فن التمثيل المسرحي فكرة غربية و عُرفت في الدول الأوروبية قبل العصر الإغريقي والروماني و تختلف الروايات حول صاحب الفكرة الأساسي ، ولعل بداية نشأته كنشاط وليس كمهنة ، لحين تطور المسرح ومفهومه في زمن شكسبير وفي عصرالإليزابيثي ، تطور المسرح وأنشأت له قواعد و أساسيات أعتمدها الغرب لحين وصل لدول العربية وتحديداً في مصر 760هـ وأستمر في عدة سنوات و مرت قرون و كان المسرح يتطور بشكل تدريجي بطيئ و أحيانا يتوقف سنوات و يعود مرة أخرى ، لحين تأثر الشعب المصري بهذا الفن وأنقسم أهل الأختصاص ما بين الممتهنين وما بين المتطوعين
----------------------------------------------------------
عام 1950 يصادف فترة اكتشاف النفط في دول الخليج وتفعيل دور التعليم وتطور الحياة المجتمع الخليجي اقتصادياً كان دافع مشجع لأغلب الشعوب في الهجرة من بلدانهم والاستقرار في الخليج .. سلك مهنة التدريس عدد من الأساتذة المصريين الذين كان لهم الفضل في بروز الفن والتمثيل كنشاط مدرسي والذي تحول إلى مجال ثقافي فيما بعد
----------------------------------------------------------
أكد رواد المسرح الكويتي في لقائاتهم السابقة إن المسرح مجرد نشاط يُمارس في وقت الفراغ ، وكان لكل منهم مهنة خاصة يعتمدها في كسب الرزق و بالرغم من الدعم الحكومي للمسرح و التشجيع الرسمي لاستمراره الا ان الممثلين هم من كانوا يعتمدون على انفسهم في توفير الميزانية للعمل و هم من يقومون بالتأليف و التمثيل والاخراج وتوفير الاكسسوار
بعد ظهور التلفزيون كان أجور الممثلين عبارة عن مكافأت مادية بسيطة أو هدايا متنوعة و أغلب المشاركين الكومبارس بدون أجر ، البعض يستغل توفر الوجبات الرئيسية أثناء التصوير ربما يكون أرقى وأفضل من الوجبات الموجودة في بيته مع اسرته ، وهذا بحد ذاته حافز مشجع للتواجد ، وهذا يعكس بساطة المجتمع وتواضعه وينتج عن ذلك إخلاص و ألتزام في تقديم المميز
المعروف إن المجتمعات التي يهتم فيها مواطنيها بالفن تصنف ضمن المجتمعات الراقية مهما كانت ظروفها الاقتصادية والسياسية و الاجتماعية ، فكانت الكويت مضرب مثل لجميع الدول في العالم ، فالمجتمع الراقي عُرف من خلال رقي أعماله الفنية
منذ منتصف السبعينيات وحتى بداية الثمانينيات تفعلت فكرة التسويق للعمل الفني و صارت القنوات الخليجية تشتري الأعمال الفنية الكويتية من مسرحيات و مسلسلات وبرامج بمبالغ كبيرة و هذا دافع للتلفزيون الكويتي في توفير مبالغ أكثر لإنتاج أكثر عدد من الأعمال و ثم فعلت فكرة إتاحة الفرص للشركات التجارية في انتاج مسلسلات وبيعها على التلفزيون
في أواخر الثمانينيات أصبح أجر الممثلين يغنيهم عن الاعتماد على المهن البعيدة عن الفن ، وصار الكثير يعتمد مجال التمثيل كمهنة ، وهذا حلم الجميع أن تتحول موهبتك إلى مهنة و صار الفن لا يختلف عن مجال الرياضة
