خامنئي رابح أكيد مهما كانت النتيجة الخطوة الرسمية الأولى المطلوبة من أي مرشح للرئاسة الإيرانية هي التقدم بطلب الترشيح الذي يتضمن عددا كبيرا من الوثائق المتعلقة بخدمته العسكرية وتاريخه المهني وسجله العدلي وتحصيله العلمي والبلدان الأجنبية التي عاش فيها واللغات الأجنبية التي يتقنها، إضافة إلى معلومات شخصية أخرى كثيرة. أما الخطوة الثانية فتشمل موافقة «مجلس صيانة الدستور»؛ ومن هنا تضاءل عدد المرشحين من 3272 مرشحا في 9 مايو 2009 إلى 4 فقط في نهاية الأمر، وهم الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد، وقائد الحرس الثوري السابق محسن رضائي، ومهدي كروبي، ورئيس الحكومة الأسبق مير حسين موسوي.
تضمن المادة 114 من الدستور الإيراني للمواطنين فوق سن الـ18، انتخاب الرئيس بشكل مباشر يضمن سيادة الشعب نظريا، لكن هذا عمليا غير صحيح، ما دامت المادة 113 تجعل الرئيس تابعا لـ«مكتب القيادة»، في إشارة إلى المرشد علي خامنئي.
وفوق ذلك، يستثني شرط «الالتزام بدين الدولة الرسمي» 13 في المئة من الإيرانيين الذين ينتمون إلى المذاهب والديانات الأخرى، (أي ممن هم ليسوا بشيعة ولا مسلمين).
تلاعب سهل
والواقع أن مجلس صيانة الدستور الذي يصدر أحكامه على المرشحين يتمتع بسلطات واسعة لتفسير ما تعنيه المؤهلات المطلوبة، مثل «حسن السيرة» و«حسن التدبير» أو«الإيمان بمبادئ الثورة» وغيرها. واللافت للانتباه هنا استبعاد رجال الدين الذين يحتلون مناصب كبيرة خوفا من التنافس على الشرعية الدينية بين الرئيس والمرشد.
حين يقر مجلس صيانة الدستور أسماء المرشحين، يبقى أمامهم أقل من شهر لخوض حملاتهم الانتخابية، وهذا يساعد النظام القائم على التلاعب بالنتائج من خلال الدور الكبير الذي تلعبه وسائل الإعلام المملوكة للدولة، والتي تكون متاحة فقط لأبنائها المفضلين.
ومع ذلك قد لا يكون هذا كله كافيا للقيادة الإيرانية. فالناخب الإيراني متقلب في رأيه، ومن هنا يحتفظ النظام الإيراني بخيار التدخل المباشر عن طريق مليشيا «الباسيج» والحرس الثوري. كما أن عدم استقلالية المشرفين على الانتخابات تسهل عمليات التزوير حتى خلال عمليات فرز الأصوات، وهذا ما شكا منه كل من كروبي ورفسنجاني في انتخابات 2005.
سخرية الشعب
على الرغم من الضجة التي تثيرها القيادة الإيرانية حول انتخاباتها، والشرعية التي يمنحها بعض الدبلوماسيين الغربيين للانتخابات الإيرانية، يمكن القول إن الاهتمام الشعبي داخل إيران آخذ في التضاؤل، فالمرشحون للانتخابات الحالية أقل من نصف الذين ترشحوا لانتخابات 2005، وفي ذلك مؤشر على احتمال ألا تكون الانتخابات المقبلة نزيهة، في انتخابات 2005، وافق المجلس على سبعة مرشحين فقط، وفي انتخابات 2001، على عشرة.
والواقع أن الجمهور الإيراني يهزأ بالعملية الانتخابية. فقد تحدث أحد الصحافيين الذين قاموا بتغطية عملية تسجيل المرشحين في وزارة الداخلية عن «أشخاص يرتدون ملابس مثيرة للاستغراب»، وكان بذلك يشير إلى شخص متقدم في السن يرتدي كفنا ليظهر استعداده للتضحية بحياته من أجل البلاد. وقد ذكر حالات أخرى تدعو للضحك، مثل وعد أحد هؤلاء المرشحين بجعل لعبة كرة القدم غير قانونية إذا ما فاز في الانتخابات، أما المرشح الشاب الذي رسم وشما على أنفه، وغنى أغنيات «غير مستساغة» من عموم الناس، فقد وعد بمساعدة الفقراء والمحتاجين.
