[بحر الحب]

على الرغم من الكم الهائل من الأعمال الدرامية عبر الفضائيات الا ان تلفزيون «الوطن» عودنا دائما على الأعمال المميزة التي تشد انتباه المشاهد من أولى الحلقات وخاصة خلال شهر رمضان الكريم، ومن أبرز هذه الأعمال مسلسل «ساهر الليل» والذي تصدى لإخراجه المخرج الدرامي المبدع محمد دحام الشمري بجانب أبطاله جاسم النبهان، باسمة حمادة، وفاطمة الحوسني، وعبدالله التركماني، وجواهر، وعبد المحسن القفاص، ونخبة كبيرة من المواهب الشبابية.
«ساهر الليل» مسلسل اجتماعي وتدور أحداثه في زمن الحب والرومانسية والانفتاح والبراءة في السبعينيات حيث كانت الكويت مثالا للتطور والتقدم الانساني والمادي. ويتناول العمل قضايا اجتماعية وانسانية مهمة لا تزال المجتمعات تعانيها مثل الطبقية والماديات الى جانب الحب والسيطرة والمساواة بين المرأة والرجل وذلك من خلال ثلاث أسر تتصارع فيما بينها، وخلال الصراع تبرز تلك القضايا المطروحة، بعيدا عن الاثارة المبتذلة والمبالغات.
والحلقات المبكرة للمسلسل جاءت شفافة في طرح القضايا ونجحت في جذب عيون المشاهدين التي تركت المحطات الفضائية الأخرى لتطالع الأجواء الساحرة للعصر الذهبي الكويتي على شاشة «الوطن»، وبالفعل انسجمت الحواس والمشاعر مع الأداء المبدع للنجوم الكبار وشباب الفنانين، وكان النجاح الجماهيري مبكراً، وما زالت لمسات محمد دحام القاطرة التي ستدفع العمل لمزيد من التألق والنجاح في سباق الدراما الرمضانية.

عدة معان

ويدور عنوان المسلسل «ساهر الليل» حول عدة معان تبينت لي خلال الحلقات التي مضت فهو العاشق الذي يمنعه عشقه من النوم وهو كل انسان وقع في شباك الحب يوما ولم يجد غير الليل صديقا يواسيه.
«ساهر الليل» هو الأب الذي يسهر على بناته، وهو الأخ الذي يتحمل مسؤولية أسرته مبكرا وهو الانسان الذي يعاني وحدة فرضتها عليه الظروف.
«ساهر الليل» هو الأم التي تسعى لتحقيق أحلام أبنائها وهو كل انسان يعانده النوم سواء لمرض أو لحزن، وهذا ما يكشفه العمل خلال أولى أحداثه التي انبهرنا بها من الحلقات المبكرة التي عشنا معها الواقع الذي ربما لم نعشه حيث العصر الذهبي عصر الرخاء في الكويت.

الزمن الجميل

المسلسل إلى جانب انه اجتماعي يحمل النفحة التراثية يبوح برومانسية الزمن الجميل في أجواء الستينيات والسبعينيات مع المخرج المتألق محمد دحام الشمري الذي يعتبر أفضل المخرجين الخليجيين، خاصة بعد الاعمال الدرامية المميزة التي أخرجها وما يميز مسلسل «ساهر الليل» هو الزمن الذي تدور أحداثه فيه حيث لم يتطرق له أحد من المخرجين اطلاقا من قبل، فالجديد هو التطرق لزمن الرخاء بالكويت.

