04-06-2010, 03:22 PM
|
#1 (permalink)
|
خبيرة في التنمية البشرية
العــضوية: 5529 تاريخ التسجيل: 17/09/2009
المشاركات: 3,872
الـجــنــس: أنثى | مفهوم التنمية البشرية و تطورها .... ..
كان مفهوم التنمية منذ نهاية الحرب العالمية (الغربية) الثانية وحتى نهاية عقد الثمانينات -قاصرًا على كمية ما يحصل عليه الفرد من سلع وخدمات مادية، ولكن مع تدشين مفهوم التنمية البشرية سنة 1990 عندما تبناه برنامج الأمم المتحدة للإنماء، أصبح الإنسان هو صانع التنمية وهدفها. كيف يمكن قياسها؟ وما هي التحديات التي تواجه دولنا في القرن القادم لتحقيق التنمية البشرية؟ ما مقومات هذه المفهوم؟
ونظرًا لأن البشر هم الثروة الحقيقية لأي أمة، لذا فإن قدرات أي أمة تكمن فيما تمتلكه من طاقات بشرية مؤهلة ومدربة وقادرة على التكيف والتعامل مع أي جديد بكفاءة وفاعلية. وما تجربة دول جنوب شرق آسيا منا ببعيد، فتلك الأمم التي قطعت على نفسها التزامات هامة تجاه تجميع رأس المال البشري وتحويله إلى طاقة وميزة تنافسية عالية تم توجيهها إلى استثمارات عالية الإنتاجية؛ كان مبعثه إيمانها بأن سر نهضتها ونموها يكمن في عقول أبنائها وسواعدهم. وقد كان ثمار ذلك أن حققت اقتصادات تلك البلدان معدلات متسارعة من النمو فاقت بها أكثر البلدان تقدمًا حتى أطلق عليها النمور الآسيوية، وأصبحت مثلا يحتذى به لكل من أراد أن يلحق بركب التقدم. وحتى عندما تعرضت تلك البلدان لأزمة مالية كبيرة خلال السنوات الأخيرة استطاعت أن تسترد عافيتها بسرعة فاقت التوقعات، وهو ما أرجعه الخبراء إلى الثروة البشرية التي تمتلكها تلك البلدان، وما تتمتع به من جودة وكفاءة عالية.
تطور مفهوم التنمية البشرية وبإخضاع تجربة "النمور الآسيوية" للفحوصات التنموية بمعمل تاريخ الفكر الاقتصادي نجد أن تفسيرها يندرج تحت مفهوم التنمية البشرية، ذلك المفهوم الذي اكتسب ذيوعًا بحلول عام 1990 عندما تبنَّاه برنامج الأمم المتحدة للإنماء.
ويقوم هذا المفهوم على أن "البشر هم الثروة الحقيقة للأمم، وأن التنمية البشرية هي عملية توسيع خيارات البشر".
فالتنمية البشرية لا تنتهي عند تكوين القدرات البشرية مثل: تحسين الصحة وتطوير المعرفة والمهارات؛ بل تمتد إلى أبعد من ذلك حيث الانتفاع بها سواء في مجال العمل من خلال توفر فرص الإبداع، أو التمتع بوقت الفراغ، أو الاستمتاع باحترام الذات وضمان حقوق الإنسان، أو المساهمة الفاعلة في النشاطات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية ونظرًا لكل ذلك أصبحت التنمية البشرية توجهًا إنسانيًّا للتنمية الشاملة المتكاملة وليست مجرد تنمية موارد بشرية.
وبالتالي فقد جاء مفهوم التنمية البشرية على النحو السابق أكثر اتساعًا وشمولاً عن تلك المفاهيم التنموية التي كانت سائدة أعقاب الحرب العالمية (الغربية) الثانية وحتى نهاية عقد الثمانينات؛ والتي كانت تستند على أن التنمية تقتصر على كمية ما يحصل عليه الفرد من سلع وخدمات مادية، إذ كلما استطاع الفرد أن يحصل على المزيد من تلك السلع والخدمات كلما ارتفع مستوى معيشته؛ وبالتالي زادت رفاهيته، وهنا تتحقق التنمية. إلا أنه مع توسيع مفهوم التنمية ليشمل غايات وأهداف أخرى إضافة إلى الأهداف الاقتصادية أصبحت التنمية معه ترتبط بجودة حياة البشر؛ وليس حياتهم فحسب. وهو ما أكدت عليه الإصدارات المتوالية من تقرير التنمية البشرية للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، حيث ناقشت عددًا من القضايا المرتبطة بجودة حياة البشر مثل: الفقر البشري]والمقصود به ليس فقر الدخول، ولكن يمتد المفهوم إلى حرمان الإنسان من الحياة التي يمكن أن يعيشها، مثل: عيش حياة طويلة يتمتع فيها بالصحة والقدرة على الإبداع والتمتع بمستوى معيشي لائق وبالحرية والكرامة واحترام الآخرين[، والمساواة بين الجنسين، والأمن البشرى ليس من منطلق مفهومه التقليدي الذي ينصب على حماية المصالح القومية من العدوان الخارجي في صوره المختلفة أو الحماية من المرض والجوع والبطالة؛ بل من خلال مفهوم أكثر شمولاً يتضمن مجالات جديدة أخرى للأمن منها: السياسي والاقتصادي والاجتماعي والشخصي والصحي والبيئي والغذائي.
