النقد مهنة جيدة للتسلق!
بقلم : فهد بن صالح العييري
كثيرا ما نتطرق في مجالسنا إلى أعمال الآخرين أو آراءهم و أفكارهم بعين ناقدة . وغالبا ما نستخدم النقد لإثراء تلك المجالس بتعداد العيوب ووضع حلول وأحيانا نتعرض لشخص الفاعل بشيء من الانتقاص كونه الشخص غير المناسب -في نظرنا -وما إن ينتهي المجلس حتى ننسى ما بدأناه, وما اجترحناه بحق الآخرين لإشغال أنفسنا في المجالس بحديث نمضي فيه بعض وقتنا .
النقد له ضوابط وأحكام وله صور واستخدامات مختلفة, والنقد عموما ليس لإظهار العيوب فقط بل لإسداء النصح للآخرين, كما يُستخدم النقد لإبراز الجماليات كما في النقد الأدبي والأخد بيد صاحبه في مدارج الإبداع.
استخدامنا لهذه الأداة(النقد)مختلف نوعا ما, فهناك من ينقد من أجل إظهار علمه ومعرفته, وهناك من ينقد للتشفي, وغيرهم -كما قلنا- للانتقاص من أقدار الناس حسدا, وآخرون ينتقدون لأمور شخصية بغية الأخذ بثارات وتصفية حسابات, وكل ذلك تحت مظلة النقد, فما أشد ما ظلمت أيها النقد .
المشكلة أن بعض النقد يكون في بيئة غير مناسبة وفي مكان لا يتعدى صوت الناقد أربع جدران ويتحول إلى "تنهدات" يحس بعدها بنشوة الانتصار! وهناك "التجييش" في النقد ويصدر من أشخاص يحبون أن يكون لصوتهم صدى فينقدون مشروعا أو عملا عند أناس يفتقدون معلومات كافية عنه فيكسبون بذلك أصواتا جديدة تكون لصالحهم .
بعض النقد خصوصا في البيئات غير الصالحة يكون نابعا من أهواء ويتحول إلى تجريح في الأشخاص وآخرون يستخدمونه لسبر أغوار النيات وما استقر في القلوب مما لا يعلمه إلا الله علام الغيوب, وهذا ديدن الناقد الصارخ المزعج فتجده دائما يتتبع عورات الآخرين ويبحث في أخطائهم ولا يأبه بإلصاق كل ما هو سيئ بهم.
بعض النقد الآخر يقوم على التوقعات والتفسير الشخصي وسوء في التحليل واستباق للنتائج. وهناك ما هو أدهى وأمر أن البعض يبيح لنفسه الغيبة بحجة النقد البنّاء! وهذا باب من الشر كبير لأن الغيبة تتعدى إلى النميمة وتجعل المحايد يميل إلى الناقد وربما يحقد على المنقود .
هناك أشخاص جعلوا مهمتهم النقد وأصبحوا معروفين في التحليل والتفصيل فما أن يكون هناك أي نشاط أو مشروع حتى يفتح هؤلاء أفواههم ويبدؤوا بالكلام إن على حق أو باطل. وبعض العاملين أو المشتغلين بالمشاريع أو حتى الكتّاب تجدهم يقومون بأعمال أو يتحرزون من أخرى بسبب كثرة النقد وقد يقولون "أسكتوهم لا يشغلونا". وبعض هؤلاء النقّاد يحاولون الاعتلاء على أكتاف من ينقدون, فحينما يكون المنقود كبيرا فمهمة البعض هي التسلق!
بعض الجهات سواء كانت حكومية أو مؤسسات خاصة أو حتى على مستوى الأفراد قد اعتادوا على النقد والتجريح لأنه وببسيط العبارة ف"رضا الناس غاية لا تدرك", فلابد أن يأتي من هو قاصر الفهم أو محب للثرثرة أو "غاوي مشاكل" ويوصم العامل بقلة الإدراك وعدم الفهم وأن أداء هذه الأعمال جاء من أجل مصلحة شخصية أو من باب الرياء والسمعة! وعجبي من هذا الناقد الذي أصبح "بتاع كله" فهو يستطيع أن يحلل أي عمل ويعتقد أنه أعلم الناس به, سواء كان هذا العمل اقتصاديا أو سياسيا أو اجتماعيا.
النقد أداة لتحسين الأخطاء والرقي بالأعمال سواء كانت هذه الأعمال جسدية أم فكرية مكتوبة. بطبيعة الحال لا نستطيع أن نمنع أي شخص عن النقد وإبداء الرأي لأنه من الفطرة,ولكن يلزم علينا توجيهه وتحسين أدائه . وفي الحقيقة أن المجتمع بطبعه ناقد ويغلب فينا الكلام والتحليل والتفصيل على الأفعال,وعلى المسؤول و العامل استيعاب هذه الجزئية, مع العلم أن الكثيرين قد يعرفونها ولكن حينما يمارس النقد ضده فهو يتمنى أن يتوارى عن الأنظار حتى لو كان النقد صحيحا لأنه لم يروض نفسه عليه. علينا أن نقبل بالنقد ونعترف بالخطأ حينما نرتكبه وما من عمل إلا وفيه تجاوزات ويعتريه الزلل. ومن فداحة المصاب أن نتجاهل أخطاءنا وندافع عنها ونذهب للبحث عن أخطاء من انتقد, أو أننا نبحث وندخل في نية الناقد لنجد لأنفسنا مبررا في حدوث أي تصادم, فتصبح المسألة ضدين!
فتقدم الأعمال وازدهارها يكون بالنظر للهدف من عدة زوايا, وقد نفتقد إحداها فيكون النقد مكملا ومنبها إلى جزئية غابت, وبهذا يكون النقد جزءا مهما وفاعلا في استمرارية المشروع. وضمانا لنجاح الأعمال علينا ممارسة النقد الذاتي مع أنفسنا, أو أن نكون واثقين ونطلب من معينين رأيا تفصيليا يوضح لنا مواقع الخلل, وأن لا يكون الأمر كله "صندوق اقتراحات وشكاوى" يوضع عند "باب الخروج" لنقنع أنفسنا أننا أتحنا الفرصة للآخر أن يعبر عن رأيه .