«معجزة» نجاد
الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد أبرز المرشحين الحاليين والأوفر حظا بينهم، على الرغم من فشل أداء إدارته على الصعيدين السياسي والاقتصادي، ففي حين تصوره الصحافة الغربية على شكل شخص لا يخلو من الجنون، فإن الجمع بين أسلوب حياته الزاهد ومطالبته الشعبوية بالعودة إلى مبادئ المساواة التي حركت ثورة 1979 وخطابه القومي العنيف، هي أمور تلقى استجابة شعبية واسعة، وهو فوق ذلك بارع في خوض الحملات الانتخابية، وقد كان ذلك واضحا في إدارته للانتخابات البلدية في 2003 التي منحته شهرة كبيرة، وقد تفوق على كل المرشحين الآخرين في حشد الجماهير في مسيرات تأييد له خلال حملاته في المحافظات، والتي تميزت بأمور كثيرة بينها «توزيع البطاطس والمبالغ النقدية الصغيرة» في المناطق الريفية، وهذا بحد ذاته يشير إلى أنه يتمتع بدعم خامنئي الذي يكره التجمعات التي تدعم خصومه.
والواقع أن هذا الدعم شبه المعلن هو الذي يمكن أحمدي نجاد من الحصول على التمويل والدعم الإعلامي من كل من الحرس الثوري والباسيج، إن أنصار نجاد يسمون فوزه في انتخابات 2005 «معجزة»، ويعتقدون أن بالإمكان تكرارها في 12 يونيو (حزيران)، اعتمادا على قوة أنصاره في الأرياف، وإن كانوا قلة في المدن.
20 عاما من العزلة
مير حسين موسوي هو المنافس الأقوى لنجاد، وما يعزز مكانته غيابه لمدة عشرين سنة عن العمل السياسي، مما يعزز القناعة بأنه كان متفرغا لأهداف دينية أسمى، ومما يعزز فرص نجاحه ما يقال عن تزكية الإمام الخميني له ذات يوم، إضافة إلى أنه ينحدر من سلالة النبي، وفوق ذلك، يتميز بنظر الدبلوماسيين الغربيين والمثقفين الإيرانيين بأسلوبه الهادئ ووقاره مقابل فجاجة نجاد، ومن الممكن أن يساعده دعم خاتمي على كسب شرائح واسعة من الشباب في المدن الإيرانية، أما رفسنجاني الذي يدعم ترشيح موسوي فيضمن له الدعم المالي لحملته الانتخابية، علما بأن الدافع إلى هذا الموقف ينبع من خوف رفسنجاني من نجاح نجاد أكثر مما هو تأييد لموسوي.
لكن نقاط قوة موسوي قد تتحول إلى نقاط ضعف، ربما كان محبوبا من الخميني، لكنه غير محبب إلى قلب خامنئي، وقد ذكر رفسنجاني أن مشاعر خامنئي كانت ضد موسوي إلى حد أنه تدخل بقوة ضد تشكيله للحكومة خلال رئاسة رفسنجاني. وفوق هذا كله، ربما يشعر خامنئي أن شخصية موسوي المتميزة قد تشكل تهديدا لمنصبه الديني، لكن جيل الشباب لا يعرف شيئا عن فترة موسوي في رئاسة الحكومة، وبالتالي قد يؤثر في حظوظه أيضا. حتى في حالة حصول مفاجأة في الانتخابات الإيرانية، يرجح ألا تتضمن نجاح أي من رضائي وكروبي في الوصول إلى الرئاسة والتغلب على موسوي، ولأن نجاد ورضائي يتنافسان على ذات القاعدة الانتخابية، فقد يساهم الأخير في الحد من حظوظ الرئيس الحالي، وفي حين يمكن لكروبي أن يأخذ بعض ناخبي موسوي، سيكون على هذا الأخير إقناع أنصار خاتمي بأنه إصلاحي حقيقي كي ينال أصواتهم.
وخلال ذلك، على موسوي أن يعدل من حدة لهجته الإصلاحية ويظهر ولاءه للنظام، وأنه سيعمل ضمن المسموح به لئلا يصطدم بالحرس الثوري، وهذا الموقف قد يعرضه لخسارة بعض الإصلاحيين وشكوك النظام القائم.
لم تتغير الإجراءات أو الإطار القانوني للانتخابات في إيران منذ الانتخابات الماضية، وهذا يعني أن خامنئي يظل، كما كان في الماضي، الرابح الأكبر بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات المقبلة، فقد عمل في الماضي على تخويف المرشحين كما فعل مع خاتمي ووزير الداخلية السابق حجة الإسلام عبدالله نوري الذي طالب بتعديلات دستورية لتغيير قوانين اللعبة، لذلك انسحب كثير من هؤلاء تاركين المجال مفتوحا أمام الذين يدعمون وجهة نظر القائد الأعلى، أي الكف عن المطالبة بوضع قيود على مجلس صيانة الدستور والمؤسسات المرتبطة بالمرشد. بغض النظر عما سيحدث سوف تعتبر النتائج المقبلة بمثابة تأكيد للعلاقة المعقدة بين الشعب والمرشد خامنئي، ما سيجعل الشعب أكثر إحساسا بالخيبة، وبقدر ما تزداد هذه الخيبة، يزداد احتمال الفوضى المستقبلية في الجمهورية الإسلامية. |