الذكرى ناقوس يدق في عالم النسيان.. مقالة كتبتها عن مسلسل (جرح الزمن) بعد انتهاء عرضه.. لا مانع من أن تتكرموا بالاطلاع عليها.. الذكرى ناقوس يدق في عالم النسيان.. مقالة كتبتها عن مسلسل (جرح الزمن) بعد انتهاء عرضه.. لا مانع من أن تتكرموا بالاطلاع عليها.. مسلسل جرح الزمن
سنة الإنتاج: 2001
فترة العرض في التلفزيون الكويتي: 16/11/2001 وحتى 15/12/2001
تأليف: فجر السعيد
إخراج السعودي: عامر الحمود
بطولة:
إبراهيم الصلال – حياة الفهد – عبد العزيز جاسم –حمد ناصر- زهرة الخرجي – أحمد السلمان –مشاري البلام- لطيفة المقرن- عبير أحمد – عبير الجندي – محمد الصيرفي- يعقوب عبد الله – شيماء علي- منى شداد – أمل عباس – أحمد إيراج – محمد الشعيبي
يبدأ المسلسل والمشاهد لا يعرف شيئاً عن شخصية (مبارك) وهويته. وشيئاً فشيئا تثار التساؤلات عن هذه الشخصية. فبهذه الشخصية نجحت الكاتبة في جذب المشاهد وتشويقه. ولم تعمل الكاتبة على الكشف عما يدور حول هذه الشخصية دفعة واحدة.
فأول تلميح عن هذه الشخصية ظهر من (مريم) زوجة راشد الراهي وهي كماتقول زلة لسان. فعندما أشارت لابنتها نوال بأنها وزوجها راشد عانيا الكثير في تحصيل رزقيهما من أخي راشد، فوجئت نوال واندهشت لأنها لا تعرف إن كان لأبيها أخ. فارتبكت الأم وحاولت تغطية ذلك.
وبصراحة، أنا شخصياً استنتجت بعد زلة لسان الأم، بأن مبارك ابن أخ راشد الراهي وأنه هو الوريث الشرعي للأموال التي يتمتع بها عمه راشد الراهي وعائلته. ولكن حتى لو وصل المشاهد إلى هذا الاستنتاج فإنه يظل متشوقاً ويريدأن يكشف له المزيد لكي يتحقق من صحة استنتاجه.
في الحقيقة أن الأحداث في هذا المسلسل متشابكة ومترابطة تسير على مبدأ (السبب والنتيجة)، على عكس مسلسل القدرالمحتوم للكاتبة وهج، فإنه يكاد كل حدث أن يسير في خط مستقل عن بقية الأحداث. ولهذافإن عنصر التشويق في مسلسل جرح الزمن له فاعلية أكبر لأن المشاهد يرى حدثاً معينا ويتوقع أن يؤدي هذا الحدث إلى نتيجة ما. فينتظر إلى الحلقة التالية بشوق ليعرف نتيجة الحدث.
وفي كتابتي هذه سأعرض بعض من سلسلة الأسباب والنتائج المتتالية والتي هي من العناصر المهمة في الرواية الناجحة.
إن معظم أحداث مسلسل جرح الزمن تم استغلالها للوصول إلى حل العقدة. وهناك ثلاثة مواقع رئيسية تجريفيها الأحداث. فأولها وهو محورها منزل راشد الراهي، الذي يعيش فيه يتيم أبكم فقد والديه في حادث وهو طفل…ونتيجة لذلك أن هذا الأبكم لن يطالب بميراث والده بسبب هذه الإعاقة ولأنه لم يتعلم لغة الإشارة ولا يعرف أحداً في هذه الحياة يلتجأ إليه غير هذه الأسرة التي يعيش معها.
والموقع الثاني هو بيت سلطان وزوجته منى. والقصة ترسم لنا الزوجة على أنها شخصية مفتونة بالمال وتلهث وراء المظاهر المادية. وأما الزوج فهو سكير ولاعب قمار. وبين هذين الزوجين طفلة تتعطش إلى العاطفة التي فقدتها من والديها. فما نتيجة ذلك؟؟…يتعلق قلب هذه الطفلة (دانة) بمدرستها نوال لكي ترويعطشها العاطفي. ولو أن ذلك عرض لمشكلة من المشاكل الاجتماعية التي تحدث للأطفال ممن يعيشون بين أهل من هذا النوع، إلا أن ذلك يخدم القصة فنياً وله نتيجة. فبعدما توطدت العلاقة بين هذه الطفلة ومعلمتها، أخبرت الطفلة جدتها (شيخة) عن معلمتها نوال ابنة راشد الراهي. فحينئذ تعرفت الجدة من تكون عائلة نوال وعرفت القرابة التي بينهما.
