09-07-2010, 12:36 PM
|
#1 (permalink)
|
خبيرة في التنمية البشرية
العــضوية: 5529 تاريخ التسجيل: 17/09/2009
المشاركات: 3,872
الـجــنــس: أنثى | اطرد فرعون الذي في عقلك!! اطرد فرعون الذي في عقلك!! الأذكياء وحدهم هم من ينظرون إلى الوراء ويستفيدون من أخطاء الماضي فقط لمواصلة المسير بكل قوة وتوازن ونفَس طويل نحو أهدافهم العليا وطموحاتهم الكبرى وأحلامهم الجميلة.. هم وحدهم من لا يقيمون لهذه الأخطاء أو التجاوزات محكمة عسكرية استثنائية لعقاب النفس والانتقام منها بدافع التصحيح والتقويم؛ بل الأمر أيسر وأسهل، فمن الرشد التركيز على الحل وليس التركيز على المشكلة والبدء بتصويبها عاجلاً غير آجل بدلاً من الدوران والتحايل عليها والتسويف والتأجيل في التعاطي معها والذي لا يُبقي ولا يذر. ومن خلال نظرة متأملة في الماضي الغابر والتاريخ الساخر للأمم والشعوب سواء أكانوا من العرب أو العجم.. من بلاد السند أم من بلاد الهند.. نرى أن القوة العظمى والسر الكامن وراء استمرار أنماط من البشر وتفوقهم على جميع المستويات وفي جميع الحقول هو القدرة على نقد الذات وتصويب الخلل وعلاج العلل بشكل جذري لا يقبل أنصاف الحلول. وهنا نطرح بشكل جاد على طاولة الحوار الفكري المتوقد ظاهرة اجتماعية تحتاج إلى توقف وتفكير هادئ، وهي إشكالية من إشكاليات التفكير السلبي والذي تعاني منه شريحة من مجتمعاتنا وله بالغ الأثر السلبي على قراراتنا وحياتنا وأنماط عيشنا وحياة من نخالط ومن نعامِل وكيف نتعاطى مع الأحداث والأحوال من حولنا وكيف نفهما!! وقبل أن ندخل في الإطار الفكري للموضوع علينا أن نتوقف قليلاً ونسأل السؤال المركزي هنا: هل الحياة عبارة عن فرصة أم معركة؟ والجواب العادل والشامل والكامل هو أنها ولاشك... وهي فرصة وليس مثل كل الفرص، بل هي الفرصة الكبرى للإنسان لبناء مرحلة الخلود السرمدي الأبدي في جنة عرضها السموات والأرض في مقعد صدق عند مليك مقتدر. ولكنَّ تناوُل البعض لهذه الحياة على أنها معركة فيه خلل واضح في الفهم والإدراك بُني عليه الكثير من الكوارث الشخصية والمالية والنفسية والصحية والاجتماعية. فأصبح الظلم والبغي والطغيان والاستبداد والتجاوز والعنف وأكل الحقوق والتخلي عن الواجبات بأنواعها الدينية والمدنية مبررًا عند مرضى النفوس ومعتلّي العقل والتفكير. وظهرت الشخصيات الضعيفة التي لا تعرف إلا الكبر والغطرسة والاستئثار والأنانية والمكابرة، فهي أنفس خاوية لم تذق طعم السعادة ولا الطمأنينة ولا لذة العيش ورغد الحياة، حيث بحثت عن السعادة في الأخذ ولم تعلم أن الأنفس الكبيرة والأرواح العظيمة تجده في العطاء والنماء, تجده في الحب والإخاء وصدق المشاعر وطيب النفس والمعشر، فإلى أي هاوية يسير هؤلاء بأنفسهم وبمن حولهم! يا ترى وعلى أي أرض هشة يقفون قبل أن يسقطوا!! هل أضحى الكذب والنفاق والتلاعب عند البعض مبررًا لكسب معارك هم صنعوها لأنفسهم؟ ظننا منهم أنهم على حق وأنهم هم الفائزون ولابد أن يخسر الجميع لقاء تحقيقهم انتصارًا شخصيًا وهميًا بلا طعم أو لون أو رائحة. إنه خداع النفس ليس إلا، فأي مكسب بُني على باطل فهو باطل وهو خسران وهزيمة وعقاب، وانتقام من لا يغفل ولا ينام واقع لا محالة. فالنوايا الطيبة والأخلاق العظيمة والسلوك الحسن هو المغنم الكبير الذي لا يقدر بثمن ولا يوصف بمكيال أو ميزان مهما كان. يروى أن الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يتجول في السوق متفقدًا أحوال الباعة ومفتشًا عليهم، فسمع امرأة تبيع اللبن تطلب من ابنتها أن تضيف الماء إلى اللبن ليزيد, فرفضت البنت تورعًا وخشية، فقاطعت الأم ابنتها وقالت: "لكن