[الفنون]

هل شاهدتم مباراة في التمثيل.؟

ما عليكم الا أن تشاهدوا المسلسل الخليجي «للأسرار خيوط» لتشاهدوا مباراة حقيقية في فن التمثيل، بين أقطاب العمل، وبالذات، الثقافي الكبيران جاسم النبهان وغازي حسين، فكل منهما يذهب بنا الى آفاق مرحلة، بل مراحل متجددة، من حرفته ومن فن التمثيل الدرامي، ورغم حالة الاستعجال في تنفيذ وتصوير مشاهد الفنان جاسم النبهان والتي انجزها في وقت قياسي، الا ان حضوره يظل مقرونا بمفردات التميز، والحضور السخي بالتفاعلات الدرامية، في عمل يتفجر في طرح القضايا المحورية والاساسية الكبرى، على الصعيدين السياسي والاجتماعي، في دول الخليج العربية.

كتابة ذكية، لماحة عامرة بالرموز، تصدى لكتابتها الشاعر والكاتب الاماراتي محمد سعيد الضخاني، وهو أحد أبناء «الفجيرة» الرائعين، والذين كانوا وراء تحقيق حملة من الانجازات الثقافية للفجيرة بشكل خاص ولدولة الامارات العربية المتحدة بشكل عام.

وخلف هذا العمل، يقف المخرج الرائع اياد الخزوز، الذي تدهشنا صوره، ومشهدياته، التي لا يمكن ان تأتي من فراغ، انما هو احتراف عالي المستوى، ومنهجية في تصميم المشهد البصري، حيث الاضاءة وحركة الكاميرا وأداء الممثلين والديكورات والاكسسوارات والأزياء والدخان والظلال... وكم آخر من المفردات، وايضا اللغة العربية المشتركة لكل مشهد، وايضا حالة التفجر الذي يذهب اليها، ويعمل على ايقادها عند عناصر العمل وبالذات فريق الفنانين، وما نشاهده يوميا، وعبر عدد من الفضائيات، من خلال مسلسل «للأسرار خيوط» هي مباراة حقيقية في مختلف مفردات الحرفة التلفزيونية.

لا يمكن بأي حال من الاحوال ان نتجاوز الأداء الكبير للفنان القطري الكبير غازي حسين، الذي يذهب الى شخصيته الشريرة، وهذه المرة، بمنهجية عالية، حيث للنظرة دلالاتها... وللالتفاتة معانيها... وهكذا بقية مفردات الأداء الدرامي... نجم كبير... وشخصية متهمة متورطة حادة عدوانية متسلطة ولكنها في الحين ذاته هو انسان مشبع بالتفاعلات الانسانية الكبيرة...

وكان المخرج الأردني اياد الخزوز قد انجز تصوير المسلسل الخليجي الجديد الذي يحمل عنوان «للأسرار خيوط» في الامارات العربية المتحدة، من انتاج شركة (أرى الامارات) للاعلام، لتكون بذلك أول دراما خليجية سياسية بقالب اجتماعي تراثي، تناقش القضايا السياسية الكبرى في الخليج العربي، عن نص للشاعر محمد سعيد الضنحاني، ضمن خطة طموحة للشركة المنتجة الذي يعتبر هذا باكورة أعمالها، لانتاج أعمال درامية بمستوى عالٍ من حيث الناحية الفنية والثقافية والاجتماعية البعيدة عن الابتذال في الطرح.

حيث القضية الخليجية من صلب البيئة الخليجية بكل عناصرها الحقيقية، ومشكلات مجتمعاتها بصورتها الواقعية، التي تفيد المجتمع وتستفيد منه.

وبحسبما صرح كاتب العمل محمد سعيد الضنحاني: فان العمل يدور حول الوطن والانسان، الأرض وضرورة التمسك بها، وهو يتناول حياة انسان الخليج بشكل عام وصراعه النبيل في مواجهة الغطرسة والظلم.

موضحا في ذات السياق انه يدور في حقبة زمنية معينة وهي فترة الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، أي قبل ظهور النفط ويعرض لحياة الناس في تلك الفترة وما كانوا يعانون منه بكل صدق وشفافية ومقاربة للحقيقة في الصراع الأزلي بين الشر والحب والصادق.

كما ويشارك في العمل الجديد نخبة من نجوم الدراما الاماراتية والخليجية من بينهم: غازي حسين من قطر، جاسم النبهان، عبدالله الباروني، ناصر كرماني، عبدالله بهمن، علي الكالوكي من الكويت، أميرة محمد، شيماء سبت من البحرين، بلال عبدالله، عبدالله ابو عابد، عبدالله صالح وعبدالرحمن الملا من الامارات، سميرة الوهيبي وشمعه محمد من سلطنة عُمان، ايمان القصيبي وسعد قريش من السعودية وغيرهم.

وقد أكد المخرج اياد الخزوز: ان العمل الجديد يطرح العديد من القضايا الاجتماعية والسياسية والفكرية في الخليج العربي، بشكل مختلف عما تم تقديمه سابقاً في الدراما الخليجية، كونه يعالج مسألة لم يسبق ان طرحت بهذا الشكل الواضح وهذه النوعية في الدراما الخليجية.

