مهما أختلفنا إن للفن أهداف توعوية أو مجال للتسلية في النهاية لا نختلف إن للفن عظمة و مكانة ومتعة يشعرها الممثل أكثر من الكاتب والمخرج كنسبة ولا تقليلاً في أهمية الكاتب والمخرج ولكن الفنان هو الواجهة وهو الاعب المسلطة عليه الأضواء
لا شك هناك أفكار لدينا نتمنى تطبيقها كمشاريع بمختلف أنواعها ، ولا بد لكل منا وجهة نظر و رأي لكن صعب إذاعتها أمام العالم (ولو تكلمنا من بيسمعنا ؟) ، مهما أتسعت وسائل الإعلام و مهما تكلمت في وسائل التواصل الاجتماعي (السوشل ميديا) ومهما كسبت ملايين المتابعين ممن يوافقونك الرأي ، كل هذا لن يكون له تأثير وقوة مقارنة مع الفن و كلمة الفنان
أحياناً تكون كلمة الفنان ومستوى تأثيره على المجتمع أكثر وأقوى من كلمة حاكم الدولة أو مجلس شورى أو النواب ممثلين الشعب
الفنان من خلال المسرح أو من خلال الدراما بإستطاعته أن يكون حاكم و رئيس دولة ويشرع القوانين كما يشاء و يعيش حياة الملوك والامراء من خلال دور تمثيلي ، هذا الدور بإستطاعته معالجة مشاكل البلد بأكمله وبطريقة فنية ، أو بإمكانه توثيق حياة حاكم سابق أو حاكم حالي من خلال تجسيد دوره في عمل وثائقي
بإمكان الممثل أو الممثلة تولي هيئة تعليمية وتطبيق استراتيجية إيجابية كنموذج مساهم في معالجة جميع القضايا التربوية والتي من خلالها تساهم تعديل ما هو مطلوب تعديله في الواقع ، وتقديم نماذج سلبية موجودة في الواقع و تهذيبها من خلال مسلسل
الممثل بإمكانه يكون وزير ـ وبمقدوره أن يكون مؤرخ حتى لو كان هذا الممثل جاهل في التاريخ ، الممثل الغبي في الواقع ممكن يجسد دور عبقري ، وبإمكانه أن يكون مفتي في الدين كما يشاء ويطبق ويجبر الناس تطبيقة رؤويته (بشرط أن لا يتعمق في الواقعية و يجسد شيخ دين حقيقي ، كلكجي ممكن أو مريض نفسياً) بشرط أن يكون صادق وليس مستهتر في التجسيد
بإمكان الممثل يدخل المختبرات الصحية و يصنع اللقاح للكرونا وممكن يبني توقعاته لحياة المجتمع بعد أزمة كرونا ، وممكن تجسد دور ناقد يوجه انتقاداته لأكبر راس بالبلد الى اصغر راس من خلال قصة شوي بعيدة عن الواقع مع فرض الرمزية المحلية كل هذا محتاج (ثقافة ووعي) من الممثل واصرار على استغلال المسرح أو الشاشة كمنبر من خلاله يهز العالم بأعماله وقوة اطروحاته ، وكلما تطرق إلى هموم واهتمامات الناس من كبار وشباب صغار وشباب كبار - نساء ورجال ، كل هذا يساهم في تشكيل قاعدة قوية وتاريخ و تكون معلم على مستوى البلد او على العرب بشكل عام
إن أصبح الممثل صاحب رأي و كلمة ، (مو شرط يكون مثقف و مقّطع الكتب) يكفي عنده اطلاع بما يدور في العالم وفي مجتمعه ويحمل هموم بلده ، هذا يدفعه ويساعده في التعاون مع الكتاب والمنتج والطاقم مهم يكونون على توافق ، وقبل الكتابة تكون المناقشة الجادة في الطرح ، وعلى الكاتب تفصيل القضية و يحملها هذا الفنان في داخله و هذا يدفعه في العطاء
وان لم يحصل الممثل على مؤلف أو طاقم يتوافق معه ، لا بأس في المحاولات او كتابة القصص و تكليف مؤلف يتبنى القصة وتفريغها كسيناريو مع الاشراف و التدقيق والمتابعة المستمرة من قبل الفنان والمخرج ، وان لم يحصل على منتج يدعمه لا بأس في محاولة الدخول لمجال الانتاج حتى لو من خلال اليوتيوب
