لم يتعلم الممثل المصري "محمد سعد" الدرس على الرغم من أن الكل توقع أن يدرك من خلال الأرقام أمام شباك التذاكر أن القاعدة الجماهيرية التي استند إليها خلال رحلته في عالم البطولة المطلقة التي امتدت إلى ثماني سنوات بدأت تنهار، وصارت في السنوات الأربعة الأخيرة تعلن عن نفسها بصوت عال في معدلات هبوط متصاعدة.. لكن يبدو أنه لم يتعلم بدليل رهانه غير الصائب على فيلمه الأخير "اللمبي 8 جيجا". على الرغم من أن أرقام "سعد" مع أفلامه الثلاثة الأخيرة "كركر"، و"كتكوت"، و"بوشكاش" لم تعد تضعه في المقدمة، إلا أنه مثل الرمال المتحركة كلما حاول الفكاك منها أخذت تهوي به أكثر.. لأنه لم يغير شيئا في مفردات أفلامه السابقة! فنجد أنه سار في "اللمبي 8 جيجا" على نفس الدرب.. الشخصية لا تتغير، وكان "سعد" مباشرًا منذ البداية عندما أطلق على فيلمه أيضًا "اللمبي"، غاب عاما كاملا عن الساحة فلم تعرض له أفلام في 2009، وكان ينتظر أن الغياب سوف يؤدي دورًا إيجابيًّا في زيادة مساحة التوقع والترقب والوحشة لدى جمهوره إلا أن الأرقام خذلته للمرة الرابعة. صحيح أن الفيلم أفضل حالاً من أفلامه الثلاثة الأخيرة، خاصة مساحات الضحك في النصف الأول من الفيلم، ولكن الناس تريد التغيير كاملاً، وليس بالتقسيط.. وليس على مراحل. لكن "سعد" مع الأسف لم يدرك ذلك.. فقد كتب قصة فيلمه مثلما يفعل "تامر حسني" و"أحمد مكي" و"محمد فؤاد"، وعندما يكتب النجم غير المؤهل إبداعيّا للتأليف، وليس لديه مخزون طازج فإنه يطرح غالباً من الذاكرة قصصا وحكايات قديمة. قصة جيدة ولكن على رغم ذلك فإن القصة التي كتبها تحمل إمكانية أن تغلف بأبعاد إنسانية.. زوجان لا ينجبان، وكل منهما لو تزوج بآخر يستطيع الإنجاب إلا أن السيناريو الذي كتبه "نادر صلاح الدين" لم يخلص لهذه الفكرة. فجأة أراد أن يعود مرة أخرى إلى فيلمه الأثير "اللي بالي بالك"؛ إذ كان "سعد" يؤدي في الفيلم شخصيتين بعد أن تم زرع مخ له عندما فقده في حادث.. هذه المرة في "اللمبي 8 جيجا" زرع له الطبيب ذاكرة أراد من خلالها أن يحيله إلى فأر تجارب ليكتشف كيف أنه يستطيع أن ينتقل إلى عوالم جديدة، وأن يقهر مصيره ليتحول من مجرد شاهد يحصل على أجره مقابل شهادة زور ليصبح محاميا شرسا يترافع في أعقد القضايا، ويجد حلولاً عبقرية باستخدام تلك القدرة الفائقة التي تمنح البراءة لكل من يوكله. إلا أنه في النهاية يتمرد على الطبيب الذي يهدده بنزع الذاكرة، ويضحي بكل شيء ويعود مرة أخرى صعلوكاً سعيداً.. الفكرة تحمل معنى التمرد على من يصنع لنا مصيرنا الذي لا نرتضيه، والسؤال في الفيلم انتقل أيضاً خارجه إلى بطل الفيلم. لماذا لم يستطع "محمد سعد" أن يتمرد هو أيضا على هذا المصير.. الذي يتجه إليه بتكراره شخصية "اللمبي"؟ إن الزمن يتغير، وهذا اللقاء الذي رأيناه بين الجمهور و"سعد" قبل ثماني سنوات استطاع أن يصعد به إلى عرش الإيرادات كان بإرادة الناس، وذلك بعد أن توحدوا مع شخصية "اللمبي"، إلا أن "سعد" فقد سحره، ولم يدرك أن الناس تشبعت، وأنه في كل مرة يهدر طاقته أكثر وأكثر. مي وفايق وحسني في الفيلم وقفت "مي عز الدين" بجوار محمد سعد في ثاني تجربة لها معه بعد "بوحة"، وعلى الرغم من أنه سمح لها بأن تحصل على مساحة درامية إلا أنه مع غياب المخرج القادر على التوجيه لم تستطع أن تدرك أن أداءها ليس له علاقة بالكوميديا. المخرج "أشرف فايق" لم يملك أن يضيف شيئا، فهو أيضاً لم يوجهها أو يوجه بطل الفيلم أو يمنح الصورة السينمائية أي قيمة تعبيرية أو درامية، ومن الواضح أن هذه هي اختيارات "سعد"، فهو لا يتعامل مع مخرج لديه وجهة نظر، ولكن فقط مخرج منفذ لأفكار "سعد"، وهكذا رأينا المخضرم "حسن حسني" يؤدي مجرد دور في الفيلم، كأنه أحد تمائم الحظ في فيلم "سعد"، فيما لم نرَ سوى ماكياج صارخ على وجهه، وبأسلوب نمطي نشاهد به شخصية الصعيدي، لهذا لم تتمكن بركات "حسني" من إنقاذ "سعد". فلن ينقذه سوى أن يدرك أن عليه أولاً أن يتخلص من شخصية "اللمبي" التي قيدته وخنقته، بل ليس لديه سوى حل واحد.. أن يقتلها قبل أن تقتله!