فمن ناحية تحمل المعالجة الفكرية الفلسفية والعمق في الطرح والنوعية في الحوارات، منطلقا من فكرة ضرورة تطوير الدراما العربية من خلال العمل على ثنائية الحوار والصورة بشكل متواز، حيث كانت الدراما العربية في السابق لا تتوازى في هذين المحورين الأساسيين فتأتي الصورة غير مكملة بشكل أساسي للحوار، وهنا في هذا العمل كان العمل على الحوار متوازياً مع الصورة وهو نمط السينما العالمية في هذا المجال.

وشدد الخزوز: ان هذا العمل الذي يشارك فيه ممثلون من جميع دول الخليج العربي، سواء من الامارات وقطر وعُمان والبحرين والسعودية والكويت، يتبنون جميعهم وجهة نظر واحدة تجاه الأطماع الاقليمية لدول الجوار في الخليج، قد تم تصويره بتقنيات سينمائية عالية، سواء على مستوى العدسات او معدات التصوير، أو حتى على مستوى فريق الخبراء المرافق للعمل، حيث تم الاستعانة بفريق عمل من سوريا والأردن.

مشيراً كذلك الى ان مسلسل «للأسرار خيوط» يدور حول الدالية وهي عبارة عن رمز كبير لاحدى البلدات القديمة في الامارات حيث نرى أهلها وأناسها يشتغلون في الصيد وبيع السمك والغوص وكل ما له علاقة بالبحر الى جانب الزراعة والعناية بالنخيل والتمور، موضحاً هنا ان الدالية والأرض هنا هي رمزية تعني الأرض بمفهومها كوطن وليس كجغرافيا فقط، بكل مكنونات الوطن من بحر وماء وجزر وأناس وسماء وتراب.

فالناس في العمل الدرامي هم أناس بسطاء ليس لهم هم سوى العيش بكرامة وعزة وتحقيق أحلامهم البسيطة تماماً كحياتهم التي تحفر في التاريخ صفحات صادقة.

ومع هذا يوجد في هذه البلدة الرمز أبو مسرة هذا الطواش والتاجر الكبير الذي يضع يده على كل شيء فهو يشتري من أهلها كل ما يحصلون عليه من البحر والأرض، هو ورجاله الغلاظ القلوب ومن يعمل في كنفه من تجار يأتون من بلاد خارجية مثل قندور وبابو ولا يشبع من هذا فقط بل اننا نراه يستولي على مزارعهم وأراضيهم باغرائهم بالمال واذا ما رفضوا يستخدم القوة ليحصل على ما يريد.

ومن هذه النقطة بالذات ينطلق المسلسل، حيث نرى أبا مسرة يريد امتلاك أرض أبي عبد الله من أهم سكان الدالية وأهلها الطيبين لأنها تجاور أرضه ومساحتها كبيرة ولكن نرى أبا عبد الله يرفض بيع الأرض والمزرعة التي يعيش هو وزوجته وأولاده الأربعة وابنته منها، يرفض وبقوة ويتصدى لأبي مسرة ورجاله يدفعه لذلك ويشجعه جاره الطيب المطوع منصور «أبو صالح» والذي يكون في الدالية المدافع عن الحق فيها والمساعد لأهلها المظلومين، ومن هنا تظهر رمزية فكرة الأطماع الاقليمية في الخليج العربي من قبل بعض دول الجوار، وخاصة قضية الجزر العربية المحتلة.

وفي خط درامي آخر في العمل متواصل مع السابق نجد أيضاً «أبو مسرة»، وهو رجل يؤمن بالحظ والبخت والعرافات وله في البيت عرافة هي «عيشة» التي تستقي أخبار الدالية من الرجال وتلقمها لأبي مسرة فيفرح بها ويسير على هديها وهي أي عيشة يده اليمين في كل ما يقوم به ولهذا نرى ابنته مسرة تكرهها هي وعتيق مساعده الرئيس والذي يخونه عندما تتوالى الأحداث فيقوم أبو مسرة بالخلاص منه وقتله .

وتتطور الأحداث ويصر أبو مسرة على شراء مزرعة أبي عبدالله الذي يرفض بقوة ونرى زوجته مثله أما أبناؤه فمعظمهم يرفضون عدا الصغير بينهم وهو سالم والذي يحلم بالمال والجاه وان يغدو ذات يوم مثل أبي مسرة كذلك نرى عبدالله يضعف أحياناً بسبب مرض ابنه الصغير والذي يتطلب علاجاً دائم .

