هل عرفت المعجزة؟
د. عائض القرني
لكل أمة معجزة، ومصدر فخر، وقاموس شرف، ومعجزتنا وفخرنا وشرفنا القرآن؛ لولا القرآن لمسخت الديانة، وذهبت اللغة، وانطمست الهوية، وفسد البرهان، وسقطت الحجة.
القرآن حياة أمة، وميلاد حضارة، وناموس مجد، وسجل مكرمات، وديوان فضائل، مسكين الذي لا يقرأ القرآن، ولو قرأ كتب الدنيا، وصغير من لم يتدبر القرآن، ولو تدبر كل نتاج البشر، في القرآن خشوع القانت، ورقة الزاهد، وعظمة القائد، وإقدام المناضل، وعزة الشهيد، وجمال الحق وجلال الفضيلة. في القرآن بنود الحكم، وأسس الدولة العادلة، وبطاقة الشورى، وميثاق السلام، وأبهة الملك. في القرآن معالم الإيمان، وحب الوطن، وطهر السياسة، وهيكل الاقتصاد، ومجالس المعرفة، وعبر التاريخ، وأسر الطبيعة، وقصة الزمن. في القرآن تحيات زاكيات طيبات مباركات، فهو يحيي العالم التقي، والحاكم العادل، والعامل المثابر، والجواد المنفق، والغني الشاكر، والفقير الصابر، والمبتلى المحتسب، والمناضل المقدام، والعاقل الحصيف، والخلوق المتواضع، والمطلع المتدبر، والمرأة العفيفة المؤمنة الشريفة. في القرآن هجوم أدبي كاسح على أساطين الإلحاد، ومردة الشرك وشياطين الوثنية ورموز الظلم، وعملاء البغي والاستبداد، والإقطاعيين والأفاكين والمرتشين والمرابين، وفيه نسف وإبادة لمعاقل الزور، وملاعب الجاهلية، وأوكار الجريمة، ودور اللهو والعبث، وفي القرآن تنديد شديد، ووعيد أكيد على هواة البذخ والإسراف، وعشاق المظاهر الزائفة، والاستعراضات الخادعة، والدعاوى الكاذبة.
وفي القرآن صيحة غضب على صناع العدوان، وأتباع الشيطان، وهواة الدجل والبهتان، فهو يهاجم بلا هوادة، الطغاة والبغاة والغلاة، ويسخر من المتجبرين والمتكبرين والعاطلين الفاشلين، والغافلين المعرضين، والقساة الجاهلين. في القرآن فحص دقيق وكشف عميق لأسرار النفس، وخبايا الضمير، وخفايا الصدور، ومكنون النيات، وفيه تعرية لبخل الغني، وجحود المعترض، وغطرسة المستبد، وتيه الأحمق المتعالي، وجرأة الفاجر ولؤم العاق، وسموم الشرير، وأقنعة المنافق، في القرآن الحديث الراقي عن أخبار الأمم، وتاريخ الشعوب، وحكاية الدول، وأنباء القرون. والقرآن يحدثك عن قوافل التجارة، وسفن البحارة، وكتائب الجنود، وحياة البادية، وقصة الحضارة، كأنك تسمع في القرآن بكاء العباد، ودعاء الزهاد، وسمر الملوك، وأصوات الرعاة، وخطب الوعاظ، ورسائل الأدباء، ومباحثات الساسة، وأهوال الحروب، وفنون السلام، والمعاهدات الدولية، والوثائق التاريخية. في القرآن رواية مذهلة عن الشمس، ومذكرة موحية عن القمر، ومحاضرات عن النجوم والكواكب، وحصص عن الفلك والكائنات، وفيه زمجرة الرعد، ولمعان البرق، وزحف السحب، وروعة الغيث المدرار، والوصف المعبر المدهش عن الحدائق الغناء ذات البهجة، والبساتين الفيحاء الهائمة في الحسن. في القرآن ريشة الرسام، وقلم الحكيم، وعرش السلطان، وسجادة المنيب، ومنبر الخطيب، وحلقة المفتي، وورشة العامل الجاد، وإلهام العبقري.
القرآن كفاح وتضحية، ونضال واستبسال، وصدق ووضوح وإخلاص وتفان، وسباق ومنافسة، وهمة وإقدام، وإتقان وجودة، وصبر واحتساب، وعدل وخشية، وعلم وعمل، وروح وجسد، وغيب وشهادة، ودنيا وآخرة، وراع ورعية، ومظهر ومخبر، وحياة وموت.
في القرآن حرية الرأي، وفضيلة الإقناع، وذم الإكراه، ومقت السيطرة، والدعوة للمصالحة الاجتماعية، والأخوة الإنسانية، وبناء صروح المعرفة، والإشادة بالعقل، ومدح العفو، والزجر عن الانتقام الطائش والتهور الممقوت، والاختلاف المنبوذ، إنه وثيقة ربانية من المعاني السامية، والأهداف النبيلة، والأفكار العظيمة، والتعاليم الراشدة، والوصايا الحكيمة، والعظات البليغة، والدليل الهادي، والبرهان النير، فتبّا لمن أعرض عن القرآن.
الشرق الأوسط