(سحابة صيف) شخصياتٌ مزدوجة السلوكيات، تقاسمت أدوار الضحية و الجلاد !!
قراءة - هاشم العلوي
في ظل مجموعة من الصراعات التي بدأت من رغيف العيش وهشاشة القيم مروراً بالخيانة الزوجية وخيانة الوطن وقتل الأب لإطعام الولد، !!
إلى الإدمان على الحبوب، و بيع بعض أجزاء الجسد ، والرشوة وتبييض الأموال وضياع الأحلام الصغيرة والكبيرة، إلى الرغبة بالخلاص في اختيار الانتحار بديلاً عن الحياة .
من أروقة الحارات الضيقة و السكن العشوائي، رغم أنّ سكانها ليسوا بعشوائيين ، و لكن بفعل الظروف في المنطقة عامة ارتحلوا إلى هذه المدينة التي غيروا بها وتغيروا فيها ، وليس هم وحدهم فقط من تغيروا و تأثروا ، بل تصوروا إن أبناء المدينة أنفسهم ومنهم من يُحسب إلى الطبقة المُترفة مادياً ، التي تُشكل خطاًّ متوازياً مع هذا الحي العشوائي، هم تغيروا أيضاً نتيجة الانهيارات المبدئية والفكرية و التي يجد منا أنها تشكل واقعنا الحالي .
يا تُرى هذا الواقع المنهار والمتغير بتسارع كبير جداً أي نوع من البشر سوف يفرز و يُنتج ؟
تساؤلٌ يتم طرحه من خلال عمل (أقل ما يُقال عنه) أن شخصياته لعبت في الحبكة الدرامية دور الضحية ، و الجلاد ، حيث تتناقض في سلوكياتها و قناعاتها ، بشكلٍ أشبه ما أُعبر به تناقض يُشبه ازدواجية الواقع الموجود أمامنا !!
( سحابة صيف ) عملٌ درامي سوري تحتوي بطولته كلاً من بسام كوسا ، سلوم حداد ، كاريس بشار ، جهاد سعد ، سمر سامي ، قيس الشيخ نجيب و كنده علوش ، سلط الضوء على مدينة (دمشق) بكل ما تحويها من التشكيلات الإجتماعية الطارئة المتغيرة و المختلفة ، حيث رسمت لنا الكاتبة "ايمان السعيد" شخصيات تسير نحو الطريق المجهول و المُبهم ، والمفارقة العجيبة (يا سادة يا كرامـ ) أن شخصيات هذا العمل التي تحلمُ دائماً بسمات الحياة الكريمة والعدالة الاجتماعية والإنسانية ، ترى في نظرها بأن كُل مشاكلها عبارة عن مُجرد (سحابة صيف) سوف تزول بأسرع وقت !!
رُبما لا أكون مُبالغا أني استنتجتُ من خلال متابعتي الدقيقة لأروقة هذا العمل الفني ، رسالة جداً مهمة توصلتُ لها بعد تفكيرعميق جداًّ ، وهو أنّ هذا العمل بالذات اكتشفتُ أنه يحكي لي من خلف الكواليس عن ذاك المواطن العربي الذي يشاهد كل يوم أحداث العراق و يرى مشاهد (القتل) أمامه ثم يذهب ليسهر وكأن شيئاً لم يكن إلا سحابة صيف !!
في حين ينظُر إلى ما يحدث في مدينة غزة بالإضافة إلى ضاحية الجنوب اللبناني ، بأنه عبارة عن سحابة صيف ، ستزول قريباً ، !!
و هناك بعض الدول العربية قد تسقط خلال ساعاتٍ قليلة لا أكثر ،
و يُنظر لها أيضا أنها مُجرد سحابة صيف !!
فالمواطن العربي أصبح لا يتأثر بأي حدث وكأن ما يكون هو عبارة فعلاً عن (سحابة صيف) هذا المواطن لم يعد يشعر بشيء بتاتاً ، و هذا ما استشفيته من الفكرة الأساسية لهذه الحبكة الدرامية ، بأن تجعل المشاهد العربي ، يرى ويشعر بما يحدث في الوطن العربي .
وما جعلني أكون مُتيقناً من وجود هذا المضمون هو إلقاء هذا العمل من خلال رصد العدسة على ذلك المواطن العربي المُهجر دائماً ، فما أمتلكه من معلومات من خلال قراءة شخصية أثناء وجودي في إحدى السنوات مُسبقاً في العاصمة السورية (دمشق) أدركتُ أنه في فترة من الفترات ، كان هناك أكثر من (2 مليون) عراقي في سوريا !! و عندما نشبت حرب تموز على لبنان من العام 2006 ، ارتحل معظم أهالي الضاحية الجنوبية إلى سوريا ..
أجل .. سوريا التي كانت تجمعُ الكُل !!
ختاماً وحتى أعود إلى المحور الفني لهذه القصة الدرامية المؤلمة ، فإني وجدتُ في (سحابة صيف) ماهو إلا حبكة درامية ، من النادر تناولها في الدراما العربية ، حلّق خارج السرب ، غاص بقوة إلى الصميم سعياً منه في ملامسة الجراح ، ليروي لي كـ جمهورعن واقع حياة مؤلمة تحت وقعِ الظروف القاسية التي يمرُّ بها العالم العربي (على الأقل في تلك الحُقبة) ..