وفي المسلسل هناك سهيل الشخصية المركبة والذي يعرفه أهل الدالية بالمجنون ولكننا نراه عاقلاً في مواقف كثيرة، انه الضمير الحي ووجه الحقيقة المتخفي حيناً والذي يظهر حيناً آخر ليقول كل شيء، وسهيل هذا له قصة طويلة مع أبي مسرة الذي قتل أباه أثناء هجوم سابق على قرية القريعة ولم تعش أمه سوى بضعة أشهر قليلة بعد موته فماتت بسبب حزنها الشديد عليه وتأخذه عيشة وتعطف عليه ويعيش في كنفها في الدالية الى ان يكبر، ونراه في المسلسل دائم البحث عن الحقيقة ومعرفة من قتل أبيه ولكن عيشة التي تعمل مع ابي مسرة تخفي عنه هذا الأمر .

ويعود لأبي عبدالله الذي يعاني الأمرين بسبب أبي مسرة ومرض حفيده حمد الصغير وموقف ابنه سالم الذي يعلن في اجتماع عائلي أنه مع بيع المزرعة والأرض ثم اذ تتوالى الأحداث نراه يبدأ العمل مع أبي مسرة بتشجيع من عيشة التي تريده ان يكون مدخلاً لأبي مسرة ونقطة ضعف لأبيه الذي يطرده ذات يوم من البيت بسبب عمله الجديد وموقفه السيئ من المطوع منصور وابنه صالح المرتبط بعلاقة شريفة مع ابنته فاطمة ويريد الزواج منها.

واذ يدخل سالم بيت أبي مسرة يضع عينه على ابنته مسرة الطيبة القلب والتي تعجبه في حين تضيق به عيشة التي تريده لنفسها وتمد يد العون له وتعطيه من مالها الشيء الكثير .

والى جانب أبي عبدالله هناك أخوه أبو ناصر وابنته الخرساء مريم والتي تفقد النطق اثر حادثة غرق أختها وهي صغيرة وابتلاع البحر لها، وأبو ناصر يختلف كل الاختلاف عن أبي عبد الله ويبيع مزرعته وأرضه بسهولة لأبي مسرة ويأخذ أولاده جُل ماله ويذهبون بينما نراه هو يجلس في بيته يعاقر الخمر وابنته مريم تتعذب بسببه ويضيق عليها في حياتها وخاصة عندما يتقدم محمد ابن عمها ويطلب يدها للزواج ويرفض أبو ناصر ويقنع أخاه أبا عبدالله بان ظروفه أي ظروف أبي عبدالله سيئة للغاية وينبغي ان ينتظر لعل وعسى تتحسن، وتتعذب مريم أكثر ذلك أنها تحب محمد منذ الصغر وهو كذلك ويعرض أبو مسرة على أبي ناصر ان تشتغل عنده بالبيت كخادمة فيقبل وتنشأ علاقة طيبة بين مسرة ومريم وتحبها مسرة وتجدها خير صديقة وذلك بسبب الفراغ الكبير الذي تعاني منه أما أبو مسرة فمجرد ان تقع عيناه على مريم ويراها جميلة للغاية يقرر أمراً في نفسه.

والعديد من الاشكاليات والقضايا والخطوط المتشابكة في العمل، سيكون المشاهد على موعد معها في ثلاثين حلقة تلفزيونية ستعرض في رمضان القادم على شاشة الفضائيات العربية.

يدور العمل - في هدفه الأساسي الأول - حول الوطن والانسان، الأرض وضرورة التمسك بها والعمل والبناء في بناء تراثي قديم يتناول حياة انسان الامارات والخليج بشكل عام وصراعه النبيل في مواجهة الغطرسة والظلم.

انه يدور في حقبة زمنية معينة وهي فترة الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي أي قبل ظهور النفط ويعرض لنا حياة الناس في تلك الفترة وما كانوا يعانون منه بكل صدق وشفافية ومقاربة للحقيقة.

يذكر ان هذه ليست المرة الأولى التي يطرح فيها اياد الخزوز قضايا اشكالية في أعماله الدرامية، فقد سبق له ان أخرج أول مسلسل خليجي يناقش قضية «البدون» في مسلسله الشهير «رحلة شقاء».

كما سبق له أيضاً ان كان أول مخرج أردني يتجرأ على كسر تابو الأديب الراحل غالب هلسة، بان قام بتحويل روايته الشهيرة الجدلية الاشكالية الجريئة لعمل درامي حمل ذات العنوان، بالاضافة لعمله المثير للجدل «دعاة على أبواب جهنم» وغيرها من الأعمال الاشكالية التي يقدمها الخزوز دوماً.

كما حصل الخزوز على جائزة الابداع الذهبية عن الاخراج عن مسلسله «سلطانة» عن فئة المسلسل الاجتماعي في مهرجان القاهرةـ بالاضافة لتصنيفه العام الماضي ضمن قائمة أفضل عشر مخرجين عرب، بعد شوقي الماجري وحاتم علي، وذلك في برنامج «العشر الأوائل» السنوي على فضائية روتانا خليجية.

مسلسل «للاسرار خيوط» دراما الرمز السياسى ودراما التفاعلات الخصبة بالحرفة الفنية العالية المستوى... تأملوا الصورة انها فى حالة من البهاء والتفرد والاشتغال المشبع بالاحتراف والصيغ الفنية المتأنية.









[[ المصدر ]]

http://www.annaharkw.com/annahar/Article.aspx?id=163339