بعض القضايا من الصعب تقديمها خصوصا اذا كانت مباشرة ، لكن بالامكان اقتباس قصص من روايات عالمية مثل الف ليلة وليلة (بيئة بعيدة عن الواقع) واسقاطها على واقعنا ، مثال: عبد الحسين عبد الرضا جسد شخصية الشيخ جابر او شيخ اخر من خلال دور الوالي بوشجاع ، وتعامل مع القصة بجدية وكان للكوميديا توظيف خاص وهذا فن آخر
كوميديا الفطرة وحدها لا تكفي لتقديم عمل محترم والسبب هو ان العمل الفني قائم على اساسيات تجبر الممثل بالتعامل مع الورق (النص) كقاعدة أساس يبني عليها ، والكوميديا في النهاية ماهي الا زينة تعطي مصداقية احيانا مثلاً :
احداث الغزو الغاشم كان بامكان عبد الحسين عبد الرضا تقديم مسرحية سيف العرب جادة وبعيدة عن الكوميديا ، وتجسيد مشاهد رعب ، استغلالاً لمشاعر الناس و الخوف الذي اخفى ابتسامتهم وضحكاتهم طيل فترة الاحتلال
القضية و مشاهد الحرب والدماء المنثورة في الارض والشهداء والرعب ، كلها لازالت حاضرة عند الجمهور اثناء مسرحية سيف العرب ، فكان من المفروض تقديم الجانب الكوميدي مثل غباء الجنود و طريقة واسلوب صدام حسين و رعب الشايب بوخالد الي عمره ألف و الباي سكيل العبيد
استعراض هذه المشاهد تروي غليل الشعب المظلوم حتى لو كان الممثل غير كوميدي ، بمجرد السخرية واستعراض الطرائف الواقعية مثيرة للضحك في حزتها ، وكان أسلوب العرض يبث روح الوطنية في بداية المسرحية ونهايتها ، هذا يعطي انطباع ان صاحب المسرحية عبدالحسين عبدالرضا كان عنده توجه وطني وسياسي و نقدي واجتماعي و كوميدي
مسلسل على الدنيا السلام من خلال الاسم واضح ان العمل بعيد عن الكوميديا ، و يتخلله الألم و المعاناة و الاحباط والقصة انسانية و مؤلمة ، لكن نجاحها يتطلب تلطيف الأجواء من خلال مشاهد كوميديه تسخر من الواقع المؤلم ، وهذه ركيزة نجاح العمل
البعض يعتبره ضمن مسلسل كوميدي فقط ، وفي واقع القصية فهي بعيدة عن الكوميديا تماماً ومليئة بالاحداث الجادة (تراجيديا) والكوميديا ما هو الا اضافات (بهارات) ، مثل السجين المحكوم ظلماً خمسين عاماً و يعاني الشلل في ساقه و صعوبه حركته تجعله احيانا ينام بدون ماء أو اكل لكنه كشخصية طريفة يسخر على حركته و نظرة الناس له و حتى اثناء تعذيبه وجلده يتألم ومن داخله يسخر على صوت الضرب أو على شكله وهو واقف ويشبه نفسه بال...
بعض القضايا والقصص من الأفضل ان تكون كوميديه بنسبة 100% والابتعاد عن الجدية في الحوار تفادياً للحساسية ، مثل بعض مشاهد مسرحية فرسان المناخ ، كان النقد مباشر لوزير التجارة ، و جرعة الكوميديا العالية تخفف الحدة والحساسية وقد تخفيها ، خصوصا اذا كان الفنان ذكي و حريص على عدم التجريح و النقد والعتب بحب صادق ولا مانع من الاستذان كما استئذن عبد الحسين عبد الرضا من وزير التجارة ، و كذلك استأذن أمير دولة البحرين لتطرقه للهجة البحرينية وتقليدها
هذا يجعل للفنان شأن عظيم ويحترم من قبل الناس والحكومات والحكام والمسئولين لمدى عقود ، حتى لو أكتفى هذا بـ خمس سنوات فقط وأعتزل فيما بعد ، يستحيل أن ينساه الناس ، كل المجتمعات على مستوى العالم تحترم من يحمل همومها و ينقل صوتها و يعمل لاجلها ، نجاح الفنان مرتبط بما يحمله من ابداع فكري وليس من القاء النكت وتسميع النص
