عرض مشاركة واحدة
قديم 20-07-2011, 10:36 AM   #8 (permalink)
*هاشم العلوي*
عضو شرف
 
الصورة الرمزية *هاشم العلوي*
 
 العــضوية: 1922
تاريخ التسجيل: 18/01/2009
المشاركات: 531
الـجــنــس: ذكر
العمر: 30

افتراضي ^ كواليس سجون الكهنوت _^

^ كواليس سجن الكهنوت _^


رؤية - هاشم


صباحُ الصيفِ و الحرارة ..
صباح ُ السياحةِ و السفر ...
صباحُ الأحزمةِ و الحقائب ..
صباحٌ جميلٌ من رحلةٍ مغادرة ٍ معلقةٍ على الجوِّ بين السماء و الأرض ..
بالطبع ...
إنه الحال الذي دونتُ فيه بحثي البسيط حول تلك الشخصية الإنطوائية التي سأحاول قدر المستطاع الخوض في أعماقها لإيضاح الواقع التي من خلالها قد عكست الواقع المؤلم لثقافة مجتمعاتها ..
عزيزي القارئ : إن الشخصية الملقبة في عُرف بعض المجتمعات العربية بالمتدينة هي عبارة عن شخصية تتمحور حول ذاتها و تكون وجهتها نحو الداخل ، وتعطي ظهرها للآخرين ، فهي ترى بأن الجميع يقطن في عالمٍ غير عالمها .

كما نرى الكثير من تلك الفئات رجالاً كانوا أم نساءً ، يتصفون بالتشدد الديني ، وهم على أهبة الإستعداد لأن يتحولوا إلى موقف المتطرف ، فتجدهم لا يقبلوا الحوار مع الأطراف الأخرى ، و ربما انها غير قادرة على تعلم فنون الحوار ، لأنها تنطلق دائماً من منطق أنها الحارس على بيضة الدين ، لذلك تجد في نفسها العلو مقابل رؤيتها أن الآخرين لا يعرفون شيئا و قد تصل الأمور إلى تسفيههم و إطلاق الألفاظ الغير لائقة او التحامل عليهم لشخصهم !!

أما من الجانب الإنساني و ما أراه بشكل ملحوظ في هذه الشخصية المتشددة ، أنها تذهب إلى تقييد الأشياء و تحريمها ، فهي تنظر إلى الدين على أنه منظومة و سلسلة من القيود و الممنوعات و المحرمات أكثر مما تنظر للدين على أنه تكوين لخلافة الإنسان في الأرض و يسمح بالتحرك على دائرة واسعة من الحرية ، بما أعطاه الإله من مميزات و قدرات تجعله أسمى و أرقى المخلوقات ..

قد لا أكون مبالغاً عندما أقول إن رفض فكرة الحقوق الإنسانية من قبل المجتمعات المتشددة عائد إلى أن أفرادها قد انطلقوا من قاعدة التقييد و الإتكاء على التحريم في كل شيء ..

عزيزي القارئ : إن انشغال الشخصية المنطوية (عن الذي يقيدها و يحد من حريتها) بالبحث و التنظير ، فيقتصر اهتمامها على اوقات الصلاة و الأحكام ، و تكون مساحة تفكيرها و حدود عقلها في حلال و حرام وهذا لا يجوز وذاك ممنوع ،
أكثر من البحث عن حقوقه و وجوده في الأرض كإنسان يطور من حياته و يكتسب حقوقه المشروعة ..

حقيقة بعد سنوات طويلة سابقة قضيتها بين أوساط تلك الشخصيات المتشددة أو كما يسميه أحد أصدقائي ب (الكهنوت) ، دائماً ما سمعتُ منهم أن الدنيا سجن المؤمن و ان التدين الحقيقي هو كره الدنيا و التخلي عن الإنغماس في شؤونها و التطلع للآخرة في انتظار الموجود فيها من نعيم ، و من منطلق هذا النوع الفكر ، أُعيد انتاج كثير من الأحكام و الرؤى الدينية ، التي تحد من حركة الإنسان في حياته ، و أصبح التشدد في تلك المجتمعات أمراً مفروضاً على الجميع ، فتتسع دائرة التحريم إلى الكثير من الحقوق و الواجبات الإجتماعية ، و أقرب الأمثلة هي : حقوق المرأة التي سلبها المتشددون في الدين ، ولم يكن الدين مسؤولاً عن الترسيخ في عقول الكثير بأن مجتمعتنا هي مجتمعات ذكورية ، بل المتشددين هم الذي وضعوا كل هذه الأفكار بعادات و تقاليد و أفكارٍ وهمية ، و من ضمن ما رسخوه في عقول مجتمعاتهم أن المرأة مخلوق من قبل الإله ليتمع بيه الرجل ، فلا مجال للحديث عن حقوق المرأة إلا في إطار حقوق الرجل و احتياجاته ، فإذا كان في خروج المرأة للعمل يثير شهوة الرجل و يؤدي به إلى السقوط في الرذيلة و حرمانه من الجنة بسببها ، فإنه من الواجب عليها الجلوس في بيتها ، وتقييد قدراتها و عطائها ، و إن كان في تعلميها ما يجعلها من ان تزيد في ثقافتها و تساهم في فكرها بتطوير الحياة و منافسة الرجل في بناء المجتمع و قيادته ، فإن هذا يعد خروج عن مكانها الطبيعي ، و قد ينتج خروجها من المنزل إلى الفساد ، وبقاءها فيه ترعى شؤون أسرتها هو الأفضل لها لكي لا تقع في الشبهات أو الحرام ..