هنا تبرز أهمية علاقة الطفلة دانة بمعلمتها . فبما أنها أخبرت معلمتها نوال بصلة القرابة التي تربطهما، وكانت نوال لديها شكوك بسبب زلة لسان والدتها وكذلك كان والدها يتردد في إخبارها بسر ما ولكن أمها تمنعه؛ كل هذه الخطوط والعناصر اتحدت فيما بينها لكي تصل نوال لمعرفة من يكون مبارك.
أما الموقع الثالث فهو شقة فايزة ووالدتها….يقوم خالد الابن الأكبر لراشد الراهي بالزواج من فايزة خفية….خالد يعد فايزة بأنه سيخبر أهله بهذا الزواج فيما بعد ولكنه يماطل…فما النتيجة؟؟….طلبت فايزة من صديقتها إخبار أهله هاتفياً عن موضوع الزواج من دون معرفة هويتها. ….ما النتيجة؟؟؟… يعرف أهله بالموضوع ويتأثر والده عند سماع هذا الخبر ويصاب بأزمة قلبية فيموت. …وما نتيجة موته في النهاية؟؟؟….تبقى زوجته مريم وحدها لتواجه من جهة طمع سلطان وعيسى السراج أبو فايزة في الأموال التي يريدون من مبارك أن يطالب بها من عائلة الراهي؛ ومن جهة أخرى تواجه مشاكل إدارة الشركة ومشاكل أبنائها وتمردهم عليها.
وبعد طلاق فايزة من زوجها ضعيف الشخصية طلاقاً رجعياً، فإن صلتها بزوجها لم تنقطع لأنها حامل. وهذا سبب والنتيجة هو رجوع هذين الزوجين بسبب الولد الذي أنجبته فايزة.
ومن ضمن سلسلة الأسباب والنتائج، هو أن فايزة حين ولادتها تحتاج إلى دم…..النتيجة يقوم والديها بالتبرع بالدم لها وعند التحليل يكتشف بأنهما مصابان بمرض الإيدز، فيقوم المستشفى بالحجر عليهما صحياً ليتركا فايزة وطفلها وحيدين….نتائج ذلك…يكون ذلك حافز لخالد للرجوع إلى فايزة بما أنها أصبحت وحيدة مع طفله ليس لهما أحد في هذه الحياة. ويحدث تغير في شخصيته الضعيفة ليتمرد على أوامر والدته المتسلطة ويحسم أمره بنفسه. ….والنتيجة الأخرى، سلطان يصدمه منظر زميله في الشرب والقمار عيسى السراج، وقد تغيرت أحواله بعد إصابته بمرض الإيدز. فيكون ذلك موعظة له فيتوب من حياته السابقة الآثمة….ما نتيجة ذلك؟؟؟….ولو أن ذلك جاء كدرس وعظي إلا أنه يخدم القصة فنياً لأن سلطان لا تهمه أموال مبارك ولا يجد فينفسه طمعاً فيها ويرى أن الأمر راجع لقرار مبارك في رفع قضية بخصوص ذلك أم لا، …ونتيجة لذلك لن يكون سلطان حجر عثرة في زواج نوال من مبارك. فكل الظروف قد تهيأت لذلك. خالد أخو نوال ووليها الشرعي موافق على زواجهما وقد خرج عن سيطرة والدته، وسلطان لن يعرقل هذا الزواج كما كان يخطط سابقاً لأنه زهد في أموال مبارك بعد التغيير الذي طرأ على شخصيته….والنتيجة المتوقعة لهذا الزواج هو تنازل مبارك عن قضيته في المحكمة ضد عائلة الراهي ، وهذا ما كان يخاف منه سلطان قبل تغير شخصيته.
إن المواقع التي تجري فيها أحداث الرواية تتجه خطوطها نحو منزل عائلة الراهي فهو محورها. وكل تلك الخطوط وما يجري في منزل عائلة الراهي تتجه نحونواة ومركز هذا المنزل، ألا وهي شخصية مبارك.
لقد استخدمت الكاتبة عنصر(النقمة الإلهية) أو ما يسمى باللهجة الخليجية (الحوبة) كما استخدمته في مسلسلها السابق (دارت الأيام) إلا أنه في جرح الزمن كان استخدامها لهذا العنصر أفضل لأنه في المسلسل السابق كان سريعاً وفوريا وإلى حد ما غير فني. وفي جرح الزمن تركزت هذه النقمة حول الأم مريم وكأن الكاتبة تريد أن تعاقبها على ظلمها لمبارك. وهذا العقاب يظهر في هجران نوال وخالد لها بسبب خلاف معها، وزواج ابنتها الأخرى (هنادي) لترحل بعيداً عنها، وجاسم يبتعد عنها للدراسة في الخارج. كل ذلك جعلها تشعر بمرارة الوحدة. وأما النقمة المباشرة والتي أثرت عليها كثيراً فهي إعاقة ابنها نواف بعد سقوطه من الدراجة النارية، وهذه دلالة أخرى على ما يسمى بـ(الحوبة) لأنها كانت تنتقص من قدر مبارك بسبب إعاقته فابتليت بولد معاق. ولكن هذا العقاب الذي حدث لها يخدم القصة فنياً على عكس العقاب الذي حدث في مسلسل دارت الأيام. فهذه الأحداث جعلت الأم مريم تذعن في النهاية لكي تقبل مبارك كأحد أفراد أسرتها.
