بداية الموسم التالي. وقد درج عديد من المستهلكين في المملكة لتخزين التمور في مرحلتي البلح والرطب في الثلاجات ( 5 °م) والمجمدات المنزلية (-18°م) لإطالة فترة استهلاكها. ونظرا للزيادة في إنتاج التمور فإن ذلك يتطلب إيجاد تقنيات جديدة في مجال ما بعد الحصاد بغرض الإيفاء بتلك المتطلبات وبغرض تقليل الفاقد والحفاظ على الجودة والذي يؤدي بالتالي لزيادة العائد الفردي والوطني وبما له من مردود إيجابي على المجتمع ككل.
في هذا المشروع البحثي التطبيقي الذي يشرف على تنفيذه فريق بحثي من كلية علوم الأغذية والزراعة بجامعة الملك سعود تم دراسة ثلاثة جوانب هامة وهي: (1) الجوانب الهندسية لكل من مستودعات التبريد ونظم التحكم في الغازات وكذلك الخواص الهندسية والجودة للثمار يشرف عليها كل من أ.د. عبدالله بن محمد الحمدان (الباحث الرئيس) وأ.د. بكري حسين حسن (باحث مشارك) أستاذي هندسة التصنيع الغذائي بقسم الهندسة الزراعية، (2) الجوانب التغذوية والتحليل وتشمل التقييم الحسي والنشاط الإنزيمي والسكريات ومضادات الأكسدة ويشرف عليها سعادة عميد كلية علوم الأغذية والزراعة وأستاذ علوم الأغذية بقسم علوم الأغذية والتغذية أ.د. حسن بن عبدالله القحطاني (باحث مشارك)، (3) الجوانب الاقتصادية والتسويقية وجدوى المشروع بناء على بيانات ودراسات ميدانية ويشرف عليها أ.د. صبحي محمد إسماعيل (باحث مشارك) وأستاذ التسويق بقسم الاقتصاد الزراعي.
والجدير بالذكر أنه من خلال الاستبيان الذي وزع على تجار التمور وبالأخص لبلح البرحي ذكروا أنه من المستحيل حفظ البلح أكثر من شهر. وأنهم حاولوا شتى الطرق والمحاولات الشخصية مثل استخدام القش والصندوق الخشبي وغيرها ولكنها لم تفلح كذلك. لذا يباع بلح البرحي في أوج إنتاجه بين 2-5 ريالات للكيلو نظراً للكميات الهائلة المنتجة منه. وبعد ذلك يبدأ زيادة أسعار الثمار حتى تصل في نهاية الموسم إلى أكثر من 30 ريالا لكيلو البرحي الذي تزرع نخيله في شمال المملكة. وبعدها ينقطع الإنتاج حتى الموسم الذي يليه. وهنا نأتي الأهمية الاقتصادية في بيعه لتأتي بعد انتهاء موسم الإنتاج مباشرة.
ومن خلال هذا المشروع تم بناء سبع مستودعات تخزين في معامل كلية علوم الأغذية والزراعة والتي نجحت في حفظ البلح طوال هذه الفترة. وكان هناك تذوق وتقييم حسي من قبل مقيمين من المتخصصين بعد مرور كل شهر من أشهر التخزين الستة والذين بينوا حفاظ هذه الثمار على جودتها. ومن جانب آخر أمكن وبعد إخراج الثمار من مستودعات التبريد) حفظها تحت ظروف ثلاجة المستهلك العادية (5°م) والتي استمرت حتى أسبوعين كثمار طازجةً.
وقد تم قياس معدل تنفس البلح الأصفر المخزن في بيئة مغلقة بقياس نسبة الزيادة في CO2 والنقص في O2 عند درجات حرارة مختلفة (1 و5 و10 و24(م). كذلك تم قياس التنفس وإنتاج الإيثيلين لبلح البرحي الأخضر. وكان معدل التنفس لبلح البرحي الأصفر الطازج 2.85 (مجم/كجم.ساعة). كما لوحظ أن تنفس البلح الأخضر كان حوالي ثلاثة أضعاف البلح الأصفر. كما أن زيادة درجة الحرارة أدى إلى زيادة كبيرة في إنتاج الإيثيلين من 2.82 مل/كجم.يوم عند 2.4(م إلى 25.51 مل/كجم.يوم عند 25(م.
هذا النجاح تم بفضل الله ثم دعم جامعة الملك سعود بما احتاجه المشروع من بنية أساسية وكذلك مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية والتي لم تتردد في دعم هذا المشروع حتى وصل إلى النجاح المأمول. ويؤمل أن تستثمر مثل هذه الأبحاث الإستراتيجية بمشاريع ومصانع تستفيد من هذا المنجم الواعد.
ويبين شكل رقم (1) الخطوات العامة التي تم إتباعها في هذا المشروع. بينما يوضح الشكل رقم (2) مخطط خطوات جمع محصول البرحي ونقله واستلامه وفرزه في موقع التخزين. بينما يبين شكل (3) معدل تنفس كل من بلح البرحي والحلوة عند درجات حرارة مختلفة. والصورة الأخيرة تبين مخازن التبريد وعينة البلح بعد 6 أشهر من التخزين.
مقتطفات:
أول نجاح يتحقق لحفظ بلح البرحي طازجاً ولفترة تزيد عن 6 أشهر!! وبنسبة نجاح تزيد عن 80%.
يفتح المجال لاستهلاك هذه الفاكهة الطازجة طوال السنة.. كذلك للتصدير خاصة لأوروبا وغيرها. وفتح المجال لمنتجات أخرى..
أسعار بلح البرحي تتراوح بين 2-5 ريال/كجم ترتفع إلى أكثر من 30 ريال/كجم آخر الموسم.
بعض المزارع في المملكة لديها أعداد هائلة من نخيل البرحي تصل إلى أكثر من 20 ألف نخلة في مزرعة واحدة. وهناك معاناة من قبل المزارعين في تسويق البلح في ذروة الإنتاج (شهري أغسطس وسبتمبر).
شارك عدد من طلبة الجامعة والدراسات العليا في تخطيط وتنفيذ هذه المشاريع البحثية.
هنالك حاجة ماسة إلى تبني كرسي النخيل والتمور ليواصل بل ويبدع في استكشاف هذا المنجم وتحويل مخرجاته إلى مشاريع استثمارية واعدة. وأهمية وجود مظلة ترسم المشاريع الإستراتيجية للاستفادة من النخيل والتمور والارتقاء بها نحو العالمية..
التمور ومنتجات النخلة الأخرى منجم استراتيجي "أخضر" ذو أبعاد شرعية وإستراتيجية وأمن غذائي يجب استغلالها في مشاريع مبنية على أسس علمية وفنية واقتصادية واضحة..