و لم تقف الشخصية المتشددة عند سلب حقوق المراة فحسب ، بل ذهبت إلى الرفض في الخوض حول العلم الذي يختص بتفسير الكثير من الظواهر الطبيعية التي صنعها الإله لنا في هذا الكون في أبهى صورة ، وما هذا إلا دليل على أن المتدين لا يمتلك الثقة بعقل الإنسان و تحليله لكثير من أمور الحياة ، فالتفكير في نظره عما وراء الغيبيات أو المسلمات قد يخرج الإنسان من الدين إلى حالة الكفر ، ونتيجة لعدم الثقة بعقل الإنسان فإن ذلك سيشكل موقفاً سلبياً و حجرَ عائقٍ في الدخول نحو بوابة العمل و المعرفة و التاريخ أكبر برهانٍ حول ما أدى من تشكيك بنوايا المفكرين و المحققين ، و تقديس الذين يسمون بعماء دين ..
كل هذا قد أعطى انطباعاً أن الخوض في العلوم الدنيوية هو بمثابة تهديد للدين ، و الطريف في الأمر أن المتدين لن يستطيع إقناع نفسه أو الآخرين بأن ما عنده من نصوص دينية التي يعتمد عليها لبيان (كما يرى) فضل العلم و العلماء ، يكفيه لتفكيك هذه التهمة الموجهة إليه ، حيث ان واقعه و طريقة ممارساته تكشف غير ذلك ، فما يراه من الذين يُلقبون بعلماء الدين للكثير من النصوص الدينية هو عبارة عن علمٍ محدود جدا ، وليس مطلق ، لأنه هؤلاء ليسوا منزهين عن الأخطاء ..

بينما يأتي عنصر الثقافة من ضمن الإشكاليات التي توجهها الشخصية المتشددة ، فهو يرى أن الثقافة الجديدة هي محاولة لإبعاد الدين عن مسرح الحياة و المجتمع ، و بالتالي فإن عليه المحاولة جاهداً في محاربة تلك النصوص الثقافية وصدّها حتى لا تحتل مكانة على تلك الخشبة المسرحية ، فينظر إليها بمنظار الغزو الثقافي الغربي ، الذي يشغل حيزا كبيرا في عقله ، فهو يراها بأنها نوع من أنواع التهديد للدين ..

و قبل أن أختم هذا البحث أود الإسارة إلى نقطة طريفة و مهمة في ذات الوقت ، وهي أن المتدين لا يزال يعيش في الماضي ، لأنه يرى أنه هو الأطهر و الأنقى و الأصفى من الحاضر الممتلئ بكل ما يخالف الدين ، و البعض من هذه الفئة لا يرغب بالإرتباط بالدنيا لأنه خلق لغيرها و عليه أن يجتاز هذه الحياة بنجاح ليقطن في عالم الآخرة ، ولهذا السبب نرى أن المتشددين في مجتمعاتنا لديهم علاقة مشوشة و مضطربة مع الحياة ، فلا هو مقبل عليها ولا هو مدبر عنها ، ، و نتيجة لهذا الإضطراب أوجدت في نفسه عدم الإرتياح ، بل وقد وصل لدى البعض إلى وجود انفصام في الشخصية لديه بسبب هذه العلاقة الغير واضحة و المستقرة ...

كل ذلك عبارة عن نبذة مختصرة لتوجهات المتشددين في مجتمعاتنا ، (وإن كانت بعض الآراء الشخصية لا تعبر عن كل المتدينين ) إلا أن هناك كثيرا من الأمور التي ينتهجها المتدينون بشكل عام تكون عبارة عن حدارٍ شاهق تفصل مجتمعاتها بينها و بين التحرر من التشدد الديني و التحرك إلى فضاء اوسع من الحريات ، وكسب الحقوق الإنسانية المشروعة ..

عزيزي القارئ : إنني بصدد هذا البحث ، لا أحارب المتدينين ((لشخصهم)) في مجتمعاتنا لأنني بكل بساطة أشفق عليهم ، بل أناقش الإشكاليات التي سجنت الكثير منهم في دائرة ضيقة ، وأحاول تفكيك تلك الخطوط المتشابكة فيها ، لتكون لنا شخصيات تطالب بحقوقها السياسية و المدنية ، تؤمن بتطوير الحياة و المجتمع و تسعى لتطوير فكر وثقافة مجتمعاتها ، و تحارب الظلم بجميع أنواعه و تكشف خفايا الفساد الديني و السياسي و الإجتماعي ..

 

 

__________________

 


نافذة على التاريخ - الجاسوس الأسطورة ( د/ ريتشارد سورج )

https://www.youtube.com/watch?v=50SV1RI1xvs


*هاشم العلوي* غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
 
7 9 244 247 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 289 290 291 292