12-09-2009, 03:57 PM
|
#1 (permalink)
|
عضو شرف
العــضوية: 3807 تاريخ التسجيل: 01/07/2009 الدولة: الكويت
المشاركات: 4,957
| السندريللا «غابت» عن الحفل.. والأمير لم يأت!
نجم وفيلم 22
حباها الله جمالاً شرقياً، ليس هذا الجمال البارد الأصم بل خلطة سرية من الجاذبية وخفة الظل والشجن. تُوجت في عيون الملايين أيقونة لا مثيل لها في أنوثتها وأناقتها وأدائها وصوتها الخالد في الذاكرة. جاذبية طاغية على شاشة السينما وروح متوهجة عاشقة للحياة تتآلف مع كل معجب كأنها صديقته الحميمة أو أخته الصغرى الشقية أو أمه الحنون.
ممثلة شجاعة لا تهاب أي دور، جريئة جداً في اختياراتها، فهي راقصة، فلاحة، معلمة، مطلقة، طفلة شقية، مراهقة، لاهية، مكتئبة، مغنية، مومس، شريرة، بريئة، خائنة.. في كل أدوارها وحالاتها بينها وبين جمهورها عقد صدق لا يقبل الزيف ولا النفاق.
«السندريللا» ذات الملامح الملائكية في زمن الأبيض والأسود، والمرأة التي غدرت بها الحياة في زمن الملون. في الحالتين يبقى حضورها آسراً وفاتناً حد القتل على الشاشة، حضور يمتزج فيه الفرح بالحزن، الضعف بالكبرياء، التضحية بالأنانية.
سعاد حسني فنانة تختزل في نظرة عينيها ألف كلمة لا يمكن أن تُقال!
في زمن كانت الألقاب لا تُمنح إلا بميزان من ذهب، نالت سعاد محمد كمال حسني البابا، لقب السندريللا. لقب ذو جرس موسيقى يخترق معظم اللغات حاملاً معه قصة فتاة صغيرة محبة لأبيها مثلها الأعلى ورمز الرجولة في عينيها لكن بعد رحيل أمها عن الحياة يفكر الأب في إسعاد ابنته بطريقته فيتزوج جالباً لها زوجة أب لديها بنتان، وفجأة يُتوفى الأب، فتظهر شخصية زوجة الأب القاسية على حقيقتها وتعامل «سندريللا» كأنها خادمة لها ولابنتيها، فلا تجد الفتاة البائسة إلا العصافير والفئران أصدقاء لها.
ثم يقيم الأمير حفلاً راقصاً يدعو إليه فتيات المدينة لاختيار إحداهن زوجة. على مضض توافق زوجة الأب على ذهاب السندريللا مع ابنتيها إلى الحفل. ويساعد الفئران والعصافير السندريللا في الحصول على فستان جميل لكن الفتاتين الحقودتين تمزقانه ويذهبن دونها.
هنا تظهر الساحر الكريمة فتمنحها فستانا أنيقاً وعربة وتضفي عليها من السحر ما لا تملكه أنثى أخرى، بشرط أن تعود قبل منتصف الليل لأن مفعول السحر سيزول.
تذهب السندريللا فتسطع بسحرها على الأمير وتبهره بجمالها.. كأميرة حقيقية تناست بؤسها ومعاناتها مع زوجة أبيها وابنتيها، بل ونسيت أمر الساحر الكريمة وتحذيرها. لكن عند منتصف الليل تذكرت الوعد السري فخرجت مسرعة تاركة الأمير والحفل والبذخ، وفردة حذاء!
يبدأ مساعدو الأمير في البحث عن صاحبة فردة الحذاء، فتسعى زوجة الأب لإخفائها، لكن السندريللا لا تعدم من يساعدها فيعرف الأمير حقيقتها ويتزوجها ويعيشان حياة سعيدة.
