[نوره عبدالرحمن "سما"]

استشراف المستقبل العربي في المائة سنة القادمة - الجزء الأول


للدكتور صلاح الراشد

قرأت في الأيام الثلاثة الماضية كتابين جديدين في المستقبليات. أحدهما لجورج فريدمان المعروف باستشراف المستقبل صاحب كتاب "حرب أمريكا السرية". وكتابه هذا عنوانه المائة سنة القادمة. جورج فريدمان مثل شبيهه توماس فريدمان عميق التحليل والطرح. هذا الكتاب فيه أن التغيرات المتوقعة سياسياً وجغرافياً واقتصادياً ضخمة جداً. يرى باختصار أن أمريكا سوف تستمر في قيادة الحضارة القادمة، بلا منازع حتى منتصف القرن. حرب أمريكا الباردة مع روسيا انتهت، لكن لها عودة في خلال عقدين. حرب أمريكا التحتية الحالية هي مع "الأصولية الإسلامية". لن تصمد هذه "الأصولية" أكثر من عشر سنوات أخرى، لأنها تفتقر للقيم والدولة والجيوبوليتكس (الموقع والسياسة) وأيضاً القوة؛ فالقوة لا تبنيها مقاومة أو حرب شوارع فقط. ألمانيا سوف تسقط في خلال الثلاثين سنة القادمة. بولندا سوف تنهض بدعم عسكري وتقني من الولايات المتحدة لمواجهة المد الروسي الجديد

إن الوطن العربي لن يلعب أي دور. الدولة الوحيدة المسلمة هي تركيا، والتي يتوقع لها أن تلعب دوراً رئيساً مع منتصف القرن. الدولة الثانية التي ستنهض هي المكسيك، ويتوقع لها قوة منافسة للولايات المتحدة مع 2080 تقريباً. كثيرون بعتقدون أن أمريكا منهارة أو على وشك، حتى من داخل أمريكا نفسها، وعند الأوربيين فضلاً عن الشعوب العربية وغيرها. لكن أمريكا في وضعها الحالي يصعب انهيارها في أقل من مائة سنة قادمة على الأقل، إلا إذا حصلت تغيرات جذرية في البعدين العسكري والاقتصادي. السبب في ذلك أن أمريكا تشكل فقط 4% من تعداد العالم، لكنها تنتج 26% من كل انتاج العالم. هذا الانتاج يساوي انتاج كل الدول الست الأولى التي تليها (اليابان الثانية والأعلى وبتفرد تنتج 4.4 تريليون، أمريكا 14 تريليون، سنوياً، المكسيك ترتيبها 15، تركيا ترتيبها 17، وينتجان أقل من ترليون). قوة أمريكا العسكرية وحدها تساوي قوة العشر دول التي تليها في الترتيب، وهي أقوى من الاتحاد الأوربي مجتمعة مضاعفاً. إن البعد الجغرافي للعالم الآن هو أنه من يحكم المحيط الأطلنطي يحكم العالم. وأمريكا تحكمه بلا منازع. لا مقارنة بين البعد التكنولوجي الأمريكي وأي من الدول في العالم. تكنولوجيا أمريكا تساوي تكنولوجيا الدول الخمس التي تليها. والسنوات القادمة حرب وسباق وقوة تكنولوجيا. من يملك التكنولوجيا يملك الحكم. تمتلك أمريكا كذلك الطاقة، بما في ذلك البترول، وتنتج أكثر من 8 مليون برميل نفط يومياً. هذا يعني أكثر من الكويت وأكثر من الامارات وأكثر من إيران، ويشكل 85% مما تنتجه السعودية. وهي الثانية على مستوى العالم في انتاج الغاز الطبيعي 18,7 ترليون قدم مكعب (روسيا الأولى بحدود 22,4). تنفق أمريكا أكثر من 200 مليار سنوياً على البحث العلمي (الوطن العربي كله 1,7 مليار، إسرائيل وحدها 4 مليار!). تمتلك الولايات المتحدة قوة فكرية وقيمية ومنهجية ونظامية داخلية مبرمجة على الاصلاح التلقائي وقت الأزمات. تحل مشاكله بالطرق القانونية والقنوات النظامية. بالمقارنة بالصين، مثلاً، التي يعتقد البعض أنه قد يكون لها شأن فإنه لا مقارنة. الصين دولة معزولة لا تمتلك البعد الجغرافي في العالم مثلها مثل أفغانستان (لا بعد استراتيجي جغرافي ألبته). خيار الصين الجغرافي يقول لها: ألا تكون دولة عظمى. المسألة الثانية أن الصين لا تمتلك نظاماً داخلياً نقياً، هي دولة بوليسية مثلها مثل الدول العربية والأفريقية، وقد تفوقها بعض الدول العربية والأفريقية ديمقراطية. لهذا فلا تجد الصيني يعمل لمنظومة دولة عظمى هو يعمل ليعيش، وفي داخل الصين كبت عقود من الاضطهاد قد يخرج في أي وقت، وهذا سينقلب على النظام والانتاج. بعد عشرين سنة قد تصل الصين لمستوى الخليج من ناحية النظام القيمي. إن الخليج العربي حالياً أكثر قوة في الداخل من الصين. الوطن العربي (الجمهوريات الصورية) بمستوى الصين غير أنه لا ينتج. انتاج الخليج (25 مليون نسمة غالبه نفط) يساوي أكثر من انتاج بقية الدول العربية مجتمعة كلها (300 مليون نسمة). أيضاً استقرار الخليج يهيأوه للحاق بالركب الحضاري. فقط هذا الأسبوع كان الرئيس بيل كلينتون، وجون بلير، والرئيس التنفيذ لجوجل، والرئيس التنفيذي لأبل، والعالم الكبير ميشو كاكو، وعشرات آخرين في الرياض لحضور مجموعة من الفعاليات الاقتصادية. قارن هذا بالاضطرابات في لبنان وتونس والجزائر ومصر واليمن، والتي سوف ترجع هذه الأوطان للتأخر عشرين سنة أخرى في سنة واحدة. ما يحصل في الشارع المصري واليمني والجزائري دليل اللاوعي ومؤشر لمعاناة مستقبلية أكثر، ما لم يستجد وعي. لو أن هذا الوضع انتقل للخليج فسوف يصبح الأمل في اللحاق بالركب الحضاري خلال المائة سنة القادمة أضعف

