البحر يتحول إلى إنسان في الفيلم الكويتي (بس يا بحر )للمخرج العربي خالد الصديق . يتعامل معه الناس والبحارة وكأنه من بني البشر الخيّرين، عندما يقدم لهم السمك واللؤلؤ والمتعة والحياة ، ولكن البحر يتحول إلى وحش مفترس وصياداً لأرواح الشباب ( الفتى مساعد) ومهلكاً لحيوات الناس، في كثير من الأحيان. ولهذا ينتهي الفيلم بمشهد أم الفتى الغريق(مساعد) وهي تعفّر وجهها وشعرها برمال البحر الذي خطف ابنها صياد اللؤلؤ..وما كان أمامها إلا أن قامت بإلقاء اللؤلؤ الذي قام بصيده الفتى الغريق إلى المياه وكأنها تعيد الزيف إلى البحر ، قائلة له (لا نريد صداقتك يا بحر ابعد عنّا شرورك).. فاللؤلؤ لم يغنها عن حياة ابنها الذي اختطفه البحر حين أطبقت صدفة كبيرة على يده. أي صادته.
وبالرغم من مشاهدتي الأولى لهذا الفيلم وقد حصلت عليه مترجماً إلى الإنكليزية والعربية. واعتمدت على النصين العربي والانجليزي في الفهم لعدم وضوح الصوت الفيديوي. إلا أنه أثار فيّ فضول الكتابة عن أول فيلم روائي طويل عربي خليجي في الكويت، وقد أخرج الفيلم العام 1972 وقد وصلت مدته ال115 دقيقة . وبهذا يكون قد مضى على إنتاجه ما يقرب ال 35 سنة. وهو أكثر من فيلم عن حياة صيادي اللؤلؤ في الكويت أبان مرحلة الاستقلال. وبعيداً عن القطع غير الموفق بين بعض المشاهد واللقطات ، وكذلك القطع السريع والانتقال من ثيمة إلى أخرى . إلا أن الفيلم بأدواته البصرية الراقية في حينه، وبلغته المكثفة ، قام بتأدية الغرض من السينما عندما فسّر لنا حياة الكويتيين مطلع السبعينات واعتمادهم الكبير في حياتهم على الصيد والبحر. فالتصوير تحت الماء واللقطات المتنوعة (العامة أوالبعيدة والمتوسطة والقريبة) بالاضافة إلى الزوايا (زاوية فوق مستوى النظر في مركب الصيد، مثلاً) وحركات التصوير العمودية والأفقية تعطي تنويعاً بصرياً رائعة ولغة مشهدية بصرية راقية.. وتوحي بحرفية سينمائية عالية في ذلك الوقت المبكّر للسينما في الكويت والخليج عموماً. تقنيات الصيد من القوارب بإغلاق الأنف وحبس الأنفاس لحين اصطياد اللؤلؤ والعودة بالصيد الثمين، كانت بالنسبة لي مثيرة وخطرة لم أشهدها من قبل. وذلك يحدث من أجل حبات اللؤلؤ الذي لا يشدّني بريقه. وبالرغم من ذلك كان لا بد من صيد اللؤلؤ للإطلاع على أنماط حياة الصيادين وأغانيهم وموسيقاهم أو طبولهم وأصواتهم، وحياة البحر كانت هي الأخرى تدعو إلى التأمل ، فطقوس البحر ونواميسه تجعل التعامل معه عسيراً لأنه بأمواجه العاتية وهدوئه المخيف يصبح نداً وخصماً وصديقاً في آن. الحياة الاجتماعية على هامش البحر كانت قاسية أيضاً ، فالعربي (أبو أحمد) الذي قام بقهر ابنته وحبسها وضربها من أجل الزواج، لم ترضخ له البنت الشقية إلا بصعوبة، ولكنها على الرغم من ذلك كانت غير مطواعة للزوج غير المرغوب به. وهنا الفيلم بمشاهد قليلة يرينا كيفية الزواج التقليدي والزفة للعروس والعريس والخلوة (الدُخلة ) التي لم تتم ، ربما . مشهد آخر طقوسي يكاد يكون أسطوري حين يأخذ أهل الكويت قطة إلى البحر ويقومون بإحراق البحر بالقش أو بمكنسة محروقة، وبإغراق قطة في ماء البحر ، كي يندحر الشر وتلتئم الجراح ويتم القبول والمحبة. فالبحر تتم مناجاته كإنسان وأسطورة ووحش كبير ويطلب منه البركات والرحمة أيضاً. الثروة والمال ، كذلك سطوة وشهوة الربح في العلاقة مع البحر وصيد اللؤلؤ، من أجل ذلك اختطفت أرواح الكثيرين من أهل الكويت، حتى أن البعض صار ناقماً على هوجاء البحر وظلمه وقساوته. العلاقة بالبحر وطلب الثروة تذكرنا بالبحث عن الذهب والنفط في الولايات المتحدة الأميركية أبان الغزو الأوروبي لأميركا(فتح أميركا) ولكن الفارق واضح أن البحث عن اللؤلؤ في بحر الكويت لا يكاد يعمي عيون الناس عن حب الحياة وطلب الهدوء والسكينة في العيش.. بينما طلب الذهب والبحث عن هذا المعدن اللامع أعمى عيون الكثيرين وفجّر نزاعات كثيرة أزهقت ارواح جماعات وملايين الناس وليس أفراد فحسب. فيلم (بس يا بحر ) قدم لنا نبذة عن حياة الكويتيين، ولكنها ليست الصورة كاملة، مطلع السبعينات. وحبذا لو انتج أفلام أخرى روائية في مراحل متقاربة حتى يومنا هذا، لقدمت لنا تلك الأفلام الكثير من أجل فهم أفضل للعلائق الاجتماعية المتطورة لحيوات كثير من الناس في المجتمع الكويتي الحديث والناهض من مرحلة استعمارية نحو استقلال متطوّر