10-10-2013, 06:38 PM
|
#1 (permalink)
|
إدارة الشبكة
العــضوية: 5 تاريخ التسجيل: 30/07/2008
المشاركات: 11,512
| «انفصال».. حدث ولم يعلن مخرجه أصغر فرهادي يشارك بجديده «الماضي» في «دبي السينمائي» «انفصال».. حدث ولم يعلن
العائلة وما يدور حولها من أحلام ومشكلات، باتت ثيمة أعمال المخرج الإيراني أصغر فرهادي، الذي سيشارك في الدورة المقبلة من مهرجان دبي السينمائي بفيلم «الماضي» الذي يدور حول موضوع الطلاق، وهو الموضوع نفسه تقريباً الذي تناوله في فيلمه الروائي الطويل الأول «الرقص مع الغبار»، وعمله الذي نال جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي العام الفائت «انفصال نادر وسيمين»، الذي يختصر أسلوب فرهادي في طريقة تناوله لحدث يتعلق بعائلة وما يدور حولها، مع إسقاطات على الوضع العام في بلده بشكل غير مباشر، يشعر المشاهد بالفرد الإيراني الذي يعيش وسط «تابوهات» كثيرة من الصعب على ما يبدو تحطيمها إلا من خلال مبادرات فردية لا تتجاوز محيط العائلة، أملاً بالتغيير عن طريق الأبناء يوماً ماً. والفيلم من بطولة ليلى حاتمي، وبیمان معادي، وشهاب حسیني، وسارة بيات، وسارينا فرهادي.
ومن عنوان الفيلم «انفصال نادر وسيمين»، وهما اسما بطلي الفيلم، يعتقد المشاهد أنه أمام قضية طلاق ستبرز حبكة الفيلم، لكن المعضلة الحقيقية تحدث قبل أن يأتي مشهد الانفصال الأخير الذي يظهر فيه البطلان وهما ينتظران حكم القاضي حول حق الوصاية على ابنتهما الوحيدة التي ترك القاضي القرار لها، وترك النهاية مفتوحة معها للجمهور.
عودة إلى البداية التي تتلخص في مشهد يضم الزوجين أمام قاضٍ لا يظهر سوى صوته، وهو يحاول أن يقنع الزوجة بتقديم حجة قوية لقبول الطلاق من زوجها، كأن يكون مدمناً أو يضربها أو بخيلاً، لتؤكد له أن هذه ليست صفاته، وحجتها أنها تريد الهجرة من إيران، لأجل مستقبل ابنتهما الوحيدة، فيتحول القاضي إلى أشبه بمحقق يريد معرفة أسباب الهجرة، وما الذي لا يعجبها في البلد. ومع خوف غير معلن إلا من خلال رجفة في الوجه لا تقدم الزوجة الإجابة، وتنتهي الجلسة برفض إتمام الطلاق. ومن خلال الجلسة يعي المشاهد أنه أمام نموذجين إيرانيين، يتمثل الأول في الزوج الرافض لفكرة الهجرة كنوع سهل للهروب من الواقع، ونموذج الزوجة التي لا تريد أن تقاوم واستسهلت هذا الهروب، هذه الصيغة تظهر في مشاهد تضم الزوجين لاحقاً.
الغريب في الفيلم أن قضية الانفصال بين الزوجين ليست هي القضية المحورية، مع مقارنتها بقضايا عدة تناولها المخرج، وأهمها قصة راضية التي جاء بها نادر كي تخدم والده المصاب بالخرف، بعد أن هجرته زوجته وذهبت الى بيت أهلها. راضية امرأة بسيطة، من طبقة فقيرة، لديها ابنة وزوج عصبي المزاج عاطل عن العمل،
تتحرى قبل تطبيق أي عمل أن تأخذ الشورى الدينية من المختصين، وأول معضلة تواجهها في المنزل الذي تخدم فيه أن الرجل المسن يتبول على نفسه، وهو مريض ومقعد، فتقف حائرة بين عطفها عليه وبين خوفها من اقترابها منه ولمسه، وتقوم بالاتصال بمركز متخصص في تقديم المشورات في المحظورات، وبعد أسئلة وأجوبة كثيرة تنتهي عن تقديم حجة كبيرة كي تلمسه، فتجيب راضية «هو لا يستطيع الحراك ومازال في الحمام أكثر من نصف ساعة»، لكنها لا تحصل على الإذن الشرعي، فتقرر أن تلبس القفازات وتساعد العجوز وتعينه وتستغفر من ذلك «الذنب».
هذا المشهد وضع عملياً لتوصيل قضية لها علاقة بالفتاوى التي تخرج من كل صوب وجانب حتى لو كانت عن طريق خدمة العملاء، وهو ذاته المشهد الذي يراد ايصال فكرته ببساطة راضية وقلة حيلتها.