لا يتسفيد أحد من الحروب، لكن المتضرر الأكبر هو الأضعف. مثال: فلسطين. كل يوم تخسر فلسطين شبراً، ومنزلاً، وقراراً، وتأيداً، وطفلاً، وشيخاً، وعلماً، ويوماً من احتمالات الأيام السعيدة. في الوقت الذي يلعب فيه "تجار القضية" أكثر على الشعوب التي شغلت بالحروب والنصرة والمقاومة .. إن الطريق التنموي هو الطريق الوحيد المنير حالياً للعرب. والمقصود بذلك أن يبني العربيُّ نفسه، ويدخل في الركب، كما فعلا الرعيل الأول. إن العرب المسيحيين وقتها دخلوا في حمى الروم، الذين تبنوا المسيحية آنذاك، مع حفاظهم على حب أوطانهم وتعميرها، ولذا تطوروا جداً، فكانوا الأكثر صحة وعلماً ومالاً وفائدة، في الوقت الذي كان العرب الجاهليون يتقاتلون مع أنظمتهم وقبائلهم وجيرانهم. مع قدوم الإسلام حصل التغيير الحقيقي، ولم يأخذ أكثر من مائتين سنة، حتى صار قوة حقيقية في البشرية، تقود الحضارة فائدة وحباً وعطاء. اندمج الخليفة الثاني عمر، رضي الله عنه، في الحضارات، فسمح بترجمة الدواوين الرومانية، واقتبس من الحضارة الفارسية. وبدخول الناس في الدين الجديد صاروا يضيفون للحضارة، وأشغلهم الإسلام في البناء والتنمية والتعمير والعطاء والعلم والمعرفة. ولا أدل على ذلك أن أكثر بلدان المسلمين آنذاك لم تشهد حروباً، فهذه شرق آسيا لم تشهد حروباً، وهي الأكثر عدداً آنذاك وحالياً. وهذا الجزيرة استقرت واستقلت عن الحروب. بل كانت حرماً كلها من الحروب من بعد ما استقر الحكم للأمويين والعباسيين بعدهم. لم يهتك حرم الجزيرة بعد استقرارها عن الخوارج إلا القرامطة ثم القاعديون. لقد أدرك الأوائل أن الاضطرابات المستمرة والخروج على الحاكم والحكومات لا تأتي بخير بالذات إذا كثرت. لو الموضوع استمر في تونس فهذا يعني تعطيل أكثر للتنمية، بطالة كاسحة، فقر، سرقات، ضياع النظام والأمن والسلام.. مع أن الحركة الأولى كانت موفقة لذا فسرعة الانتهاء من هذا الموضوع مع ضبط الشارع بالأمن وكسب الجيش أكثر أهمية. هذا في تونس، وتونس معذورة لما لحقها من ظلم مستمر أصلاً عطل نصف الشعب من التنمية، وشرد مئات الآلآف من العقول في أوربا. لكن هذا لا ينطبق على مصر ألبته ولا اليمن ولا الجزائر ولا لبنان. يجب تثقيف الشعوب بالتالي: ليست هناك أي حكومة في أي زمن وفي أي مكان كاملة وشفافة وليست فيها أخطاء. طلب هذا الموضوع من شيم اليائسيين

