03-08-2024, 09:59 PM | #1 (permalink) |
عضو شبكة الدراما والمسرح العــضوية: 19928 تاريخ التسجيل: 18/07/2023
المشاركات: 16
الـجــنــس: ذكر | مسرحية إنه .. مجرد معلم ! مسرحية إنه .. مجرد معلم ! قصة وسيناريو وحوار حامد العلي الإلحاد .. يواجه الدين الفكرة : مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وارتباط أغلب أبنائنا بما يطرح بشكل عشوائي من قبل الأفراد أو منظم من قبل المؤسسات المختلفة التي ترصد مجتمعاتنا ، فإن فكرة الإلحاد قد بدأت تنتشر سواء كفكرة أو كقناعة ، وقد بدأ بعض الأفراد يتفاعلون مع هذه الأفكار ومن يطرحها ، وهنا مكمن خطورة في حال لم يلتفت المسؤولون إلى مواجهة هذه الأفكار المنحرفة في الوقت المناسب . خصوصا وأن وسائل التواصل الاجتماعي باتت تغزو منازلنا في كل وقت ومن دون استئذان . المسرحية : هذه المسرحية ، تطرح موضوع الإلحاد للنقاش والتفكر والنقد من خلال طرح درامي مشوق ، يناسب المثقفين والطبقة المهتمة بهذا النوع من القضايا ، ومن خلال قصة درامية تقع كما يبدو للمشاهد في عصر سابق ، في مملكة تنتظر من الملك اختيار خليفته ، ولكنه محتار بين أخيه الملحد وولده الذي لم يفقد إيمانه بعد ، فيقوم المعلم بإرشاده إلى الطريق القويم . ولكن قوى الشر كعادتها ، ترصد للمعلم لتضع العقبات في طريقه .. حتى تظهر لنا المفاجأة . وصف الشخصيات الرئيسية حسب خيال الكاتب : الملك : خمسيني ، رزين ، ذو هيبة وجسم مناسب ، ذو صوت رخيم . الوزير : في نهاية الأربعينات ، ضعيف البنية ، له حاجبان يدلان على خباثة . المعلم : خمسيني ، متواضع ، متوسط البنية ، مرتب الهيئة . الأمير الممدوح : شاب في مقتبل العمر ، ثيابه فخمة ، جميل الهيئة . القبيح 1 : سمين ، طويل القامة ، أبيض .. قبيح ، مشعر . القبيح 2 : ضعيف البنية ، قصير القامة ، أسمر .. قبيح ، أصلع . اللوحة الأولى : المسرح مظلم تماما ، إلا من إضاءة خافتة تظهر عرشا ملكيا على يمين المسرح تحيط به من الجهتين كراسي جمعت حوله تمثل مجلس الملك .. يسار المسرح ظلام كامل . يدخل الأمير الممدوح وهو يقرأ في كتاب جلدي قديم : قد سألت البحر يوما هل أنا يا بحر منكا ؟ هل صحيح ما رواه بعضهم ، عني وعنكا ؟ أم ترى ما زعموا بهتانا وإفكا ؟ ضحكت أمواجه مني وقال : لست أدري . أيها البحر ، أتدري كم مضى ألف عليكا ؟ وهل الشاطيء يدري أنه جاث لديكا ؟ وهل الأنهار تدري أنها منك إليكا ؟ ما الذي الأمواج قالت حين ثارت ؟ لست أدري ؟ يُطبق الكتاب الجلدي .. ثم يفكر لحظات ويتمتم : ما أجمل هذه المعاني ، وما أشد ما تستبطنه من حيرة .. كأن الشاعر ينطق بلساني ! يسمع الممدوح صوت الحاجب : مولاي الملك العادل . يبتعد الممدوح نحو الظلام بهدوء تاركا المكان خلفه . يدخل الملك مع وزيره ، ومن خلفهما الفاضل ( مشلول - متخلف ) ، بينما يتمشى الملك ووزيره بتفكر قرب العرش .. يقف الملك وهو يهز رأسه محتارا ، ثم يقول : لا أدري يا وزيري .. لا أدري .. ما أشد ترددي بينهما . يمشي المشلول عندهما ويقلدهما مهموما .. يشير إليه الوزير غاضبا ، فيتجه إلى الكراسي ويجلس بصمت . ثم يقول الوزير بتردد : الأمر لك يا سيدي .. لن يحاسبك أحد على اختيارك . الملك يتنهد ثم يقول : ليس كما تقول ، سأبقى أنا الملام إن أسأت الإختيار . الفاضل : ووو ماذا ع ع ع عني أنا ؟ أأأأ ألا أنفع م م م ملكا ؟ الوزير بنظرة كره واشمئزاز يرمقه ليصمت .. ثم يتجه خطوات ثم ينظر للملك ، ثم يقول : هب أن لائما لامك ؟ وما عسى أن ينفعه لومه ؟ أو ما عسى أن يضرك لومه ؟ يضحك الملك متفهما ، يتمتم : تقصد .. إذا كنت تحت التراب .. فلن يضرني لوم لائم ولا عتب عاتب ! يقوم المشلول ويكرر رافعا صوته : الملك سيموت ! عاش الملك ، عاش الملك . يدخل الحاجب ويقف بأدب : المعلم يا سيدي .. ينتظر الإذن بالدخول . الوزير مستغربا : من ! أدعوت هذا إلى القصر يا سيدي ؟ إنه .. يقاطعه الملك ويشير للحاجب : دعه يدخل .. الوزير معترضا بأدب : ولكن .. الملك موضحا ، يغلق باب الاعتراض : لقد كان المعلم ناصحا لي مذ كان أبوه معلما لأبي .. بل .. لقد كان صديقا لي لأننا ولدنا في سنة واحدة ، ولا ريب أنه ورث الحكمة من أبيه كما ورثت أنا الحكم . مشمئزا .. الوزير : إن مثلك لا يصادق مثله ، ثم إن كان صديقا لك ، لماذا ترك قصرا منيفا .. ولجأ إلى قرية فقيرة ؟ لو كان حكيما .. لحافظ على الحياة وسط هذه النعم التي ترتاح لها النفس . صوت المعلم من وسط الظلام يقول : تركت القصر عندما أصر الملك الجد على الحرب .. وأما النعمة ، فأنا أرفل في النعم سيدي الوزير .. مادمت هي تحت حكم مولانا الملك العادل .. في مدينة كنت أم في قرية . يتجه الملك إلى المعلم مصافحا بمودة . بينما يبقى الوزير بعيدا غير راض عن دخوله . يشير الملك للمعلم بالجلوس ، فيجلس على جانب العرش ، ويجلس الوزير على الجانب الآخر .. ويجلس الملك عندهما قريبا من المشلول .. ولا يصعد إلى العرش . الملك يقول بهدوء موجها كلامه للمعلم : أيها المعلم ، لا يخفى إخلاصك لي على أحد ، فأنت محب لي زاهد في ملكي ، وعندي .. هذه أعلى درجات الحب . المشلول : ننننعم .. صدقت .. مثل الوزير تماما الملك يربت على كتفه ليصمت .. المعلم بتواضع : أرجو ألا يخيب رجاؤك في يا سيدي .. فالوزير لا يرى ما تراه ، لذلك ، أنا بين سندان الإخلاص ومطرقة الوزير . يضحك الملك ، بينما يبقى الوزير على جموده . المعلم يشير إلى العرش ويقول : لعلك يا سيدي طلبتني لأجل هذا .. من هو خليفتك بعدك ؟ الوزير بضيق يقلده بصمت مشمئزا الوزير ، ثم يلتفت إليه قائلا : ألا يخفى عليك شي من شئون القصر يا هذا ؟ ألك جواسيس من بيننا ؟ يقوم ، ثم يقول بحماس الفاضل : الجواسيس .. اقتلوهم .. ثم أطعموهم من أجود الطعام . يبتسم المعلم : كل الناس يعرفون ما يجري في قصركم ، ولكن قصركم لا يعرف ما يجري في بيوت الناس . يضحك الملك .. يوضح المعلم للوزير : إن سيدي الملك يعاني من مرض ، فتقتضي الحكمة أن يعين وليا للعهد ، وهو الآن حائر بين الأمير المنصور أخيه ، وابنه الأمير الممدوح .. الذي بلغ عمرا يؤهله للإمارة كأبيه . الملك معجبا : هه .. بالفعل ، لا تخفى عليك خفايا القصر ! .. نعم .. نعم .. أنا عليل منهك . يشير إلى قنينة دواء قريبة من العرش ويقول المعلم : إنما علمت ذلك من قارورة الأقرباذين .. قرب العرش . يبتسم الملك ويقول الملك : لا تزال كيسا فطنا .. نعم .. نعم .. إن الحيرة تأسرني يا صديقي معلم . الوزير يوضح ميوله ، بنفاق يكاد يخفيه : إن أخاك يا سيدي .. أكبر .. وأخبر .. وهو الذي وقف إلى جانبك في حروبك . المعلم يبادر ، وكأنه يسبق الكلام إلى أذن الملك : ولكنه قاس ، يخلو قلبه من الإيمان ، وله لسان أكبر من أذنه . الوزير غاضبا : ماذا تقول يا هذا ؟ أهكذا تكلم الملك عن أخيه ؟ الملك يبتسم موضحا : إن المعلم لا يخفي ما في قلبه ، لذلك دعوته ، وهو يرى أن أخي الأمير المنصور كثير الكلام قليل الاستماع ، وهذه خصلة قبيحة ، فالملك يجب أن يستمع كثيرا ويتكلم قليلا . الوزير مبسطا الأمر: هذه من خبرات الإدارة ، ستنمو عند الأمير مع الأيام يا سيدي .. وسأكون – إن أردت – إلى جانبه ، أرشده لما فيه الخير . المشلول : أنا .. كبير إخ إخ إخوتي .. الح ح ح كيم .. وعندي سيف خشبي كبير . الملك ينظر للمعلم ويقول بهدوء : على الجهة الأخرى ، ولدي الأمير الممدوح .. شهم ، محب للرعية ، قريب من الناس ، يستمع لما يقولون ، لكنه .. يفتقر لخبرة الحكم ، والعدالة ، ولا يسعه الحروب . المعلم بشيء من الخبث : والوزير ! ألن يكون إلى جانب الأمير الممدوح ؟ يرتبك الوزير ، ويتمتم الملك موضحا : لا أظن .. فالممدوح لا يطيب للوزير نفسا ، لعله لا يعرفه كما أعرفه . المعلم يتمتم : أو ، لعله يعرفه كما لا تعرفه . الملك : ماذا ؟ لم أسمع .. المعلم : أنا في خدمتك يا سيدي.. لن أبخل بحياتي من أجلك ، فبماذا تأمرني ؟ الملك : أعلم ذلك .. أعلم .. لذلك طلبتك للمشورة .. فأنا محتار . المعلم : ممّ ؟ الشعب شعبك ، وهم محبون لك ، ولا يألون جهدا في طاعتك يا سيدي . الملك قلقا ، يقول بمودة : لذلك .. لا أريد أن أتركهم بلا راع ، تصطلمهم الأيام ، ولا أريد أن أولي عليهم فظا غليظا كالمنصور ، ولا أميرا لا خبرة له بالحكم كالممدوح . تعلمت أن أكون رفيقا برعيتي ، أحبهم كما يحبوني . يطرق المعلم لحظة ، ثم يرفع متسائلا : هل يعلن المنصور إنكاره لوجود خالق للعالم ؟ أم ما زال يسر ذلك ؟ الوزير ينتفض : ما أنت وشئون القصر يا هذا ؟! الملك يشير بيده ليهدئه ويتابع : بات المنصور يعلن ذلك مع جلسائه حتى يكاد أن يؤثر على الأمير الممدوح ، ولعل أخاه المحمود الأمير الأصغر يدخل دائرتهم .. إذ يبدو أنني أحكم قبضتي على أمور مملكتي دون بيتي .. لهذا أنا أراجع نفسي في إيكال الأمر إلى المنصور . المعلم يتمتم : إن إنكار الخالق لهو أسكن لنفسٍ تخالط شهواتها .. فينام الليل مرتاحا بلا تأنيب ضمير ينظر الملك للمعلم ويقول باسما : سواء أصح وجود خالق أم لم يصح ، فإن الإيمان بخالق جبار يدفع الناس لمراقبة أنفسهم إذا غابت عين الملك في مكان أو زمان ، هكذا نأمل . يبتسم المعلم ويتمتم : حتى في الإيمان بالخالق ، تتدخل السياسة والمنفعة ؟! يدخل الأمير الممدوح ، يسلم بأدب من بعيد على أبيه : الممدوح : عمت صباحا يا سيدي الملك . الفاضل : هل دخل الصباح ؟ ظننت أننا في المساء ! الملك بابتسامة يقترب منه ويقبله ، ثم يأتي به إلى المعلم ويقول .. الملك : يا بني .. أسمعني شيئا من الشعر الذي يردده عمك . الوزير يبتسم بخبث من خلفهما .. ينتظر الممدوح لحظة مترددا ، ثم ينشد : جئت لا أعلم من أين ، ولكني أتيت . ولقد أبصرت قدامي طريقا فمشيت . وسأبقى ماشيا إن شئت هذا أم أبيت . كيف جئت ؟ كيف أبصرت طريقي ؟ لست أدري . الوزير باعجاب : يا له من شعر راق ! أكمل يا بني .. أكمل .. يكمل الأمير : أجديد أم قديم أنا في هذا الوجود ؟ هل أنا حر طليق أم أسير في قيود ؟ هل أنا قائد نفسي في حياتي أم مقود ؟ أتمنى أنني أدري ولكن .. لست أدري . الملك يكلم المعلم هامسا : أرأيت ؟! الفاضل : ه هل .. تحب أن أنشدك شع شعرا يا أبت ؟ الوزير يخرسه بإشارة من يده ثم يتجه إلى العرش وهو يعبث بخاتمه ذي الفص الأزرق ، ويقول بصرامة : أنا في الحقيقة لا آبه بما يعتقده الممدوح في قرارة نفسه لو كان رجلا من العامة ، ولكن- كما قلت لك - إن آل أمر الأمة إليه غدا ، لن يتقلب فراشه ليلا إن سجن هذا أو أعدم ذاك . إن الإيمان بخالق يفيده في كبح جماح نفسه ، والحفاظ على عرشه . يصطف الجميع أمام العرش باحترام .. يقول المعلم مقترحا : هل تأذن لي يا سيدي أن أخرج مع الأمير الممدوح في رحلة قصيرة ، أعرفه بها .. ومن بعد ذلك أكون لك من الناصحين ؟ يهز الملك رأسه ، ثم يقول موافقا : نعم الرأي .. لا بأس . يقوم الوزير الممتعض والملك ويخرجان . الفاضل المجنون يسأل : هل تريدون أنأخرج معكم .. لحمايتكم ؟ المعلم : كلا .. ليس الآن .. الفاضل : أيها المعلم الفقير ! هل هل .. هل جاء الوقت ؟ يهز رأسه المعلم بابتسامة ، ثم يخرج إظلام اللوحة الثانية تفتح الستارة ، الديكور عبارة عن صحراء ، شجرتان هناك ، وعرفج هنا .. وبقايا كوخ خشبي على الجانب الآخر ، وبئر انثلمت حوافه بفعل الأيام .. كتب عليه بخط رديء ( ذكرى الموت .. زلزال 392 ) . يدخل الكادر الأمير الشاب وهو يتصفح المكان بشيء من الكبرياء .. يدخل بعده المعلم ، ويتجه إلى بقايا الكوخ ويجلس متعبا . الأمير يتساءل : هل هذا مكان آمن أيها المعلم ؟ المعلم الذي تمدد ليرتاح ، يقول وهو يغطي عينيه : سأحاول أن أنام قليلا ، فإذا استيقظت .. سيكون ذلك دليلا على أن المكان آمن .. ارتح قليلا يا ممدوح . الأمير : ممدوح ؟! ألا يفترض بك أن تناديني .. الأمير الممدوح ؟ وهو مغطى العينين يجيب : إذا شئت ، سأقولها لك .. لكن ، إذا سمع بها قطاع الطرق ، ستندم أنك سمعتها مني في هذا المكان . يجلس الأمير يتفحص المكان ، بينما يحاول المعلم أن يغمض عينيه ليرتاح . يقف الأمير أمام الكوخ المهدم ويقرأ لنفسه : زلزال الموت ! لقد حصد خالقكم من رؤوس الناس خمسمائة إنسان في سويعة ! لا أدري لم يهدم الإله أرضه التي خلقها ؟ لا أدري .. لم الموت ؟ يضع يده على الخط .. يتمتم : وماذا قصد السابقون من تأريخهم السنين بـهذه الباء والألف ؟ ينظر للسماء ثم يخاطبها بشيء من الألم : لست أدري .. لماذا لست أدري .. لست أدري ! ينظر الأمير إلى قبر قريب من الكوخ ، يتوجه إليه .. يجلس عنده .. يلمسه بيده ثم يقول : أيها القبر تكلم ، وأخبرني يا رمام هل طوى أحلامك الموت وهل مات الغرام ؟ من هو المائت من عام ومن مليون عام ؟ أيصير الوقت في الأرماس محوا ؟ لست أدري . يسمع من خلفه صوت المعلم يرد عليه وهو جالس : فكرة الشاعر كلت ويراع الكاتب ولسان المصقع الفذ وقلب الراهب ودماغ الفيلسوف اندك دون الواجب أدرك الآثار ولكن ما وراها ؟ ليس يدري يقوم المعلم وينضم للأمير عند القبر ويشير للأمير ، وللعالم من حوله : حسبي العجز اعترافا بوجود المقتدر . ما اندحار الجيش إلا رمز جيش منتصر . وغموض السر قد يستدرج العقل لسر . فهو لولا الليل بالشهب السواري .. ليس يدري! مباشرة يقول الأمير كالمعترض : لم الزلازل إذا ؟ لم الموت ؟ المعلم يتنهد ويقول : أنت ترى الزلازل نقصا ، والطبيعة تراها كمالا ، أنت ترى الموت ألما ، والعدل يراه حياة . أنت ترى سم العقارب ألما والحاجة تراه ضرورة . لكل إنسان ضفتان ، أنت اليوم في هذه الضفة ، لتبعث إلى ضفتك الأخرى ما تشاء ، وغدا يرسلك سفر الموت لتلحق بكل ما بعثت به إلى الضفة الأخرى . الأمير محتارا : هذا كلام ، مجرد كلام .. لا ألمسه بيدي ، ولا أراه بعيني ! يمشي الأمير خطوات ثم يشير إلى آثار الكوخ والقبر : إله يرسل الزلزال والبراكين ليهلك خلقه ؟ أتهدم أنت دارك ؟ أين الحكمة في ذلك ؟ المعلم يبتسم : لقد أهلك جدك 10000 آلاف إنسان في ليلة حرب واحدة .. لم تكن بعدك قد ولدت . الأمير يبتعد خطوات ويتفكر ثم يقول : أبي يقول أن مصلحة البلاد اقتضت خوض الحرب ، حتى لو ذهبنا كلنا ضحية لها . المعلم : الملك يعرف ما يصلح للبلاد ، ورب العالم يعرف ما يصلح للعالم . يمط شفته غير مقتنع ، الأمير : لو كان هناك خالق ، لشفى جميع المرضى ولما مات الصغار و.. يجلس المعلم ويخط على الأرض بغصن جاف .. ثم يرفع رأسه ويسأل مقاطعا .. المعلم : بكم تشتري قصر أبيك ؟ باهتمام يجلس عنده ، يتفكر ثم يقول الأمير : بآلاف الدراهم .. ومئات الجواهر .. فهو قصر منيف . لم تسأل ؟ المعلم : ماذا لو كان قصر أبيك المنيف .. من غير كنيف . يبتسم الأمير : قصر بلا كنيف ؟! لا يسكنه أحد .. بل لا يشتريه عاقل . المعلم باحتقار : وما قيمة الكنيف ؟ الأمير محتارا : أأأأ .. لا قيمة له .. إنه كنيف .. أقذر مكان في القصر . المعلم : ومع ذلك .. لا يكتمل القصر المنيف إلا بالكنيف ! يقوم ويمضي خطوات متفكرا ، ثم يتمتم الأمير : أتقول أن هذه الدنيا ، لا تكتمل من غير الزلازل والبراكين والأمراض ؟ المعلم يكمل جملته : العالم عظيم رحب فسيح ، ونحن لا نحيط علما إلا بالقليل ، لذلك فإننا نقصر في كثير من الأحيان عن معرفة الحكمة من الأمور .. فربما تظهر الزلازل كنوز الأرض لنا ، لا ندري! يشير إلى الرقم المكتوب على الحائط المهدم ساخرا .. المعلم : بالله عليك يا ممدوح .. كيف نعرف أسرار كون بهذه العظمة ، ونحن نجهل من أنفسنا ما نجهل . نحن لا نعرف حتى ماذا تعني 392 باء ألف ، التي نكتبها ونلفظها كل يوم . لحظات صمت .. يجلس الأمير محبطا متفكرا وهو يعبث في خاتم أزرق الفص في اصبعه . المعلم : أهذا خاتم الملك الأكبر .. جدك ؟ الأمير يهز رأسه ويتمتم .. الأمير : نعم .. أعطانيه أبي قبل أن أخرج معك في هذه الرحلة ، وقال .. احفظه كما تحفظ حياتك ، ففيه سر عظيم لا يعرفه حتى هو .. لعله قدري أنا أن أعرف سره . يمد الخاتم للمعلم ، الذي يتفحصه وهو يمشي خطوات ، ثم يقف عند البئر .. يلقي الخاتم في البئر بكل برود . يجن الأمير وهو يرى ذلك .. يقوم مسرعا ويدور حول البئر ، يقول بغضب : ماذا فعلت ؟ ماذا فعلت ؟ سيقتلك أبي إن عرف بذلك ! كلا ، لن أعود بلا خاتم أبي .. يالها من بئر عميقة ! يبتسم المعلم ويقول ببرود : دعك عن هذه الخرافات ، سر ، وقدر ، وتنين يخرج من هذا الخاتم .. ويدخل في .. يقاطعه الأمير بضيق : إنها أمانة أبي .. حتى لو كانت سخيفة بنظرك . يتنهد الأمير محتارا ، ثم يحسم أمره ويلقي نفسه في البئر بلا مزيد من التفكير . المعلم ، بهدوء يتجه إلى خرج الثياب ويستخرج ثوبا .. ينتظر الأمير ليخرج من البئر . على الجهة الأخرى من المسرح ، يضاء فلاش دخاني أحمر يظهر من تحته الوزير وهو يناجي رامي السهام خفية ، كأنهما يخططان لشيء .. تطفأ الأضواء عندهما ويعود الظلام في تلك الجهة . بعد لحظات يخرج الأمير من البئر مبللا وهو يهز رأسه بضيق ويقول الأمير : لم أجد الخاتم .. لم أجده .. كدت أختنق في هذه البئر المظلمة العميقة . سأعود مرة أخرى .. أريد مشعلا حتى أبحث عن الخاتم جيدا . يبدل الأمير ثوبه خلف بقايا الكوخ .. بينما يبتسم المعلم وهو ينظر في البئر باحثا عن الخاتم . يخرج الأمير من وراء الكوخ وينظر في البئر مع المعلم متفكرا .. يقول بضيق مشوب بالغضب : لماذا فعلت ما فعلت ؟ لقد أمرني أبي باحترامك .. وإلا .. فجأة يغطي المعلم جسد الأمير ليمنعه من الخطر خلفه ، يلتفت الأمير فيرى رجلين قبيحين غير متشابهين ، وبيديهما قوسان موجهان إليهما. المعلم : تمهلا .. لا حاجة لكما بالسلاح ، نحن مسالمان . قبيح1 : ما الذي جاء بكما إلى أرضي ؟ قبيح 2 يضربه على يده ويصحح .. قبيح 2 : أرضنا . الأمير بشجاعة : نحّيا سلاحيكما حتى نتحدث ، لسنا أسرى عندكما ، نحن مواطنان حران . يلتفت قبيح 1 إلى قبيح 2 ويوافقان على إنزال السلاح . قبيح 1 : دخلتما إلى أرضي من دون استئذان . قبيح 2 : أرضنا يا أحمق . قبيح 1 : أنت الأحمق . قبيح 2 : هذه تركة والدي ولم نقسمها .. وإلى أن نقسمها ستبقى أرضك أرضي وأرضي أرضك فلا تقل عن أرضي انها أرضك ولا عن أرضك أنها أرضي ، إنما هي ارضنا . قبيح1 : تماما كما بطت بطتنا بطن بطتكم وبطتكم بطت بطن بطتنا ! قبيح 2 : ماذا ؟ قبيح1 : لا أدري .. هيْ .. أنتما ماذا تفعلان في بطتنا ؟ أقصد في أرضنا ؟ المعلم : نحن نمر منها ، نقصد النهر الكبير . يتلافت القبيحان بخوف يقولان : أوه ..النهر ؟! قبيح 1 يحذرهما : إياكما وبلوغ النهر ، فإن فيها مخلوقات غريبة المنظر ، كريهة الرائحة ، متوحشة ، تأكل الإنسان بقضمة . قبيح 2 : الأفضل أن تتوجها إلى الغرب .. فهو أأمن لكما . قبيح 1 يضرب قبيح 2 بيده ويهمس : ما أشد غباءك ؟ ترشدهما إلى الحائط الممنوع ؟! قبيح 2 بغضب : أنا شريك لك في الإرث .. أنت منعتهما من طريق وأنا دللتهما على طريق آخر .. لست أجمل مني حتى تتكلم أنت وأصمت أنا ! الأمير يهدؤهما : حسنا .. حسنا .. اهدئا .. ينظران إليه وهما ينتظرا ماذا يريد أن يقول . الأمير : نحن لسنا إلا ضيوفا في هذا المكان ، وسننصرف من دون أية مشاكل .. أعدكما بذلك ، عودا أدراجكما وسنمضي قريبا . يهز رأسه قبيح1 رافضا .. قبيح 1 : كلا .. قبيح 2 : أنتما الآن أسيران عندنا .. قبيح 1 : ولن نترككما حتى .. الجميع ينتظرون ما بعد كلمة حتى .. ولكنه يتوقف محتارا .. المعلم : حتى .. نحل مشكلتكما ! قبيح 2 متحمسا : نعم .. نعم .. المعلم : حسنا .. اجلسا .. ولنتحدث . يجلسون جميعا ، فيبدأ قبيح 1 ويقول : نحن توأمان متشابهان ، و قد كان والدنا رجلا غنيا ، صديقا للملوك ، ثم مات .. قبيح 2 بغباء : بل توفي .. قبيح 1 موافقا : نعم ، صحيح لأنه مات ليلا ، نعم .. توفي .. ولكنه منعنا من الإرث حتى نتوافق على تقسيمه بيننا بالتراضي . قبيح2 : ومنذ ذلك الوقت .. نحن مختلفان . قبيح 1 : بل .. غير متوافقين . المعلم يفكر لحظات وهو يفرك ذقنه . الأمير يقترح بسذاجة : ولم تنتظران أن يقسمها أحد بينكما ؟ قسماها أنتما .. وارضيا . قبيح 1 : لقد قسمناها مرات عدة ، ولم نفلح .. حتى تضاربنا ، وأضحينا قبيحين بعد أن كنا أجمل إثنين في المنطقة . المعلم بعد لحظات من التفكر يشير إلى القبيحين : أنت .. أنت قسّم الإرث إلى قسمين في ورقتين ، وأنت .. تختار إحدى الورقتين قبله . الأمير يدرك ذكاء المعلم فيقوم ويقول مؤكدا : نعم ، بهذا .. أنت مرغم على أن تقسمها بدقة وعدالة ، لأن أخاك سيختار قبلك .. فرحا يرفع يديه ويدور .. وهو يقول فرحا الأمير : يا لك من كيّس أيها المعلم ! يقومان وقد فهما دورهما ، يقول قبيح 1 : أنا سأختار أولا .. قبيح 2 : وأنا كذلك .. يحبط الأمير ويضع يده على وجهه بضيق ثم يقول : أحدكما سيرسم خارطتين يقسم فيهما العيون ومجاري المياه والأرض .. والحائط .. والآخر منكما .. سوف يختار أولا .. قبيح 1 : وما الفائدة من ذلك ؟ المعلم : سيكون الأول دقيقا في تقسيمه حتى لا يظلم نفسه . يهزان رأسيهما وقد فهما .. ثم يتهامسان . يهز رأسه قبيح 1 ويقول : قبيح 1 : ما دمتما قد حللتما مشكلتنا ، قبيح 2 : نريد أن نطلعكما على سر حرنا فيه طويلا . قبيح 1 : هيا ، تعالا معنا . يتبادل الأمير النظرات مع المعلم .. ثم يتبعانهما إلى خارج الخشبة حيث يسود الظلام . اللوحة الثالثة : تفتح الستارة ، في الجهة اليسرى من المسرح حيث عم الظلام إلا من غرفة قديمة مغبرة ، نسج العنكبوت خيوط الزمان عليها . يتأملان المكان .. يبدأ المعلم بالسؤال : ماهذا المكان ؟ قبيح1 : إنها غرفة تقع خلف الحائط الممنوع . قبيح 2 : نعم لا يصلها إلا أنا وأخي . قبيح : تقصد ، إلا أخي وأنا . الأمير وهو يجيل طرفه أنحاء الغرفة يقول بصوت محتار ، مشوب بالقلق : ولم هي ممنوعة إلا عليكما ؟ لا أرى فيها شيئا يستحق كل ذلك ! قبيح2 موضحا : كان أبي يتسلل إلى هذه الغرفة كثيرا من دون أن يراه أحد . قبيح 1 : لقد ورثها عن جده الأكبر ، الذي كان يصرف جل وقته فيها .. قبيح 2 : كان يبحث عن شيء لم يجده . قبيح 1 : ولما قربت الوفاة من أبي قال : قبيح 2 : كم كنت أتمنى أن يكون لي ولد عاقل أعهد إليه بسرّ هذه الغرفة . قبيح 1 : وقال : ولكن مادام حظي من الدنيا أنتما .. خذا هذا المفتاح ولا تسمحا لأحد بالدخول إليها . القبيحان يتلافتان ويضحكان على كلام أبيهما . الأمير والمعلم يجولان في الغرفة مستغربين ، لا يوجد شيء يستحق كل هذه السرية ، يقول المعلم : مادام الظاهر منها لا يستحق كل هذه السرية ، وهذا الاهتمام ، لعل لباطنها أمر آخر ! الأمير : أو لعل أباهما كان يلعب معهما .. أو يخيفهما حتى لا يعبثا في غرفته . قبيح1 : نحن ؟ قبيح 2 : أبدا .. قبيح 1 : كلا .. قبيح 2 : لا نعبث .. يدور الأمير في الغرفة وينظر في زواياها الأرضية ويضع يده على الحوائط .. يمط شفته يائسا . المعلم يتفحص السقف ، وزوايا السقف الأربع .. ثم يقول باستغراب منبها الأمير ومشيرا إلى السقف : انظر أيها الأمير ! يتلافت القبيحان ويكرران معا باسغراب : الأمير ؟! يجثوان على ركبتيهما وينحنيان احتراما له . الأمير مندهشا يقول وهو يشير لزوايا السقف : نعم .. إنها .. إنها .. المعلم موافقا باهتمام : نعم .. نعم .. بعتب ، يقول الأمير : هل رأيت نتيجة فعلك ؟ قبيح 1 : ماذا فعل ؟ قبيح2 : أظنه قام بفعل سيء ، ولكن : قبيح 1: هل رأيتما شيئا .. قبيح 2 : يكشف سر هذه الغرفة ؟ الأمير يمط شفته : لا .. ولكن .. في ذاك الزمن الذي بنى جدك هذه الغرفة ، كان جدي قد أعطى خاتما لابنه ، يشبه فصه هذه الفصوص الثلاثة الموزعة في زوايا السقف .. آآه .. لولا أن المعلم ألقاه في بئر عميقة . قبيح1 : ماذا ؟ قبيح 2 : ألقاه .. قبيح 1 : في البئر ؟ قبيح2 : لماذا ؟ أثناء ذلك ، كان المعلم يجر بعض الكراسي وصناديق الخشب ويضعها فوق بعضها عند زاوية من زوايا الغرفة . يقترب من الزاوية الخالية من الفص ، ثم يخرج من جيبه خاتم الأمير . الأمير باستغراب : ما هذا ؟ من أين جئت بالخاتم ؟ ظننت أنك قد ألقيته في البئر ! المعلم : لم ألقه أصلا في البئر ، إنما ألقيت حجارة صغيرة . أنت الملك في قادم الأيام ، أردت أن أرى همتك في حفظ الأمانة ، وشجاعتك في دخول بئر مظلمة .. فوجدتك أهلا لها . يعطيه الخاتم قائلا : هيا أيها الأمير .. ضع الخاتم في الزاوية الرابعة ، في مكانه .. لننظر .. يصعد الأمير برشاقة إلى زاوية الغرفة ، بتردد يضع الخاتم في مكانه .. فجأة تضاء إضاءات مختلفة مع صوت فرقعة ، يقفز الأمير ويختبيء الجميع خلف ركام الخشب .. تضاء شاشة تلفزيون متطور وسط الحائط المغبر .. يظهر في الشاشة جندي خائف ، يصور نفسه ( سلفي) وهو مختبئ من صوت الانفجارات التي تحيط به .. يقول هلعا : " لمن تصله هذه الرسالة .. نحن في يوم العالم الأخير نحن في سنة ألفين و .. ( يتقطع الصوت ) ، لقد قرر عدونا أن يستخدم أعتى أسلحته ليمحونا ، وقد قررت حكومتنا أن تستخدم أقوى سلاح عندنا لتمحو العدو ، لم تنفع المفاوضات .. أنا لا أظن أن أحدا سيبقى بعد هذا .. ولكن .. إذا بقي أحد .. أظنكم ستبدأون حساب الزمن من جديد . لا أدري .. لعل من يبقى بعدنا سيحسب التاريخ باء ألف .. أي بعد الانفجار .. سلوا لنا المغفرة .. لقد فقأنا أعيننا بأيدينا " تشوش الشاشة .. ثم تطفأ ، ويعود كل شيء كما كان .. مظلما .. يخرجون من مخبئهم .. مستغربين ، يتلافتون وعلى وجوههم ارتسمت الأسئلة . يلاحظون وجود أسلحة في الخزائن التي انفتحت مع حالة الاتصال الكهربائي التي حدثت .. الأمير : هذه هي الآفة التي ذكرها الجندي في الصورة التي كانت تتحرك ! قبيح 1 : ههههل يمكننا أن نطلعما على سر ؟ المعلم : قل .. لا تتردد .. قبيح 2 : قبل شهرين ، اقتلعنا شجرة كانت قد توفيت . قبيح1 : ماتت .. قبيح 2 : نعم ، وعند الجذور وجدنا .. قبيح 1 : صندوقا فيه .. شيئان .. قبيح 2 : غريبان . الأمير متفاعلا : ماذا وجدتما ؟ قبيح 1 : لا نعلم ، أخذ أخي واحدة وأنا واحدة ، وانطلقنا إلى الصحراء قرب واحة الملك .. قبيح 2 : ولما .. جلست أقلب ذلك الشيء بيدي ، فجأة .. قبيح 1 : انطلق نور إلى السماء .. عاليا .. بيح 2: عاليا .. قبيح 1 : ثم اضاء بشدة ، وبقي لحظات .. قبيح2 : ألقى أخي الشيء الذي كان في يده هلعا .. قبيح 1 : وقفلنا عائدين . المعلم يدور قلقا .. ثم يأمر القبيحان : أتلفوا هذه الغرفة ، وأتلفوا كل ما فيها .. فالسابقون قد أتقنوا صنع الدمار ، حتى لفّهم الموت . أكاد أقسم ، لو أنهم صرفوا ثرواتهم في بناء الإنسان والمدارس والمشافي ، وأعطوا حقوق الفقراء .. لكنا نعيش اليوم فوق القمر . وأظن أن قبحكما ، وما ذكرتماه من حيوانات غريبة كلها جاءت نتيجة الأمراض التي أعقبت الإنفجار الكبير . الأمير يهز رأسه وقد فهم كل شيء : ممممم ! هذا هو سر باء أف .. نحن نعيش سنة 392 بعد الانفجار ، باء ألف !! يا لها من حكاية لن يصدقها أحد . إظلام اللوحة الرابعة تفتح الستارة ، صحراء .. شجرة على يمين المسرح ، وعلى يساره المكان خال إلا من نبتة عرفج هنا وأخرى هناك ، وصخرة كبيرة في الخلف . يدخل الأمير والمعلم إلى المسرح ، يجلسان على الصخرة ، يفتح المعلم الخرج ويستخرج خبزة وخيارتين ، يعطي الأولى للأمير ثم يقطع الخبزة إلى قسمين ، ويعطي قسما للأمير .. يأكلان بهدوء . يتمتم الأمير بعد أن ياخذ نفسا عميقا : يا لها من رحلة أيها المعلم ، الآن عرفت سر حب أبي لك . باسما ، المعلم : وسر بغض الوزير أيضا . الأمير : ما هي حكايتك معه أيها المعلم ؟ قل لي ؟ يطرق لحظة ثم يرفع رأسه ويقول : أيها الأمير ، لا يجتمع الإخلاص والنفاق في قلب واحد ، ولا في مكان واحد . لقد كنت معلما لأبيك ، وكان الوزير معلما لعمك المنصور ، وعندما رأى جدك الملك ما بلغه أبوك من علم وأدب ، وما افتقره المنصور من علم وأدب ، اختار الملك أباك ليكون خليفته من بعده ، فعمل الوزير مع عمك المنصور على طردي من القصر .. فتآمرا علي .. وكان لهما ما أراداه . الأمير : وأبي ؟ لماذا تركك ولم يتمسك بك ؟ المعلم : كلا لم يتركني ، وكان يرعاني ويتفقدني ، ولكنه رأى أن بعدي عن القصر أأمن لي . الأمير : إن أول ما سأفعله إن أمسيت ملكا ، أن آتي بك إلى القصر . يصمت المعلم لحظات ، ثم يربت على كتف الأمير باسما : لن تكون الملك عن قريب الأمير ، فهناك سر لا يعرفه أحد .. غيري .. الأمير : يجب أن أطرد عمي والوزير من القصر أولا . المعلم : سوف تكون تكلفة طرد الوزير كبيرة ، ستدرك خطورة من حولك وجشعهم مع الأيام . يأخذ المعلم المتبقي من الطعام ويضعه قرب الصخرة بعناية وهو يتمتم : لعل طيرا أو حيوانا جائعا يجد الطعام . يمشيان نحو الجهة الأخرى من المسرح .. إظلام تام .. إلا من إضاءة خافتة على تظهر على رامي السهام القابع وراء الشجرة ، فيرمي السهم نحو الأمير وسط الظلام ، يسير السهم ببطء ، فيصيب صدر الأمير ، فيقع على إثر ذلك بالحركة البطيئة إلى الخلف متأثرا بقوة السهم الذي استقر في قلبه . يبقى الأمير معلقا في الهواء لحظات . والمعلم ممددا على الأرض ينظر جزعا إلى الأمير .. يتوقف الزمان تماما .. كل شيء ثابت على المسرح .. بعد لحظات يقع الأمير بهدوء على الأرض والسهم في قلبه ، يتجه إليه المعلم وهو يبكي . إظلام الرحلة الأخيرة يضاء الجزء الأيمن من المسرح ، الملك والوزير وبعض الحاشية اجتمعوا وهم يأكلون الطعام في الخيمة ، إلا الملك ، جلس كئيبا . وقد جلس عنده الفاضل ، حزينا .. والمعلم عنده . من خلف الخيمة ، يطل القبيحان .. ثم يهربان مبتعدين . يستدعي الوزير المعلم بحركة من يده ليقفا وسط المسرح خارج الخيمة . الوزير : لا أدري ماذا أصنع ! فالكآبة قد أخذت من الملك العادل مأخذها . المعلم يتنهد ويهز رأسه متعاطفا .. ثم يتمتم : حق له ، لقد تبخرت آماله بلحظة ، فقد روحه التي بين جنبيه أيها الوزير .. الـ .. طيب . الوزير كما يبدو من وجهه ، يريد أن يفتح بابا بخبث ، يقول : لا أدري ، كيف يمكن أن يحكم البلاد وهو كئيب حزين ، كأنه لا يفقه ما يقال له ، يصعب علينا أن نفاتحه بشؤون البلاد والعباد ! المعلم : ماذا عن ولده المحمود ؟ أين هو ؟ لا أراه بين الحاشية ! الوزير بحدة : هو صغير .. صغير .. لا يفقه شيئا .. لن ينفعنا بشيء .. ولا هذا الأحمق المسمى بالفاضل متصنعا ، المعلم يقول : أترى أنه قد آن أوان الأمير المنصور ، لـ .. الوزير يلقف الفكرة التي كان يترقب طرحها بنفسه ، يقول مبتهجا متحمسا : نعم .. نعم .. آن أوانه .. فهو ، لعمري ، فرح مرح ، جواد ، كريم .. لن يبقي في القصر أحد إلا ويغدق عليه الخير .. حتى أنت .. سيجود عليك بالكثير .. المعلم مستغربا : القصر ، أنت ، أنا ! وماذا عن رعيته ؟ بشيء من الامتعاض الوزير : لا تقل أنت .. تأدب وقل لي : سعادتك ! الوزير يعود إلى الخيمة غير آبه بالمعلم .. يتجه إلى أحد الجالسين ويسر إليه بالأمر في أذنه ، فيفرح .. ثم يشارك الجالسين الشراب وهو فرح بما سمعه من المعلم . يقترب المعلم من الخيمة ، ثم يقف بجرأة ويقول : سيدي .. أيها الملك العادل ! يرفع الملك العادل رأسه ، في نفس الوقت يرفع الوزير يده ليسكته .. الوزير : صه .. صه .. كيف تبادر الملك في الكلام . بنظرة من عينين صارمتين ينظر المعلم للوزير .. فيتراجع الوزير محرجا .. المعلم : إن فقدنا للأمير الممدوح أمر يؤلمنا جميعا ، حيث كان هو أملنا ليكون خليفتك - أطال الله عمرك - ولقد كان لائقا لها حفيا بها .. ولكن ، مثلك لا ينسى رعيته ، إن الله سبحانه .. يقاطعه الملك بغضب : الله ؟! تقول الله ؟! وهل حقا هناك إله ؟ المعلم : وهل خلق كل هذا إلا إله حكيم ؟ بامتعاض الملك : وما فائدة إله لا يراه أحد ! إله لم يرع ابني وأنا في أمس الحاجة إليه . إله لا يستجيب دعائي ! المعلم موضحا بهدوء : يا سيدي .. لا يذهبن بك الغضب إلى حيث لا تريد .. لقد كان أباك موحدا وهكذا كان جدك . الملك بامتعاض مشوب بحالة انهيار : لم يفقد أبي عزيزا له في ريعان شبابه حتى يدب الشك في قلبه .. لقد دعوت الليل والنهار أن يحفظ لي الممدوح ، لم يسمع لي .. لو كان موجودا لسمع ، لوكان موجودا حقا لسمع . المعلم بأدب وتأثر : ليس الموت عدما يا سيدي ، إنما هو معبر .. جسر .. إلى العالم الآخر ، ولولا الموت لتزاحم البشر على هذه الأرض حتى يتمنوا الموت لأنفسهم . يلاحظ الوزير تأثر الملك بكلام المعلم ، فيبادر موسوسا : كم ملوك ضربوا حولك في الليل القبابا ؟ طلع الصبح ولكن لم نجد إلا الضبابا ألهم يا بحر يوما رجعة أم لا مئابا ؟ أم هم في الرمل ؟ قال الرمل .. لست أدري المعلم يتجه نحو الوزير ويقول : حسبي الكون دليلا كلما عز الدليل وتخطيت بإمكاني ضفاف المستحيل إن لي في وجودي ألف سبيل وسبيل قد تغشيت به الكون إلى ما ليس يدري ! ينظر المعلم للملك ثم يقول : أيها الملك الكريم ، أن الكمال شأن من شئون النشأة الأخرى ، وا عجبا لمن يكذب النشأة الأخرى وهو يرى النشأة الأولى ! وبقدر آلامك .. تصعد درجاتك يا سيدي . الملك يائسا يتمتم : أظنهم صدقوا ... شيء لا ألمسه ، ولا أراه بعيني ، كيف أصدق به يا معلم ؟ ينشد المعلم وهو يخاطب السماء : أي آثارك تخفى أي آلائك تجحد ؟ أنت في الكوخ المعفى ، أنت في الصرح الممرد أنت أنت الله بالأمس ، وأنت الله في الغد أنت سر السر في العالم ، لكن .. ليس يدري .. يتسامى نحو العقل إذا ضل الدليل فوجود الكون لولاك وجود مستحيل سبحت باسمك آبائي جيلا بعد جيل فحنانيك تفضلت على من ، ليس يدري . يطرق الملك لحظة ، متفكرا .. يتنهد أمام هذا الكلام عاجزا ، ثم يقول : إنا ذاهب إلى خيمتي لأرتاح .. يبتعد الملك متفكرا متجها إلى خارج خشبة المسرح .. يدور المعلم متأثرا في جهة من المسرح ، يتفاجأ بالوزير وهو يجره من يده إلى جهة أخرى ، وهو يقول : اسمع يا معلم .. لقد كان أبي وزيرا للملك الراحل ، وأنا وزير لسيدي الملك ، وابني سيكون وزيرا للملك القادم . نحن سلسلة توازي سلسلة الملك ، ومثلك لا يقوى على ولوج عالمنا ، إنه عالم الكبار . المعلم بتواضع : نعم ، أصدّقك ، ففي هذه الدنيا الدنية يعجز مثلي عن مجاراتكم يا سيدي .. بلومٍ يشير إليه ، الوزير : فلماذا إذن تملأ رأسه بكلامك هذا ؟ وما ينفعك إن آمن أو كفر ؟ ببساطة مشوبة بالجرأة ، المعلم : المؤمن .. يأمنه الناس على كل شيء .. ومن هنا .. لعلك – يا سيدي – تريد ملكا لا يؤمن ، حتى تكون خزائنه مفتوحة لرغباتك وشهواتك . يدخل الملك فجأة ، وعليه علامات الدهشة ، وهو يقول : أرأيتم ما رأيت ؟! أرأيتم ما رأيت ؟! بحيرة ، تحيط الحاشية بالملك . يمسك بالوزير والمعلم من ثيابهما ، ويكرر باستغراب : أرأيتما ما رأيت ؟! يتلافتون جميعا منتظرين ، فيقول شارحا ما جرى له .. الملك : لقد رأيت جسما غريبا يظهر بعضه من تحت الرمال ، فلما أزحتها عنه ، قلبت ذلك الشيء بيدي ، لا أعلم .. لعلي ضغطت على نتوء ، فطار ذلك الجسم من يدي إلى السماء ، وسطع نور ، ثم اختفى .. ألم تروه ؟ الوزير ينظر إلى الحاشية متسائلا : كلا يا سيدي .. لم نر شيئا .. هل رآه أحد منكم ؟! الحاشية : لا .. لم نر شيئا . الملك : لقد كان شيئا غريبا ، لا أعرف ما تفسيره ؟ يطل القبيحان من جهة في المسرح يتابعان . يتلافت الجميع مستغربين من كلام الملك . بحيرة يتساءل الملك ، وهو يتصفح وجوههم : هل تصدقون كلامي ؟ أم تظنون بي الجنون ؟ الوزير يلقف الكلمة ، فيقول موجها كلامه للمجتمعين ليزرع فيهم الشك تجاه مشروعية الملك : الجنون ؟ يقول الجنون ! حاشاك يا سيدي ، حاشاك . ربما أثر بك موت ابنك الممدوح ، فاختلطت عليك الأمور . الملك : صدقوني .. صدقوني .. ظهر نور من يدي متجها إلى السماء . المعلم يمشي خطوات وهو يتمتم : لقد صدق القبيحان ! هذا ما تحدثا عنه من قبل ! يعود إلى حيث اجتمعوا على الملك الذي يتمتم .. الملك : ما أغرب ذلك ! ما أغرب ذلك ! المعلم يلعب لعبة مستفيدا من هذا الموقف : كيف تريدنا أن نصدق ما تقول أيها الملك الكريم ؟ وهو مجرد كلام لم نره ولم نلمسه . الملك بحدة : أننكر كلما لا نرى أو لا نلمس ؟ أي خبل هذا ؟ أتلمس الجوع ؟ أترى العطش ؟ أين هو الحب أو البغض ؟ هل تلمسه أو تراه ؟ الوزير : إن آثار الحب والجوع والعطش تغني عن رؤيتها.. لذلك فأنا أصدقك . كم نصحتك بشأنه يا سيدي ؟ مالك أيها المعلم ، ما هذا الخبل ؟ يبتسم المعلم ويقول منتصرا : صدقتم ، إنكار ما لا نرى ولا نلمس مع جلاء آثاره .. خبل . ينشد خاتما : صرخة الحق ترامت في صدى الكون المرن وفم الخلق يناجي كل ذي لحن بلحن إن تكن أذنك صماء فما ذنب المغني ؟ أو تكن ، لا تفقه اللحن فكم من .. ليس يدري ! يقترب الملك من المعلم واضعا يده على كتفه متفهما كلامه . يطرقون جميعا مغلوبين ، إلا المعلم .. يبتسم . المعلم : سيدي الملك ! لقد جاء الوقت . الملك والوزير ينظران إليه مستغربين يشير المعلم إلى جهة من المسرح ، فيدخل الفاضل بخطوات جادة ويقف .. بثيابه الجميلة ينظران إلى بعضهم الفاضل : لقد جاء الوقت يا أبت ، حتى أكون على يمينك . الوزير : أنت ؟! أنت ؟! يحتضنه بمحبة .. الملك : بني ! الفاضل ! لقد .. هل أعادك الله لي بعد ابتلائي ؟ الفاضل : نعم يا أبي .. لقد حاول هذا الوزير أن يقتلني بالسم ، ولكن الله لطف بي ولم أمت ، فتصنعت ما رأيتم حتى أسلم من دسائسه ، كما نصحني المعلم عندما زارني سرا . باسما المعلم : لقد أتقنت في تصنعك حتى كدت أن أصدقك . الفاضل : خمس سنين وأنا أتصنع الخبل ، حتى لا يراني هذا الوزير عائقا في طريق أطماعه ، ولقد رأت منه عيناي ما لا أحتاج معهما إلى شهادة شاهد .. يشير الفاضل إلى العسكر : خذوه .. الجندي : هل نقطع رأسه يا سيدي ؟ الفاضل : كلا .. كلا .. يجب أن يعرض على القضاء أولا ، ثم يأخذ كل ذي حقه حقه منه .. إن الممالك لا تدوم بالظلم ، ولن أحكم أرضا يعينني فيها هذا الفاسد ورهطه . يحتضن الملك ولده ، بينما يتابع المعلم الوزير وهو يخرج مع الجندي . من خلف الستار يخرج القبيحان ويقفان عند المعلم . إظلام
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدلالية (Tags) |
.., أخرى, مسرحية, لعمل, هوه |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
🔹مجرد فكرة🔹 ... لعمل تراثي كوميدي | زهرة البحرينية | الـقاعـة الـكـبرى ( الفن والإعلام ) | 5 | 20-01-2015 04:52 PM |
(مجرد فكرة) لعمل مسرحي بطولة: عبدالحسين وسعد وحياة وسعاد وهدى والحبيل وطارق والجندي | زهرة البحرينية | الـقاعـة الـكـبرى ( الفن والإعلام ) | 15 | 02-05-2014 09:44 AM |
نادين الراسي لـ «الراي»: لا أعتقد أن ممثلة أخرى تتقاضى بحجم أجري | اللجنة الإخبارية والصحافية | السلطة الرابعة ( الصحافة الفنية ) | 0 | 11-09-2013 12:36 PM |
حسام داغر: لن أعمل مع أحمد مكى مرة أخرى | اللجنة الإخبارية والصحافية | السلطة الرابعة ( الصحافة الفنية ) | 0 | 09-09-2013 03:19 PM |
مخرج بحريني لـmbc: اقتحمت التراث لأثبت أننا لسنا مجرد بئر نفط | بن عـيدان | الـقاعـة الـكـبرى ( الفن والإعلام ) | 0 | 19-04-2010 08:13 PM |
Powered by vBulletin® Version
Copyright ©vBulletin Solutions, Inc
SEO by vBSEO 3.6.0
LinkBack |
LinkBack URL |
About LinkBacks |