هناك عدة شخصيات في القصة طرأ عليها تغير. وهذا التغير ليس مفاجئا وإنما متوقع بسبب الظروف التي جرت في القصة. فأول هذه الشخصيات هي أم فايزة التي قبلت فيما بعد بالرجوع إلى طليقها أبي فايزة. وثانيها خالد الذي حسم أمره في الاستقلال في قراراته ضد أوامرأمه المتسلطة. ثالثها، عيسى السراج أبو فايزة بعد أن عرف أنه مصاب بالإيدز. ورابعا ًزميله سلطان بعد أن صدمه منظر عيسى المصاب بالإيدز. وأخيراً الأم مريم بعدما عانت من مرارة الوحدة مع ابنها المعاق.
وأريد أن أنوه أن رواية هذا المسلسل تعرض بعض القضايا الاجتماعية الهامة وإن كانت غير رئيسية في مسار الرواية. من هذه القضايا مشكلة الطفلة دانة وافتقارها لعاطفة الحب من والديها مما جعلها تبحث عن ذلك خارج منزلها. وثانياً الإشكالية التي تحدث بين الجيل الحالي مع الجيل السابق في فهم بعض العبارات، حيث أن الجيل الجديد ينصدم ببعض العبارات التي يقولها الجيل السابق ويظل حائراً في فهمها. وتمثل ذلك في بعض الحوارات التي تدور بين جاسم وأمه حيث أن الأول يظل فاغراً فاه عندما يسمع أمه تنطق بعبارة تنتمي إلى جيلها.
وثالثا ً قضية الرجوع إلى المشعوذين لحل بعض المشاكل الاجتماعية. فمريم تلجأ إلى المشعوذة أم عباس عن طريق جارتها نجاة. وهنا تبرز مفارقة وهي أن مريم بالرغم من غناها وثروتها إلا أنها لا زالت تؤمن بهذه الخرافات وهذا يدل على أنها لم تكن (بنت نعمة) من الأساس كما يقال.
وأخيراً قضية تسلط الأهل على أبنائهم وإضعاف شخصيتهم، مما يجعلهم يشعرون بالنقص فيحاولون أن يثبتوا شخصيتهم بالقوة على من هو أضعف منهم، كما حصل من خالد ضعيف الشخصية تجاه زوجته فايزة وقسوته معها.
وقد أنهت الكاتبة المسلسل والمشاهد قد عرف مصير كل شخصية وما انتهت إليه، ولم يطرأ في ذهنه تساؤل حول أحدها، على عكس مسلسلها السابق (القرار الأخير) الذي أتت نهايته مفتوحة، مما جعل المشاهد غير مرتوٍ يتلهف لمعرفة ما بعد النهاية…
وأريد أن أضيف شيئاً أخيراً، وهو أن المسلسل به بعض (ملطفات الجو ) كما يقال. وأعني الكلمات التي يرددها بعض الشخصيات والتي تؤثر على بعض المشاهدين فيرددونها في حياتهم اليومية. ومن هذه الكلمات (راعيها) التي يرددها سلطان وكذلك (عاد أقولك..) التي يرددها إبراهيم(الأبله) . وقد اشتهرت المسلسلات الكويتية بمثل هذه الكلمات. ولا أريد هنا أن أحصرالأمثلة ولكن استشهد ببعض منها…. (يخليك ربي) كان يرددها عبد الحسين عبد الرضا في أحد المسلسلات وكذلك (خلك طبيعي) ويرددها غانم الصالح. وقد يصاحب مثل هذه الكلمات إيماءة من الوجه أو حركة باليد.
وعلى كل حال، أقول في النهاية أن فجر السعيد برزت في الشاشة الخليجية وحققت نجاحاً كبيرا من خلال هذا المسلسل الذي مازال الكثيرون يعتبرونه أفضل أعمالها الدرامية رغم انفصالها في هذا العمل عن فريق المنصور الثلاثي (منصور المنصور / محمد المنصور / حسين المنصور) لكي يتعاملوا مع كاتبة أخرى (وهج) في مسلسلهم (القدر المحتوم) والذي كان عملا فاشلا من الناحية الفنية رغم نجاحه جماهيريا. __________________ أحبائي أهالي غزة .. أنتم تاج على رأسي .. الرحمة لشهدائكم جميعا ..
|