عمر لا يرانا"!! فردت البنت بكل صدق وإخلاص وتقوى وورع: "ولكن رب عمر يرانا". أعلن الفاروق حالة الطوارئ وطلب معلومات تفصيلية عن هذه العائلة وسأل خصيصًا عن هذه الثمرة اليانعة والشجرة اليافعة، تلك البنت الصالحة التي أوقفت عملية غش اللبن واحتفظت بقيمها وقاومت كل الإغراءات ولم تقدم أي تنازلات. أجابوه على كل أسئلته وأوقفوا حيرته في أمر صغيرة السن التي كانت تعلّم الكبار دروسًا في الأخلاق والقيم والعدل والإنصاف والخوف من جبار السموات والأرض. قرر الذهاب إليهم ولكن ليس معاتبًا أو محاسبًا على ذلك الموقف، بل خاطبًا تلك البنت لابنه زيد بن عمر بن الخطاب، فلقد توسم عمر ببعد نظره وحذاقة فكره وسلامة مقصده بهذا الزواج خيرًا، وفعلاً كان نتاج ذلك الزواج بعد زمن ليس ببعيد ومن نسل عمر الفاروق وتلك المرأة الصالحة بائعة الحليب جاء مجدد القرن الأول الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه. وبدل أن يعدل الناس في بيع الحليب فقط انتشر العدل والخير والبركة والأمن والآمان والتسامح والحب في أنحاء المعمورة، وفاض بيت المال في عهده، ولم يجد التجار من يأخذ الزكاة، فقد اغتنى الناس أجمعون، وكانت مرحلة ذهبية عمّ فيها الخير على الجميع بفضل سلامة القصد وحسن السلوك وطيب الخلق وقوة العدل وهيبة الإنصاف وقيمة الحق وتمكين الدين. إنه الصدق الذي يورث الخلود، والإخلاص الذي يورث السعادة، والإيمان الذي يورث الطمأنينة، والرفق الذي يورث التعاون، والتسامح الذي يورث الولاء والوفاء والحب والعطاء, والتوازن في القول والعمل الذي يورث النجاح والرقي في كافة الأصعدة والأزمان, فكم من بيت هدمه الظلم، وكم من طلاق كان بتوقيع الاستبداد، وكم من حرمان كان بدوافع البغي, وكم من علاقة دمرها الطغيان، وكم من الأبناء خسرنا بسب العنف، وكم من كره زُرع، وكم من بعض وُجد، وكم من نفور حصل، وكم من ندم وجرح في أنفسنا أو في نفوس الآخرين؛ بسبب التسلط والعنجهية والعناد وتشبثنا السلبي بآرائنا وهي خاطئة؛ فقط لمجرد استعراض القوة واستغلال المواقف والإحساس بنشوة كاذبة لا أساس لها، ولا نفكر بالعواقب الوخيمة والكوارث العظيمة إلا بعد أن تحل المصائب فلا ينفع. هون عليك أخي, هوني عليك أخيّتي، فالحياة جميله إذا عشتموها بحب وتكامل، وليس بتنافس وصراع, وقهر وأمر, فلتكن أنفسنا عظيمة، وأرواحنا معطاءة، والحكمة ضالتنا، والمنطق هدفنا, والتفكير في مستقبل الأمور طريقنا، فالعقل راحة إذا استُخدم فيما ينفع، وهو شقاء لو استخدم فيما يضر، وكونوا مؤمنين بأن لكل فعل له ردة فعل مساوية له بالاتجاه ومعاكسة له في المقدار, فالخير أمامنا والشر كذلك، فماذا نختار أيها المغوار؟. خاطب الله جل في علاه الإنسان واصفًا النفس البشرية ومدللاً على أن على الإنسان أن يختار ويتحمل نتيجة الاختيار، إما الخير وإما الشر، فقال تعالى: "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)" (سورة الشمس). وقال صلى الله عليه وسلم: «ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع الرفق من شيء إلا شانه». وأنت تسير في طريق الحياة الطويل أمامك لوحة كبيرة كتب فيها: "السعادة ليست معجزة، والطمأنينة ليست نادرة، والنجاح ليس صعبًا، والحب ليس مستحيلاً", ولكن بشرط أن تطرد فرعون الذي في عقلك إلى الأبد بقلم / سلطان بن عبدالرحمن العثيم مدرب معتمد في التنمية البشرية وتطوير الذات CCT, عضو المؤسسة الأمريكية للتدريب والتطوير ASTD. المقالة الأصلية متوافرة على : http://islamtoday.net/nawafeth/artshow-58-133375.htm __________________ لم يكتشف الطغاة بعد سلاسل تكبل العقول... اللورد توماس
|
| |