كل المشاهد تقريباً تحدث في منزل نادر، والبطلة الفعلية ليست سيمين، بل راضية، تستمر الأحداث، وتظهر شخصية نادر الذي يتحدى المجتمع بطريقته، فهو لا يأبه بنظرات الشارع عندما طلب من ابنته أن تخرج من السيارة وتقوم بملء الخزان بالوقود، ينظر لها من خلال المرآة وشعور بالنصر ولو كان لحظياً بادياً عليه، والأهم هو صدقه الخالص، وتأكيده أنه لا يهتم بنظرة المجتمع له مادامت ابنته مؤمنة به وبمبادئه، ومن هذه المبادئ مثلاً عندما قالت له زوجته أمام القاضي «أن تهتم لأمر عجوز لا يعرفك»، ليرد عليها «الأهم أنني أعرفه وأعرف أنه أبي».
تستمر الأحداث بالدخول الى التفاصيل بشكل كبير، خصوصاً بعد الحادثة الكبيرة التي قلبت كل الموازين في منزل نادر، حين رجع وابنته إلى المنزل ووجد أباه ملقى عن السرير ويده مكبلة، ولم يجد الخادمة راضية ولا ابنتها، فيشتاط غضباً، ويتفقد المنزل فيجد أن بعض النقود مفقودة، في هذه الأثناء تعود راضية، لتواجه غضب نادر واتهامه لها بالسرقة وطردها عن طريق دفعها، هذه الدفعة التي ستحول قضية الفيلم الى مسألة التفنن في الكذب في المجتمع حتى لو كان باسم الدين.
تنتقل الأحداث من منزل نادر الى أروقة المحاكم بعد الاتهام الذي وجهه زوج راضية إلى أن سبب إجهاض الطفل الذي كانت تحمله راضية كان بسبب ضرب نادر ودفعها بقوة، هذا الاتهام يرفضه نادر، بل ويحاول إقناع القاضي بعدم صحته من خلال مشاهد وشهود، ومع عصبية مزاج زوج راضية الملاحق من الدائنين، تصبح حياة عائلة نادر في خطر، خصوصاً بعد تهجمه على معلمة ابنته التي شهدت لصالح نادر في المحكمة على أنه لم يكن يعلم بموضوع الحمل، وتهديده للجميع ألا شيء سيخسره إذا اقترف جريمة، وكل هذه المشاهد تسلط الضوء على وضع العاطلين في العمل واليائسين من توفير أدنى احتياجاتهم.
القضية من السهل حلها عبر حفنة من النقود يعطيها نادر إلى زوج راضية، هذا ما قالته سيمين الزوجة التي هجرت بيتها والتي اتهمتها ابنتها بأنها السبب في كل ذلك، لكن نادر صاحب المبدأ يرفض إعطاء النقود مقابل إظهار براءته، مع أنه كذب في موضوع عدم معرفة حمل راضية، لكنه كان يعي أن دفعه لها لا يوصل إلى تدحرجها على الدرج وإجهاضها، فيقوم بالبحث عن الأسباب، التي تبدأ مع رواية ابنة راضية التي تؤكد أن أمها كانت مريضة وذهبت إلى المستشفى، لكنها لم تسرق النقود، وهذه بداية حل العقدة.
لكن مع الضغوط المستمرة من قبل الزوجة التي باتت خائفة على ابنتها من بطش زوج راضية يقبل نادر بالتسوية، ويذهب الى بيت راضية بوجود شهود، وقبل تسليم المبلغ يطلب من راضية أن تقسم على القرآن أنه السبب في إجهاضها، فتهرب إلى المطبخ ويلحق بها زوجها، ويؤكد أن قسمها هو من سيتحمله وليس هي، مع تشجيع شقيقته التي تؤكد لها أن عدم قسمها سيحرج الجميع أمام الشهود، لكنها ترفض وهي مرتعبة من فكرة أنها إذا حلفت كذباً سينتقم الله منها بابنتها، وإذا قبلت المال أيضاً سيكون حراماً.
وتنتهي قصة راضية هنا، ويخرج نادر منتصراً ليس على ضعيفة مثل راضية بل لأن ابنته نظرت إليه نظرة فخر، إذ لم يساوم على قناعاته ولو لمرة واحدة.
يعتقد الجميع أن العائلة عادت وتراصت مرة أخرى، لكن الحقيقة أن ما حدث خلق فجوة بين الزوجين لها علاقة بالإيمان بالآخر، وتحدي الصعاب سوياً، وليس الهرب إلى مكان آخر، فكان مشهد النهاية ينبئ بانفصال حدث بالفعل ولو لم يعلن، لأن القضية انتقلت إلى حق الوصاية على الابنة التي ترك القاضي الخيار لها، فكانت النهاية دون قرار يذكر.
المصدر : جريدة الامارات اليوم
|
| |