جرير **من روائع شعره **( مما راق لي ) من روائع جرير
بداية شاعرنا جرير صورة صادقة عن نفسه و عصره . فيه خشونة البداوة ، و فيه رقة الحضارة . وصف الصحراء و ما فيها من حيوان و نبات و حرارة و سراب ، كما وصف المدينة و جنائنها و أنهارها و أزهارها و مجالس غنائها . كل ذلك ، بأسلوب يناسب المعاني التي يتناولها . فكان رقيقا في غزله و رثائه ، جافا في مدحها و هجائه ، و إن الطابع العام عنده هو خشونة الألفاظ و غرابتها .
غزل الشاعر عفيف ، بريء ، قريب إلى الغزل البدوي العذري أكثر منه إلى الإباحي الحضري . لا نجد فيه ألفاظ المجون و الخلاعة التي سادت معظم غزل تلك الحقبة من الزمن .
كان جرير زبيري الهوى ، شأن الشعراء المضريين جميعا . رغم أننا لا نجد في كل قصائده بيتا واحدة في مدح الزبير أو أبنائه أو حتى الموالاة و المشايعة . و لكن ، قد نستشف هذا الميل أو الهوى من خلال أهاجيه للفرزدق . فقد عيره و قومه ، بعدم وفائهم بعهودهم ، و تخلفهم عن حماية الزبير و نصرته . و قد كان يسميه بأحب لقب على قلبه " حواري الرسول " و سمي يوم مصرعه " يوم الحوارى " و قد رثته " النجوم الطوالع " و مع ذلك فقد ذم و لدي الزبير و عرض بهما : عبدالله و مصعب . و نسب إلى عبدالله الكفر و الإلحاد تزلفا و إرضاء لحكام و خلفاء الأمويين .
و بهذا التعريض و الذم دافع الحجاج عن الشاعر أمام الخليفة عبدالملك بن مروان قائلا عنه : " إن جرير لم يكن ممن والى ابن الزبير و لا نصره بيده و لا لسانه " . ( شرح ديوان جرير ، 2005، 10-11) قال في هجاء بن صبير بن يربوع
أما صُبيرٌ فإن قلّوا و إن لؤُمُوا * فلست ُهَاجِيَهُم ما حَنَتِ النيبٌ (1)
أما الرّجالُ فًجِعْلانُ و َنسْوًتُهُم ْ* مٍثْلٌ القَنًافِذِ لا حُسنُ وَ لا طيب ُ (2) لنتابع ما يقوله جرير
لقد كانَ ظَنٍي يا ابن سَعدٍ سَعادةً * وَمَا الظّنُ إلاَ مُخْطٍئُ و َمُصِيبُ(1)
تَرَكْتُ عِيــالي لا فَواكٍـهَ عِنْــدَهُمْ*و َعِنْــدَ ابنِ سَعـدٍ سُكًـرٌ وَزَبيــــبُ(2)
تحنّى العٍظامُ الرّاجٍفاتٌ مِن البٍلى * وَلَيسَ لداءٍ الرُكْبَتَينٍ طَبيــب ُ(3)
كأن النساء الآمراتِ حَنَيني * عَريشاً فًمًشيي في الرّجالٍ دَبيـبُ(4)
مَنَعْتَ عَطائي يا بنَ سَعْدٍ و َإنّما *سَبَقت إليَ المَوْتَ وَهُوَ قَريــبُ(5)
فإن ْ تُرجِعُوا رِزْقي إلـيّ ، فَإنَهُ * مَتـاعٌ لَيالٍ ، وَالحـيـــاةُ كَــــذُوبٌ (6) ـــــــ/الشرح/ــــــــ 1)المعنى : يقول : إنني لن أهجو صبيرا ما دامت النياق المسنة تحن على فقد أولادها مهما بلغوا من درجات اللؤم و البغض . 2) المعنى : يقول : لا يستحقون شرف هجائي لأن رجالهم كالخنافس في قبحهم ، و نساءهم كالقنافذ في دمامتها و رائحتها الكريهة. 1) المعنى : يقول : منت أظن يا بن سعد أنني سأجد عندك كل خير و سعادة ، و لكن خاب ظني و تبدد أملي . و الظن قد يصيب فيهنأ صاحبه ، و قد يخطئ فيتعس . 2) المعنى : يقارن بين حاله و حال ابن سعد فيقول : إن أولادي يعيشون في حالة فقر مدقع فلا يجدون حتى الفواكه ليقتاتوا بها أما أنت و عيالك فتنعمون بالخير و الثراء و تتلذذون بأطايب الطعام من سكر و زبيب و غيرهما . 3) المعنى : يتابع استعطاف ممدوحه فيقول : إن جسدي أصبح ضعيفا هزيلا و عظامي ترتجف لانحنائها ، و قد أصيبت ركبتاي بالجفاف و التيبس فلا يشفيني دواء ولا يدوايني طبيب . 4) المفردات : حنيني : عطفنني ولوينني . العريش : شبه الخيمة ، الحظيرة تسوّى للماشية ، الهودج . المعنى : يقول : إن نساءه يأمرنه و يطلبن منه أن يقدم لهن ما يردن فيعجز عن ذلك ، فأصابه الهم و الحزن فتحول كومة من عظام تشبه العريش أو الخيمة ، فيمشي بين الناس و يتمايل في مشيته و يتثاقل .. 5) المعنى : يقول : إنك يا بن سعد أهلكتني بمنعك العطاء عني ، فسبقت الموت الذي كان يتوعدني بالهلاك و الفناء و يقترب مني رويدا رويدا . 6) المعنى : يقول و قد تغلب عليه اليأس في ابن سعد إنك ترجع عطائي و رزقي إلي ، فاعلم أن هذا الرزق يمد في عمري أياما قليلة لأن الحياة فانية و لن تدوم طويلا إذ سيدركها الموت إن آجلاً أو عاجلا ً . من أشعار جريرــــ ( مما راق لي ) ــــــ (كتاب شرح ديوان جرير قدم له و شرحه تاج الدين شلق : دار الكتاب العربي ) __________________ لم يكتشف الطغاة بعد سلاسل تكبل العقول... اللورد توماس
|