النبهان العملاق

اما بالنسبة لأدوار النجوم والفنانين اللامعة، أبدأ مع الفنان جاسم النبهان الذي يجسد دور«عيسى» وهو رجل أعمال ناجح ينتمي للطبقة المخملية في المجتمع، مشغول دائما بعمله وبعيد عن منزله ورعاية بناته اللاتي تغيرت حياتهن منذ وفاة والدتهن فجأة، فيضطر الجميع الى التعايش مع الواقع حيث يجد عيسى نفسه تائها لا يعرف التصرف مع بناته ولا يعرف عنهن شيئا سوى اسمائهن، لكنه يصر على التماسك ويرفض الزواج ويبذل ما بوسعه للسيطرة على أوضاع بيته، خاصة مع ابنته الصغرى التي تأثرت بوفاة والدتها أكثر من شقيقاتها، حيث أبدع النبهان بتجسيده الدور الصارم، وهذا ليس بالغريب على عملاق الساحة الفنية جاسم النبهان الذي جسد الدور وكأنه يعيشه بالفعل.

ملكة الدراما

أما ملكة الدراما باسمة حمادة التي عودتنا على ابداعها من سنة إلى أخرى جانب جهدها المهني الواضح وقدرتها الفذة على الفصل بين كل شخصية وأخرى خاصة أنها تظهر في العديد من الأعمال الدرامية في وقت واحد فقد جسدت دور «عواطف» وهي شخصية جميلة ومرحة لها جو خاص من خلال حبها للحياة والمال، هذا بالاضافة الى سيطرتها على أسرتها وهي شخصية مؤثرة في جميع من حولها برأيها المتسلط الذي يتسبب في المشاكل والصراعات لأسرتها.

تألق التركماني

بينما تألق الفنان الشاب عبدالله التركماني من خلال تجسيد دور صعب، وهو «وليد» شاب معاق من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة يفقد ثقته بنفسه ويعيش في عزلة مع عالمه الخاص المتمثل في الكتب والقصص التي يقرؤها ويعتبرها واقعه.
والمعاق شخصية مميزة وغريبة من نوعها جسدها التركماني بإتقان رغم صعوبتها خاصة حركات اليد، وطريقة الكلام وشكل الفم.

«جواهر» الجديدة

وبرعت الفنانة الشابة جواهر في أداء شخصية جديدة عليها وعلى جمهورها، وهي مختلفة عن الأدوار السابقة التي جسدتها خلال أعمالها، إذ جسدت دور «شيخة» الاخت الكبرى المتسلطة والمغرورة بأصلها، تتصرف بطبقية وعنصرية، لسانها الطويل جعل طباعها قاسية وجافة، وهذه القساوة جعلت الكثيرين ينفرون منها لاعتقادها ان الطيبة ضعف وخاصة أمام الآخرين.

مواهب واعدة

ولا أنسى العديد من المواهب الشابة الواعدة التي ظهرت في المسلسل إلى جانب الفنانين الكبار، وأدوا أداء جيداً يبشر بمستقبل مشرق للدراما الكويتية، ونجحوا في إخراج كل طاقاتهم التمثيلية بكل مشاهدهم والفضل يعود للمسات المخرج اللامع محمد دحام المتمثلة في نصائحه وتوجيهاته التي لم يبخل بها على هؤلاء الموهوبين، فجاء الأداء والإخراج متناغمين.

قائد ماهر

وفي النهاية أود ان أوجه الشكر للمخرج محمد دحام الشمري الذي أتقن قيادة سفينة «ساهر الليل» مع نجومه اللامعين والموهوبين الذين بذلوا جهودا واضحة جعلتنا نعيش الأحداث لحظة بلحظة وكأننا معهم في هذا الزمن الجميل، فضلا عن القصة الجميلة للمسلسل التي جذبتنا قبل أن نشاهد الأحداث ونعرف التفاصيل.
وعلى الرغم من طوفان الأعمال الدرامية المتشابهة في ر مضان، فإن المبدع محمد دحام يتميز دائما بعمله الذي يأتي مختلفا عن الآخرين، وبالفعل جاء مسلسل «ساهر الليل» متفرداً في قصته وأحداثه وإخراجه، وأتوقع له المزيد من النجاح الجماهيري.





http://www.alwatan.com.kw/ArticleDetails.aspx?Id=49936