العمل الفني تطور و وصل لمرحلة التأثير على المجتمع و كون له قاعدة كبيرة من الجمهور و هذه فرصة ثمينة لتجارة لإستغلال حاجة الفن للدعم المالي ، فكانت هناك إتفاقات ومعاملات مشتركة ما بين صاحب محلات الأثاث والمفروشات ليعرض بضاعته من خلال المسلسل ، و صاحب محل الازياء والملابس يستغل الممثلات لعرض بضاعته
أستغل الفنان الكويتي بالتحديد هذه الثروة المدعومة من قبل الشركات والحكومة فكانت كلمة الفنان في المسرح تعصف بالمجتمع بأكمله و كان الفنانين يستغلون الفن كمنبر خطابي وكلمته أقوى من خطباء المنبر الديني وأقوى من رجال البرلمان و ربما أقوى من كلمة الحكومات
ولعل تأثر الفنانين والمؤلفين في الكويت بالأوضاع والضروف في المجتمع ، أصبحوا نقاد لاذعين و لأنهم مؤثرين فكان البعض من وزراء الدولة يسعون لإيقاف ذلك ، توعية المجتمع بالأمور المخفية من خلال المسرح و إنتقال العمل الفني من خلال التلفزيونات في الخليج هذا يؤثر على الفاسدين والحرامية في استمرارهم وبقائهم ، فكان الحل إيقاف المسرح أو محاربة المؤثرين منهم أو تحويل المسرح من مجال توعوي وثقافي إلى مجال ترفيهي وسطحي ، ومن صالحهم أن يكون المجتمع جاهل
بدأ تعاونهم بدايةً مع الداعمين للفن (التجار) و إقحامهم في مجال الفن كمتنجين في أواخر الثمانينات ، صارت الأعمال الفنية تتراجع كقيمة فنية أو كمادة مؤثرة
تم استبعاد الكثير من الفنانين المؤثرين والبعض تعرقلت اعماله و أنشطته بشكل غير مباشر مثل المرحوم عبد الامير التركي و خالد النفيسي و عبد الحسين عبد الرضا و خالد العبيد و عبد الله الحبيل و مؤخراً أحمد جوهر ... لكن تتيسر أمورهم أحياناً إن تنازلوا وقدموا الأسلوب الترفيهي الغير مؤثر (الكوميدي أو الاجتماعي المبسط) العملاق سعد الفرج أكد بنفسه بأنه مطلوب كممثل بنسبة للقنوات والخكومات و محارب كمنتج و مؤلف وكذلك عبد الله الحبيل و خالد العبيد واحمد جوهر و غانم السليطي مطلوب منهم الاستسلام و التنازل عن المبادئ كـ حياة الفهد وسعاد عبد الله
من جانب آخر تم استغلال الخطاب الديني والسياسي و أصدر الكثير تحريم الفن أو طمسه حتى لا يرقى ذوق المجتمع ، في حين يرى هؤلاء أن الأسلم سياسيًا هو أن ينحصر اهتمام الناس باحتياجاتهم الضرورية وتوفيرها وبهذا ينقلونه من مرحلة الإنسانية إلى المرحلة الحيوانية ويسلبون الميزة التي ميزهم بها الخالق عن سائر الكائنات، ويكون الطريق الأول لهذه العملية من خلال ربط الفن والتجارة حيث يتحكم رأس المال فيما يتم إنتاجه وبالتالي ينتج ما يريده هو بالطريقة التي يريدها.
الجمهور على مر السنوات لازال يجهل تفاصيل التغيير وكل منهم يناظر ويحلل في زاوية محددة ، ويقارن دائماً بين الماضي والحاضر ويعاتب الممثلين فقط ، ويلاحظ التطور التكنلوجي في جميع الاصعدة إلا ان المستوى الذوقي توقف
الاعمال القديمة ببساطتها وبسوء تقنياتها وتواضعها إلا إنها مليئة بالقيم الجمالية والروحية وتصنع وعي ، وبعضها تصنع رجال وصلابة مثل مسلسل الى ابي وامي مع التحية و حامي الديار و ...
