22-08-2010, 01:27 PM
|
#1 (permalink)
|
عضو شرف
العــضوية: 1860 تاريخ التسجيل: 14/01/2009
المشاركات: 838
الـجــنــس: ذكر | معجزة غازي: العظماء لا يموتون! معجزة غازي: العظماء لا يموتون! مقالات سابقة للكاتب بينة فهد الملحم
بموت غازي بن عبد الرحمن القصيبي نشهد ولادةً ثانية لكل تاريخه؛ فالعظماء-كما يقول سلفادور دالي- لا يموتون . والعبقري يحيا بموته. بموته يتغيّر شكل حضوره، يذهب الجسد لتحلّق الروح في الأفق تَصّعّدُ مع الشفق الأحمر تختلط بخيوط شروق الشمس . كم كان صباح الأحد حزيناً وثقيلاً علينا، لكأن شروق شمس ذلك اليوم تحمل خبراً سيئاً. بقي غازي القصيبي إلى آخر حياته يبحث عن معادلات جديدة لإنارة دروب الظلام، وخاض معارك حامية من أجل الحرية والعقل . لم يحدث أن قسا مجتمع مع شموعه كما قست بعض القوى الظلامية عليه، فاستأسدت عليه حتى صار اسمه على قائمة المنتديات السفّاحة التي حاولت هزيمة عزيمته، لكنه كان أكبر من كل الهزائم.
وفجعنا جميعا برحيل اسم ارتبط بكل ما هو مؤثر وجبار في تاريخ التنمية في السعودية، أعرف عميقاً أن رحيل القصيبي يحزننا لأنه رحيل اسم ارتبط بالمستقبل، ولم يكن يوماً مبجّلاً للماضي، بقي؛ حتى لفظ آخر أنفاسه يفكّر بكيفيات متجددة تنهض بالمجتمع وبالثقافة من العثرات، كان على قلقٍ دائم على مجتمعه، يبحث في كل الدهاليز عن إنجازات متوالدة سحّارة، حتى ليصحّ عليه وصف المتنبي: على قلقٍ كأن الريح تحتي ... تُسيّرني يميناً أو شمالاً
منذ أول بروز لاسمه كان حامل راية، تدعمه قيادة وثقت به، منذ عهد الملك فيصل مروراً بالملك خالد والملك فهد رحمهم الله، إلى عهد الملك عبد الله لم يترك راية الأدب والشعر والثقافة والتنمية، لم يعرف طعم الملل أو التعب. بقراءتي للكتاب التحفة "حياة في الإدارة" عرفت معنى أن تكون فعّالاً وجباراً في أعمالك وإنجازاتك. غازي كان أول كاتب سعودي يستخدم كلمة "حرية" في عنوانٍ لكتاب وذلك في روايته ذائعة الصيت "شقّة الحرية". كما أسس للنقد الساخر وللكوميديا السوداء في روايته "العصفورية" والتي تضمّنت نقداً لكثير من مفاصل السياسة والثقافة العربية. حققّ معادلة ثقافية وإدارية وسياسية ودبلوماسية لم تتحقق لأحد من السعوديين من قبل . بين يديّ كتابه الأخير: "الوزير المرافق"، الكتاب الذي كتبه قديماً وطبعه قبيل وفاته، لكأنه "الكتاب السري" الذي تضمّن انطباعات جريئة عن رؤساء دول ومسؤولين في مختلف دول العالم. كانت آخر عبارة في الكتاب: "ها قد ولد، أخيراً، وبعد مخاض عنيف مشروع عربي للسلام. ولكن هل استطاع العرب أن يحققوا شيئاً من خلال هذا المشروع. تلك قصة أخرى، تطول!". إنه النعي الحزين من غازي لمشكلات العرب وهو الذي عاصر كوارث العرب الفتّاكة.
عدتُ إلى جدي الذي يعرف غازي منذ المهد , إذ شهد ولادته كما شهدت الأحساء قدومه , وحمله وليدا قبل رؤية والده عبدالرحمن القصيبي – صديقه الحميم الذي كان مسافراً في رحلة تجارية إلى بومباي إبان مولده – له ، وجلستُ صامتةً أمامه، وأنا أتمتم ببعض أبيات القصيبي الموشومة في ذاكرتي من قصيدته الخالدة "حديقة الغروب" : ويا بلاداً نذرت العمر.. زَهرتَه لعزّها!... دُمتِ!... إني حان إبحاري
تركتُ بين رمال البيد أغنيتي وعند شاطئكِ المسحورِ. أسماري
إن ساءلوكِ فقولي: لم أبعْ قلمي ولم أدنّس بسوق الزيف أفكاري
وإن مضيتُ.. فقولي: لم يكن بَطَلاً وكان طفلي.. ومحبوبي.. وقيثاري . __________________
|
| |