مقياس التنمية البشرية وعلى الرغم من الثراء اللامتناهي لمفهوم التنمية البشرية -كما ذكرنا- إلا أن محاولات تأليف مقياس للتنمية البشرية قد اتسمت بالضعف والقصور، حيث أسفرت عن مقياس يجمع بين ثلاثة مؤشرات لا تعبر عن المفهوم بكفاءة، وتتمثل هذه المؤشرات في: توقع الحياة عند الميلاد، معدل أمية البالغين، نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالي . حيث كان أبرز الانتقادات على هذا المقياس هو بساطته الشديدة التي يفتقد معها الوصول إلى فهم أشمل لمستويات الرفاهة الإنسانية وتغيراتها، وذلك نظرًا لإغفاله عددًا من المؤشرات المعبرة عن الجوانب المختلفة للرفاهة الإنسانية، هذا فضلا عن السلبيات التي تحيط بالمؤشرات الثلاث، فمثلا مؤشر توقع الحياة عند الميلاد -الذي يقصد به متوسط سنين عمر الإنسان- قد لا يعبر بالضرورة عن مدى سلامة الصحة البدنية والنفسية للأفراد، أما معدل أمية البالغين فإنه لا يعكس مستوى التعليم ومدى مساهمته في إكساب الأفراد المعرفة وتنمية قدراتهم، وفيما يتعلق بنصيب الفرد من الناتج فهو مؤشر مشكوك في دقته عند الأخذ في الحسبان معايير عدم العدالة في توزيع الدخل.
تحديات التنمية البشرية في القرن القادم بتصنيف سكان الكوكب الأرضي وفقا لمقاييس التنمية البشرية -لدى الأمم المتحدة- سوف نرصد أربع حالات: الأولى: عالم متقدم اقتصاديًا وبشريًا، والثانية: متقدم بشريًا ومتخلف اقتصاديًا، والثالث: متقدم بشريًا وفى سبيله للالتحاق بركب التقدم الاقتصادي، والأخيرة: متخلف اقتصاديًا وبشريًا. وإذا استثنينا الحالتين الثانية والثالثة نظرًا لاندراجهما تحت مقياس متقدم للتنمية البشرية فإنه يتبقى لدينا حالتان الأولى لعالم متقدم كمًّا وكيفًا، والثانية لعالم متخلف تنمية ونموًّا.
فيما يتعلق بالعالم المتقدم الذي يمتلك مقاليد المعرفة والتكنولوجيا الحديثة، لا شك أنه سينفق كل غالٍ ونفيس من أجل الحفاظ على استمرار ريادته وتقدمه، سواء كان ذلك من خلال بذل المزيد من الجهد لتنمية شعوبه أو اللجوء لاستقطاب العقول البشرية من كل حدب وصوب إن لزم الأمر. ولعل ذلك سيكون منبعه يقين تلك البلدان بأن سر التقدم والرقى يكمن فيما تمتلكه من عقول قادرة على الإبداع والابتكار المستمر وسرعة الاستجابة للاحتياجات المتجددة التي تفرزها البيئة الدولية.
أما بالنسبة للعالم المتخلف أو النامي -كما يُطلق عليه تجاوزًا- فإن مسيرته نحو معدلات أفضل من التنمية البشرية في القرن القادم تعترضها العديد من التحديات التي تصل إلى درجة الأمراض المزمنة، وتتمثل أهمها فيما يلي: 1 - الفقر: يمثل أهم التحديات التي ستواجه مسيرة التنمية البشرية في العالم النامي في القرن القادم، حيث تشير الإحصاءات إلى أن نصف سكان العالم فقراء ومنهم نحو 1.3 مليار إنسان يعيشون تحت خط الفقر. ومع اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء من ناحية، وتراجع مؤشرات المساعدات والمعونات الموجهة للدول النامية، سوف يترتب عليه عدم قدرة تلك البلدان مستقبلاً على مجرد توفير الحدود الدنيا لمعيشة شعوبها.