رغم الانتشار الأسطوري لهذه القصة الخيالية لكن المرجح أنها تستند إلى قصة فرعونية حقيقة بطلتها الفتاة «رادوبيس» التي عاشت مع زوجة أبيها وبناتها وعانت من ظلمهن ومن الخدمة الشاقة. وحين أعلن ابن الفرعون عن حفل لاختيار عروس من بنات مدينة منف، تذهب زوجة الأب وبناتها ويغلقن البيت على رادوبيس التي تذهب إلى صندوقها السري الذي ورثته عن أمه وتخرج منه الحذاء الذهبي المرصع باللآلئ حيث قالت لها أمه إنه سيكون مصدر حظ عظيم لها ولن يناسب قدمي أية فتاة أخرى. وبينما تستحم رادوبيس في النهر استعداداُ للذهاب إلى الحفل يأتي نسر ويخطف فردة الحذاء ويلقيها أمام الأمير فيبدأ رحلة بحث طويلة عن صاحبة الحذاء إلى أن يصل إليها ويتزوجها.
هكذا تعود قصة السندريللا إلى أصولها المصرية، ويدور الزمن دورته عبر آلاف السنين قبل أن تولد سندريللا القرن العشرين سعاد حسني، التي فقدت أباها الخطاط الشهير حسني البابا، وهو سوري من أصل كردي، بالانفصال عن أمها وليس بالموت وعاشت مع زوج الأم المفتش في التربية والتعليم عبد المنعم حافظ، ومع عدد كبير من الأولاد (ستة عشر أخاً وأختاً) معظمهم ليسوا أشقاء لها.
وسط هذه الأسرة الكبيرة المفككة عاشت حياة بائسة بلا تعليم نظامي، (يقال إن الممثل الراحل إبراهيم سعفان هو من علمها أبجديات القراءة والكتابة)
لكن كان لابد لجمالها المشع وموهبتها المرعبة، أن يحدثا تحولاً مصيرياً في حياتها.. أن يكونا بمثابة الحذاء الذهبي المرصع باللآلئ كي ترتديه صاعدة طريق الشهرة والمجد.
وكما حدث في الأسطورة القديمة تتعرض للعديد من الضربات، القديمة، أهمها ما قيل عن ارتباطها بجهاز المخابرات في زمن صلاح نصر، محنة المرض، نكران وخذلان المقريبن، والزيجات الفاشلة. لكنها حافظت رغم ذلك على توهجها، على صورتها كأميرة في حفل مبهر، يجب عليها أن تخطف أنظار الجميع ولا تقع في أي خطأ.
لكن الأمير لم يأت إلى الحفل، ولم يمسه سحرها.. لم يطابق فردة الحذاء على قدمها الصغيرة، لم يتزوجها كي يعيشا في «تبات ونبات».. بل كان لسعاد أربع زيجات مؤكدة من داخل الوسط الفني، من المصور صلاح كريم، المخرج علي بدرخان، المخرج زكي فطين عبد الوهاب، السينارست ماهر عواد (ماتت وهي على ذمته)، إضافة إلى زيجات أخرى غير مؤكدة أشهرها من الفنان عبد الحليم حافظ وعميل المخابرات الشهير ب لقب «جمعة الشوان» حسب تصريحات منسوبة إليه. ست زيجات قصيرة الأمد، حملت من الهموم والمنغصات أكثر مما جلبت لها من السعادة.
كأن السندريللا جاءت هذه المرة في الزمن الخطأ، زمن بلا أمير تتربع على عرشه ولا فارس أحلام يخطفها على حصان أبيض ليعيشا إلى الأبد في مدار السعادة.
نالت الشهرة والفلوس، وربما النفوذ، لكن كل هذا كان زائفاً وهشاً، تلاشى شيئاً فشيئاً. وصلت إلى الكثير مما حققته السندريلا، لكنها لم تستمع إلى نصيحة الساحرة وتعود قبل منتصف الليل، بل عاشت ليلاً بائساً امتد بها لعشر سنوات كاملة خسرت فيها كل ما حصلت عليه تقريباً إلا إعجاب جمهور الحفل الملكي بتلك الفتاة الشقية الجميلة التي بهرت الجميع وخلفت برحيلها الحسرة والأسى.