أواخر التسعينيات و حتى الألفية و إلى يومنا الحالي أصبح الفن يستغل كمهنة تجارية والعمل فيه بنوايا غير أخلاقية و ينشأ جمهور عاطفي سطحي وأصبحت الكويت بشكل خاص و الخليج بشكل عام بدول سطحية وسهل استغلالها مادياً و مجلئ لكل نصاب و سارق على جميع المجالات
انعكس تأثير الكويت على الخليج و صار أهل الفن في الخليج يطالب بأجور قريبة من أهل الفن في الكويت ولتكون المنافسة مابين الأعمال الكويتية فأصبحت الحكومات ملزمة في توفير الملايين لإنتاج العمل الفني وهي غير ملزمة بذلك ، فبعد انحراف المستوى الفني و أصبح غير مؤثر ، لم تعد الحكومات الخليجية حريصة على تقديم العمل الفني ، والتلفزيون الحكومية غير حريصة في تقديم العمل الفني و من يريد أجور وأعمال يهاجر للكويت فهي الوحيدة التي دعمت التجار و أقحمتهم في الفن ، وهذا ما لم تفعله دول الخليج ، فأصبح فناني البحرين والاماراتين والقطرين والعمانين والسعودين يرغبون بالانتاج الحكومي فقط ، والمحاولات اليتيمة من المنتجين تكون خاسرة في الغالب ، لأن عدد الاعمال الكويتية تتوزع في القنوات الكويتية و ليس لديها طاقة استيعابية لاحتضان الاعمال الخليجية الاخرى ، والاسباب عدة
الفن في الكويت تحول إلى مجال مخدر (بنسبة لصغار العقول وخصوصا صغار السن) ، بخطة متعمدة ، و ربما يقحم السياسيين في المستقبل لأداء مهمتهم من خلال الفن (لإشغال كبار العقول) كمحاولة ، أغلب الفنانين الواعيين استسلموا و صاروا كالتاجر البسيط الذي يتاجر بالمواد الغذائية لا يرغب في تناولها لكنه يقدمها دون أن يتذوقها أو يقتنع فيها
صار جميع الفنانين يؤكدون إنهم لا يتابعون أعمالهم ولا يلهفون لها وفي نفس الوقت يتذكرون تفاصيل أعمالهم السابقة ويؤكدون رغبتهم لإعادة متابعتها مع مرور السنوات ، يفضلون الاعمال العربية الاخرى او الاجنبية ، ويجبرون أن يمدحون اعمالهم في اللقاءات وذلك للمصالح الشخصية لأنهم يعتمدون هذا المجال مهنة لكسب الرزق (مثل الي يبيع شوارما ويمدحها ويروج لها و يرفعها وفي نفس الوقت لو يطلب منه تناولها يرفض ويؤكد انه لا يرغب بحجج واهية وأساسها عدم التقبل)
--------------------------
الفن الحقيقي مرتبط بالإنسانية والمفروض أن تمارس كموهبة وليست كمهنة ، دور الفنان الأساسي (دور جهادي) يجتهد ليسعد الآخرين وينور عقولهم وينشغل بهم ولهم وينفعل معهم ويحيا مع معاناتهم
على النقيض تمامًا فالتاجر لا يهتم إلا بمكسبه الفردي الشخصي ، اما الفنان اجتماعي محب للمجتمع والناس والبيئة والجمال في مقابل التاجر لا يشعر إلا بما يدر عليه الربح ويحقق له مطامعه ، فكيف تكون النتيجة إذا ارتبطا الاثنان معا في إنجاز عمل ما؟!
طبيعي تكون النتيجة أن طرفين متناقضين ذوات رؤى مختلفة يسير كل منهما عكس اتجاه الآخر، أو ينحاز أحدهما لطريق الآخر المسيطر، وفي الغالب هو الجانب المالي، أي التجاري، ويحقق له ما يريد في مقابل تحقيق الربح على حساب رسالة الفن السامية.
الفن عُرف سابقاً من خلال الاعمال السابقة إنها مرتبطة بالحرية وينتج ابداع من صاحبه وليس إبداع موجه من الآخرين.
الفن حالياً للأسف أصبح بعيد عن مفهومه و يخدم أغراض غير فنية ، وكذلك الفنانون يلجؤون إلى العمل لأن رجال المال أصبحوا متحكمين الساحة الفنية بسلطتهم المالية، وبالتالي هم المتحكمون فيما يتم إنتاجه، وبالتالي لا يتم إنتاج الفن إلا من أجل الكسب المادي
لذلك تفرض عليه معايير التجارة والمحاسبة فيفقدم الفن كسلعة يزداد ثمنها بطريقة عرضها ، ويتم فقد الإحساس بالذوق والجمال في مقابل مسايرة الذوق العام في المجتمع -لا تحليله ومحاولة إصلاحه، وإنما العمل على مسايرة ترسيخ معتقداته.