2 - الأمية: وما تشكله من خطر داهم على شعوب الدول النامية، فمع قصور الموارد وترتيب الأولويات على أساس توفير الاحتياجات الأساسية أولاً من مأكل ومشرب وملبس، فإن الموارد المتبقية والتي من المفترض أن يوجه جزء منها إلى التعليم تكاد تكون معدومة بالنسبة لاحتياجاتها الفعلية، هذا فضلاً عن تخلف نظم التعليم القائمة بتلك البلدان عن مسايرة المهارات اللازمة لاحتياجات الاقتصاد العالمي المتغير. ومن الطريف أن تجد شعار محو الأمية سائدًا في الدول النامية في حين ترفع الولايات المتحدة الأمريكية مثلا شعار التعليم العالي للجميع!!
3 - التلوث البيئي: الذي يهدد صحة شعوب البلدان النامية، حيث ارتبطت النهضة الصناعية للعالم المتقدم بتصدير التلوث إلى البلدان النامية، هذا بالإضافة إلى افتقار الدول النامية لمفهوم الأمن البيئي الذي يتمثل في توفير أساليب الحياة النظيفة الخالية من الأضرار والتلوث. هذا فضلاً عن عمليات إعادة التوطين للتكنولوجيا الملوثة للبيئة التي تقوم بها الدول المتقدمة والشركات متعددة الجنسية ولم تجد وطنًا لها أفضل من البلدان النامية، وذلك بعد إدراكها أن هذه الأنماط التكنولوجية تضر بصحة مواطنيها.
4 - شروط التجارة العالمية: غير المتكافئة وأثرها على مستقبل اقتصادات البلدان النامية، حيث تؤدى الشروط المجحفة وتدابير الحماية التي تطبقها دول الشمال إلى تكبيد الدول الفقيرة لخسائر قدرتها أحد المنظمات الأمريكية غير الحكومية تُدعى " أوكسفام انترناشيونال " بمبلغ 700 مليار دولار تقريبا في العام؛ أي ما يعادل 14 مرة ضعف مما تتلقاه تلك الدول من مساعدات مخصصة للتنمية!! من جانب آخر فقد أثبت فشل مفاوضات "سياتل" إلى تناقضات العولمة، وعدم التوازن بين مصالح البلدان المتقدمة والنامية، وهو ما عبر عنه شعار المتظاهرين في "سياتل" والذي تمثل في "لا نريد تجارة حرة بل نريد تجارة عادلة".
5 - أعباء التقدم التكنولوجي: إن التقدم التكنولوجي المعاصر في المعلومات والاتصالات وأساليب الإنتاج يضع تحديًا وأعباء ثقيلة على كاهل الاقتصاد للبلدان النامية، حيث جعل رأس المال والتكنولوجيا وليس العمل وحده عوامل الإنتاج الرئيسية المحركة داخل الاقتصاد العالمي؛ مما يخلق تحديات إضافية لتنمية الموارد البشرية واستخدامها، وإلا ستكون النتيجة الحتمية تفاقم معدلات البطالة، حيث إن تخلف المهارات البشرية عن التعامل مع التكنولوجيا الحديثة يولد نوعًا من البطالة يعرف بالبطالة الاحتكاكية أو الفنية. فعلى سبيل المثال: إذا استحدث مصنع نمطًا إنتاجيًا حديثًا باستيراد بعض الماكينات المتطورة، فإن عدم قدرة القوى البشرية القائمة على التعامل مع ذلك النمط الجديد سوف يصحبه استغناء عن العمالة غير المتوائمة. في النهاية تبقى حقيقة أنه مع مضي إعصار العولمة قدمًا وما يحمله في طياته من إرساء معيار البقاء للأصلح، الأمر الذي قد يتنافى في كثير من الأحيان مع المعايير الإنسانية التي يسعى مفهوم التنمية البشرية إلى تحقيقه. لذا فإنه يتطلب من الدول النامية أن تصحو من غفوتها واعتقادها بأن محاكاتها للمظاهر المادية لحياة أهل الغرب من الكوكاكولا إلى المحمول يعنى أنها تعيش حياة بشرية ناعمة!! ولكن عليها أن تؤمن بأن إحداث أي تقدم اقتصادي أو اجتماعي مشروط بقدرتها على خلق إرادة وطنية واعية وقادرة على مواجهة التحديات التي يفرضها النظام العالمي الجديد (العولمة). فقدرة البلدان النامية على إثبات وجودها مستقبلاً مرتهن بقدرة أجيالها على التعايش مع التقدم ومحاكاته بفاعلية لا بمظهرية، وهذا لن يكون إلا باعتبارها مشاركة في صنع التقدم وليس مجرد متلقية لثماره المصدر : موقع شبكة المتحدين العرب http://www.arbi.ws/vb/showthread.php?t=20
***
بقلم سيد عبدالعزيز
أنظر التنمية والحياة __________________ لم يكتشف الطغاة بعد سلاسل تكبل العقول... اللورد توماس
|
| |