اشتقنا للشاشة الصغيرة.. الفنون كثيرة.. لكن أشهرها السينما والمسرح والتلفزيون، ولكل نوع من هذه الفنون طريقته وأسلوبه في العرض، فالسينما تختلف في طريقتها عن المسرح وهو يختلف عن التلفزيون، في علم الإعلام لكل من هذه الأنواع مميزاته التي جعلته فنا قائما بذاته، ومع هذا التميز صار لكل نوع جمهوره وعشاقه يتابعونه ويلاحقونه في كل مكان.
السينما تعتمد على الصور الكلوز والدقيقة جدا، والمساحة العريضة كما يسمونها في لغة الإعلام flat frame مع غزارة الألوان، أما المسرح فيعتمد على العمق في الحركة والحوار والمبالغة في الأداء بما يضمن تفاعل الجمهور والحضور مع المشهد، والتلفزيون يستخدم اللقطة الواسعة مع الحركة شبه السريعة والحوار السريع، هذا باختصار شديد وبلغة سهلة للغاية لكي يفهمها غير المتخصصين في الإعلام.
منذ سبع سنوات تقريبا بدأ المخرجون يستخدمون كاميرات السينما في تصوير المسلسلات التلفزيونية، أو يستخدمون الأسلوب السينمائي في التصوير، والمسرحي في الكتابة الدرامية، هذا تطور جميل وأسلوب حديث في دمج السينما والمسرح مع التلفزيون، لا سيما مع تطور أجهزة التلفزيون وظهور تقنية الـHD الرائعة فائقة الجودة، هذا التطور المهم أغرى المخرجين فخلطوا بين السينما والتلفزيون والمسرح، ولمزيد من التغيير استخدموا لغة المسرح في الحوارات التلفزيونية.
مسلسلاتنا في السبعينات والثمانينات كانت مثالا جيدا للمسلسل التلفزيوني، كانت بسيطة وسريعة وتلقائية، وفيها حركة وتنبض بالحياة وتقدم الواقع كما هو من غير كلوز ولا مبالغة في الأداء، هذا هو التلفزيون الحقيقي لأنه يعرض في المنزل وبين أفراد الأسرة، وفي هذا المقام يحتاج إلى موضوع سهل وسريع لا يتطلب دقة في المتابعة ولا شد انتباه لكي تفهم ما يحدث في العمل، أما السينما والمسرح فنذهب إليهما ونجلس بهدوء وروية من غير صوت ولا همس، نأكل الفشار اللذيذ ونتابع بهمس وصمت ولا نسمح لأحد أن يعكر علينا مزاجنا، لذلك اختلف أسلوب كل فن وفق الحالة التي نتابعه فيها.
غدونا نشاهد أمامنا لقطة مفعمة بالمشاعر متدفقة بالأحاسيس، مبالغة في الأداء وطويلة مملة خاصة عندما يهجر الحبيب حبيبته أو يتزوج الرجل على زوجته أو تفقد الأم ابنها أو يطرد الزوج زوجته من المنزل.. في هذه الحالات يتحول التلفزيون إلى مسرح.. كأننا نشاهد إحدى روائع شكسبير في القرن السادس عشر، وعندما تفكر البنت أو تخطط أو يشرب الرجل القهوة ويحاول أن يبحث له عن حل أو غيرها من الحالات الخاصة جدا، فإن الكاميرا تكاد تدخل في مخه وتبين أدق التفاصيل في وجهه الوسيم، وتظهر ماركة ماكياج الممثلة من خطوط وجهها المتعرق بسبب الإضاءة الزائدة أو ماركة عدساتها الخضراء.. هذه اللقطات لا علاقة لها بالتلفزيون، وأقحمت إقحاما فيه، ولا ننكر أنها زادته جمالا وطورت من طريقته، ونقلته إلى مرحلة جديدة مختلفة عن السابق.. لكننا اشتقنا إلى التلفزيون الحقيقي، ذاك الذي كان أسرع في طريقته ويتناسب مع جلساتنا العائلية، ولا يحتاج إلى تركيز شديد لنعرف ماذا يحدث في المسلسل، اشتقنا إلى أن نشرب الشاي ونسولف مع بعض ونشاهد التلفزيون في وقت واحد.
|