و لو عدنا لسير أصحاب الفن الماضيين و أهم القواعد المطلوب غرسها فكان أول هدف هو إسعاد البشرية . كان انتماء الفن عالمي، وكان الفنانون يشعرون بقيمة عظيمة لما يقومون به ويفخرون بأنهم يمارسون نشاطا ينشر البهجة والسعادة ويمتع الناس، كان الفن صاحب رسالة فنية خلقية إنسانية، وكانت الدول وأنظمتها تحترم ذلك وتشجع عليه ليتميز المجتمع بالنضج الفكري والحسي معا، وظل الفن هكذا إلى أن طغت الرأسمالية على العالم ونشرت مبادئها في كل أنشطته وأصبح الفن تحت سيطرتها وحدث ما يحصل الان
فنجد الكثير أصبح ناقد لاذع للفن ، من جمهور و من نقاد ومن صحفيين و حتى من الفنانين المبُبعدين أو المبتعدين ، الجميع يشهد ان الفن والفنان أو الفنانة اصبح سلعة تباع وتشترى و يتم التعامل مع الممثلات (كجسد) من يريدها يدفع أكثر، فصار الفن اليوم لا يمت للفن بصلة وإنما هراء وافتعال، ولم يعد للفن رسالة أخلاقية مجتمعية، وإنما أصبح الوضع بالمعكوس وساء الحال وتبدلت الأحوال
والملاحظ أيضاً . . كل جيل يكون مستواه وقدراته أقل ممن سبقه فمثلاً ... جيل عبد الحسين و النفيسي و حياة و سعد و سعاد و الصلال و العبيد وصقر الرشود والمسعود والصالح والنمش والغضبان والمنصور (كفريق) أقوى من الجيل الثاني (العقل و الحداد و السريع ..) و مع ان فريق جيل اواخر الثمانينيات والتسعينيات مثل (داوود وباسمه واخواتها وهدى وسحر و بودرويش و طارق والعجيمي و المسلم وانتصار و ..) كلهم مبدعين لكن مستوى طاقتهم أقل من الفريق الأول على مستوى الثقافي و حتى مستوى الفني ، ولو جمعنا جميع هذه الاجيال وقارنها بجيل بداية الالفية مثل (خالد امين و البريكي وطيف و السلمان و الدري و سماح والبلام و شعيبي) تكون المقارنة ظالمة وأتعكس مقارنة ومع ذلك راضين ، لكن لو اعتبرنا الجيل الحالي (قروب فجر السعيد الهام وشيماء علي و يعقوب والصيرفي وبوشهري وايراج والعجيرب والبلوشي والياسين و الشايع وبوشهري و شوجي و الصفي والمانع وعبد السلام وزوجها والكندري والحملي وكاكولي وبهمن والطباخ والصراف والعماني والبناي) قد يعتبرهم البعض موهوبين لكن أمام موهبة الأجيال السابقة يكونون أتفه وأسفل و أسوء كشخصيات و كمواهب وكثقافة وكتربية و .. والدليل في مستوى لقائاتهم وحواراتهم و اهتمامهم وحتى توقيت الضحك و الجد ... كل جيل قادم يكون أسوء من السابق بمراحل عدة ، وقد ينتج عن ذلك جمهور مختلف و التغيير واضح ، طبيعة الجمهور يتغيير مع الوضع ، ويستبدل مع الذائقة المطروحة ، وهناك مؤشرات واضحة ان هناك الكثير من الجمهور ينتظر الفن الإباحي و يترقب دخول بنات الليل في الفن و احياء حفلاتهم وسهراتهم في المسلسل والمسرح بدلاً عن الملاهي اليلية ، يمكن اليوم في مساجد و في رجال دين و يطلق على مجتمعاتنا اسلامية ، لكن بكرة قد يختفي كل هذا
في النهاية يمكننا أن نؤكد على أن ارتباط الفن والتجارة هو ارتباط غير مشروع وغير أخلاقي وهي رابطة تخنق الفن وتقتله، ولكي يحيا الفن ويزدهر علينا أولًا تحريره من قبضة الرأسمالية حتى يبدع الفنان بحرية ويستمتع المواطن العادي بما يقدم له دون فرض موضوعات بعينها عليه، ربما الحل يبدأ من الأفراد بمحاربة كل ما هو مبتذل وربما بتكاتف من المجتمعات لمحاربة القبح ونشر الجمال
-----------------------------
اول خطوة للإصلاح أن يقدم الفن كنشاط وليس كمهنة و إلا فلن تصلح إنتقاداتنا و اهتمامنا مساهمة في التغيير الإيجابي ، لأن النقد موجه للحكومات و الحكام و إن تعرضنا او انتقدنا مصيرنا (مقبرة البنطاس الي بجزيرة طحيلبه)