عشر سنوات كاملة أنهكت جمالها وسحرها وحضورها، حتى أنكرها أقرب الناس إليها ولم يتعرفوا عليها. تلاشت روح السندريللا تحت وطأة الكهولة والمرض والهموم والوحدة وتشويه السمعة وخذلان المقربين.
الخروج على النص
سعادة السندريللا في نهاية الأسطورة كانت كاملة، لكن سعادة سعاد (ويالمفارقة الأسماء) كانت منقوصة، بل ربما كانت أشبه بالدمية التي تُسعد الآخرين ولا تسعد نفسها. خرجت على نص الأسطورة ولم تنل غير التعاسة والموت الغامض سقوطاً من شرفة لندنية. وتعثر الشرطة على جثة امرأة بدينة لم يتعرف عليها أحد للوهلة الأولى وإلى جوارها فردة شبشب لن تلفت نظر أحد على الإطلاق لأنها ليست حذاء مرصعاً باللآلئ.
وكما لمعت فجأة في سماء الفن خبت فجأة وهي دون الستين تقريباً، فتاريخ ميلادها المرجح 26/1/1942 في حي بولاق بينما وفاتها كانت في 21/6/2001 في لندن، و المفارقة أن هذا هو نفسه تاريخ ولادة عبد الحليم حافظ الذي ارتبطت به عاطفيا وقيل إنهما تزوجا.
«سقطت» من شرفة الطابق السادس بعد أن فقدت توازنها خصوصاً مع زيادة وزنها وتناولها عقاقير مختلفة قد تؤدي إلى الشعور بالدوخة والغثيان. ورجح الأطباء أنها كان من الممكن أن تعيش لو سقطت على قدمها لكنها بكل أسف سقطت على رأسها فتوفيت في الحال.
وقيل إنها كانت مكتئبة جداً وفي حالة نفسية سيئة، بعد أن تغيرت صورتها كثيرا نتيجة السمنة والمرض لذلك «انتحرت» وهو ما تبنته المحكمة الإنجليزية. وقيل أيضاً إنها «نُحرت» عمداً حتى لا تبوح بأسرار تتعلق بأجهزة أمنية.
أياً كان ما جرى في ضباب لندن، فإن النهاية لم تكن لائقة أبداً ب «رادوبيس» المصرية!
رصيد
ظهرت سعاد طفلة في برامج إذاعية مع بابا شارو، ثم اكتشفها الكاتب والفنان عبد الرحمن الخميسي حين اختارها لتؤدي دور «أوفيليا» في مسرحية «هاملت»، وانطلقت سينمائياً وعمرها سبعة عشر عاماً بدور «نعيمة» في فيلم «حسن ونعيمة» 1959 للمخرج هنري بركات أمام محرم فؤاد الذي أدى دور «حسن».
إذن هي ابنة ثورة يوليو بكل ما أحدثته من صخب، وانتصارات وانكسارات، ومخابرات صلاح نصر أيضاً. أي ابنة حياة عنيفة في تحولاتها مثل حياتها الخاصة تماماً، فمن الطبيعي أن تأتي النهاية درامية وشديدة الغموض!
تعاونت مع كبار المخرجين أمثال: صلاح أبو سيف، كمال الشيخ، يوسف شاهين، بركات، وحسن الإمام، وكبار الكتاب أمثال طه حسين ونجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وأحمد رشدي صالح. ووقفت أمام كل نجوم الشاشة خلال النصف الثاني من القرن العشرين أبرزهم أحمد زكي الذي شكلت معه ثنائيا في أكثر من فيلم وفي مسلسل «هو وهي». عقد الستينيات من القرن الماضي هو عصرها الذهبي، فمثلاً قدمت أكثر من 25 فيلماً في حوالي ثلاث سنوات فقط من 1960 إلى 1963 وهو يكاد أن يكون رقماً قياسياً لأية ممثلة.