المصيبة والطامة الكبرى اذا الممثل هو كوميدي بالفطرة لكن لا يحمل في داخله أي موضوع ولا يستوعب مدى أهمية الفن و تأثيره ، (يبي ينكت والسلام) ، هذا لا ينتظر نص ولا يترقب قصة و حياته في الواقع متطابقة مع ادواره ، كركتره ثابت لا تغيير ، مهما كان طريف وكوميدي ، ومهما تناول قصة وقضايا مهمة مثل مسرحية بشت المدير جميع الفنانين غير مستوعبين وغير جادين في طرح القضية الأساس بقدر اهتماماهم في التسابق (من ينكت اكثر) والحماس يجرهم في الابتعاد عن صلب الموضوع و الخروج عن النص لا إرادياً ، وأغلب من تابع المسرحية للمرة الأولى أكيد ما استوعب تفاصيل القضية وان تفرغ للتركيز يلاحظ ان القصة جميلة لكنها تم تناولها بسطحية ، شركة تولاها مدير والكل ينصب ويسرق وثم تم استبداله و هم مستولين على خيرات الوزارة او الشركة والسلام ، لو بتسأل طارق و احمد الفرج او عبد الناصر درويش شنو قصة المسرحية بقولك نسيت من زمان ، ولو ترجع له في تلك الفترة بقولون لك ما قرينا النص بس عرفنا دورنا
مهما كان رصيد الفنان مليون عمل مسرحي و مليون مسلسل تلفزيوني وعشرات الافلام السينمائية ، لن يكون له شأن و لن يحترم من قبل الجميع (لكنه يجذب من يرون انفسهم من خلاله) كل ساقط وله لاقط ، والطيور على اشكالها تقع ، وبعض المغفلين يتعاطفون مع مواقف بعيدة عن الفن مثلا فلان يسلفه فيعتبره اسطورة ، قال نكته جميلة صار اسطورة ، لكن في الواقع هو مجرد لمبة معرضة للاحتراق ونهايتها قريبة مع الافراط في افراغ طاقته واهدارها بغباء ، فجأة يجد نفسه خالي و يصعب عليه القاء النكت كما كان ، لانه اعتمد على الكوميديا كقاعدة أساسية ولم يعتمد الموضوع لأنه لا يحمل في داخله اي موضوع ولو سئلته عن همومه وقضايا العالم ان تعمق في تفاصيلها تجده يتطرق للأمور السطحية الغير مهمة ـ حتى في لقائاته الصحفية تجده لا يجيد التحدث بطلاقة ولا يعتصر ألماً وحباً في وطنه ، ممكن يصطنع الحب من خلال ترديد ما يردده العامة في كل مكان ، وهذا هو المفلس ينتهي ويجهد نفسه (على الطل) يتبرع بالمال ليقول عنه الناس انه من اهل الخير ، يمجد الحكام ليقول عنه الكل وطني ، يمدح الجميع حتى السيئ يقول عنه مميز ليصفه الناس ايجابي ، وهذه المظاهر تخدع المساكين صحيح لكنه اكبر خادع لنفسه ، لأنه مخدوع حتى في اعماله السابقة التي كان سبب نجاحها ناس آخرين غيره ، ناس كانوا معتمدين على نص وقاعدة قوية ولحسن حضه كان احد الهوامش (مثل الحمالي الي كان ينقل اكسسوارات مسلسل درب الزلق من مكان لمكان ، و يعتقد نفسه احد اقطاب النجاح وصار صاحب تاريخ) يكبر مع الايام و صار ينقل باروكان الفنانات و يوصلهم من الملاهي الليلية الى الوكيشن ، ان انتقده احد قال انا صاحب تاريخ واشتغلت مع العمالقة و انا وانا وانا .. هالعقلية شلون تتعامل معاها اذا كانت مخدوعة في نفسها؟
مصيبة ان ظهرت اجيال تقتدي فيه والجمهور المسكين لازال ينتقد و يعاتب وفي نفس الوقت يحضر ويدعم ويتابعهم حتى صفحاتهم في وسائل التواصل
----------------------------------------------------
هناك فئة من الفنانين موهوبين ويقتدون في مسرح العمالقة و يؤمنون بالورق و لهم موهبة ، لكن افتقادهم للكريزما القوية تجعلهم يشعرون بالغربة و يشاككون ان المنحرفين هم الصح ، وكل ما يمكنهم فعله العمل مع اي احد و يسطرون عشرات الاعمال تحت كلمة (تجارب)
----------------------------------------------------
التمثيل مهنة عظيمة و موهوبة كبيرة تحتاج مصداقية فقط و أدوات وحب حقيقي للناس ، والجاهل يتعامل مع هذا المجال كمدينة الالعاب او الوظيفة العادية للأسف