أربعة أبعاد، برأيي، سوف تلعب الدور الرئيس في التغيرات القادمة
أولاً: التكنولوجيا. البحث الذي ذكرته عن راي كورزويل (السينجلراتي)، وهو من رجل كبير في علمه، ودقيق في توقعاته، حاز على 13 شهادة دكتوراه فخرية من أكبر الجامعات الأمريكية، وكرم من ثلاثة رؤساء أمريكيين على التوالي، ومنح أعلى شهادة تاريخية من أم آي تي، يقول أن العام 2045 هو العام المتوقع لسنة السينجلراتي (عام اندماج الآلة مع الإنسان). هذا يعني، والكلام له، أن العلم في العام 2045 سيكون مليار ضعف العلم الموجود في العالم كله اليوم ومنذ أبينا آدم!! كذلك يُتوقع التحول للنانوتكنولوجي خلال هذا العقد أو التالي بالكثير. النانوتكنولوجي (العمل في العالم الصغير جداً في الذرة) سوف يعني حلولاً كثيرة للطاقة والأكل والشرب والماء والسكن والأمراض والحروب والعمران .. "إن هناك في العمق مساحات كبيرة جداً" (كما قال ريتشارد فينمان، عالم الفيزياء الشهير). يعني في الذرة مساحات كبيرة هي فضاء، من خلال النانوتكنولوجي سوف نغير ليس فقط الأشياء عندنا (في الأرض) بل الأشياء حولنا في المجموعة أو حتى المجرة! من يمتلك من الآن هذه التكنولوجيا سوف يقود البشرية وهي له تبع إجباراً لا خياراً. أنا ذكرت هذا الموضوع في إذاعاتنا عشرات المرات. ذكرت أن النفط لن يكون له أي قيمة في خلال العشرين سنة القادمة. وأكثر من ذلك تلك الدول التي لا تنتج لا نفطاً ولا تكنولوجيا. في الأعوام 2060-2070 يتوقع بروز الفيمتوتكنولوجي والبيكوتكنولوجي، وهذا يعني السنوات التالية هي سنوات الانتقال عبر المكان (ليس السفر: القفز). يعني تكون في الكويت وفي ثواني تكون في بونس أيرس (الأرجنتين). أكبر اختراع ممكن يغير خارطة الفكر الإنساني الحالي (ومن مليون سنة) هو اختراق سرعة الضوء. لو حصل ذلك فهذا يعني الانتقال بين الأزمنة!! والتنقل بين الكواكب. كورزويل يتوقع حدوث هذا في نهاية هذا القرن! من يمتلك هذه التكنولوجيات؟؟ .. هو من سيقود التغيير القادم

يتبع،،،




راي كورزويل. من أكبر مخترعي العصر الحالي، ومفكر، ومستشرف للمستقبل، يقال أن معظم تنبأته العلمية صدقت. يعتقد أنه أحد 16 شخصاً تصنع أمريكا المعاصرة. أعطته ام أي تي (الجامعة الأقوى في العالم في العلوم) أكبر جائزة علمية في التاريخ، وصف بأنه وريث توماس أديسون الحقيقي، وتخطى المخترع نيكولا تسلا العظيم، منح 13 شهادة دكتوراه فخرية، واستلم ثلاث شهادات من ثلاثة رؤساء بالتقدير





http://www.facebook.com/group.php?gi...d=147444717918