توجها نقاد ومعجبون كأعظم ممثلة مصرية في القرن العشرين، ورأى آخرون أنها تحتل المرتبة الثانية بعد فاتن حمامة. قدمت خلال اثنين وثلاثين عاماً (1959 1991) حوالي تسعين فيلماً، منها أربعة أفلام إنتاج روسي وأفغاني ولبناني وعراقي، ومسلسلاً تلفزيونياً شهيراً «هو وهي»، ونالت العديد من الجوائز أهمها: أحسن ممثلة من المهرجان القومي الأول للأفلام الروائية عام 1971 عن دورها في فيلم «غروب وشروق»، جائزة من وزارة الثقافة المصرية خمس مرات عن أفلام :الزوجة الثانية، وغروب وشروق، أين عقلي، الكرنك، وشفيقة ومتولي.. أحسن ممثلة من جمعية الفيلم المصري خمس مرات عن أفلام: أين عقلي، الكرنك، شفيقة ومتولي، موعد مع العشاء وحب في الزنزانة.. جوائز من مهرجان الإسكندرية وجمعية فن السينما عن «الراعي والنساء».. أحسن ممثلة من وزارة الإعلام عام 1987 في عيد التلفزيون عن دورها في مسلسل» هو وهي» وأيضاً شهادة تقدير من الرئيس أنور السادات في عيد الفن عام 1979 لعطائها الفني.
زوزو والسندريللا
قد لا يكون فيلم «خلي بالك من زوزو» إنتاج 1972 أعظم أفلامها، لكنه بالتأكيد الأشهر والأكثر جماهيرية، فالفيلم «ضرب وكسر الدنيا» واستمر في صالات السينما أكثر من خمسين أسبوعاً، وأصبحت أغانيه «الدنيا ربيع» و«يا واد يا تقيل» و»خلي بالك من زوزو». الفيلم وأغانيه من تأليف أستاذها وصديقها المقرب صلاح جاهين الذي كتب لها أجمل الأغاني والأدوار، ألحان سيد مكاوي، إخراج حسن الإمام وبطولة حسين فهمي وتحية كاريوكا وشفيق جلال.
الفيلم يغوص في عالم «العوالم» أو الراقصات الشعبيات، وهو العالم المفضل لدى حسن الإمام في العديد من أفلامه. وتدور أحداثه حول «زوزو» (سعاد حسنى) الطالبة الجامعية «بنت شارع محمد على» المشهور بأنه شارع الراقصات والعازفين.
«زوزو» مثل سعاد، مثل السندريللا ذاتها، فتاة جميلة، حيوية، منفتحة على الحياة، شقية وخفيفة الظل، تنتشر في كل مكان وكل زمان.. وتقودها المصادفة إلى الوقوع في حب «سعيد» المخرج المسرحي «ابن الذوات» (حسين فهمى).
إننا ببساطة أمام صورة أخرى لأسطورة السندريللا، وإن كنا لا ندري هل كان صلاح جاهين واعياً أم غير واع لذلك. «زوزو» الفتاة بنت الطبقة الشعبية الفقيرة تسعى إلى القمة والتفوق والدراسي، وهي أيضاً يتيمة الأب تعيش مع أمها «العالمة» العجوز (تحية كاريوكا) وتضطر للعمل في «كار» الرقص مثلها كي تتكفل بمصاريف الجامعة وتحافظ على تفوقها.
وحين تلتقي أميرها و فارس أحلامها ابن الذوات (حسين فهمي) يقف عملها كراقصة والفارق الطبقي بينهما دون الزواج والسعادة. وتدخل خطيبة «سعيد» على الخط بتشويه سمعة «زوزو» التي تجد نفسها أمام خيارين: رد الاعتبار لأسرتها التي تنتمي إليها أو إنقاذ حبها.
ويعتبر الفيلم نموذجاً ل»التوليفة» السينمائية المصرية من الغناء والاستعراض، والكوميديا، والرومانسية، والرقص، والفرح والأمل في غد أفضل. ودشن بطريقة ما عصر ما بعد عبد الناصر، كما حاول الكثيرون استثماره في أفلام مشابهة لكن لم يكن لها نفس الحظ من النجاح. http://www.annaharkw.com/annahar/Article.aspx?id=165879
|
| |