عرض مشاركة واحدة
قديم 06-09-2013, 09:29 AM   #19 (permalink)
اللجنة الإخبارية والصحافية
إدارة الشبكة
 
 العــضوية: 5
تاريخ التسجيل: 30/07/2008
المشاركات: 11,512

افتراضي فيلم The Place Beyond the Pines: الخطيئة تولد معنا.. والمجتمع يدفعنا لها

فيلم The Place Beyond the Pines: الخطيئة تولد معنا.. والمجتمع يدفعنا لها


طارق الخواجي
نعم! هذه النوعية من أفلام السينما لم تمت، هذا أول انطباع خرجت به بعد مشاهدة فيلم المخرج ديريك سيانفرانس الأخير (المكان ما وراء الصنوبر – The Place Beyond the Pines 2013)، مستحضراً في ذاكرتي العديد من الأفلام التي ربما لا تشترك مع الفيلم في عناصره الأساسية ولا حتى تصنيفه العام، لكن تربطه بها علاقة من حيث الالتزام السينمائي، المعالجة المختلفة، والسيناريو الذي تم صياغته في مستوى رفيع، ويختلف عنها في كونه فيلماً متوارياً أكثر من اللازم، وربما يعود الأمر في ذلك إلى تاريخ عرضه.
يبدأ الفيلم حكايته عن دراج مميز، لوك الوسيم الذي يعمل كمخاطر في سيرك متنقل بين مدن ولاية نيويورك الامريكية، وقبل مغادرته إحدى تلك المدن "سكنيكتدي" – وتعني المكان ما وراء سهول الصنوبر في لغة الموهوك إحدى القبائل الأصلية الأمريكية- يكتشف أن له ابناً من حبيبة سابقة يتذكرها جيداً، لوك يصر على المساعدة ويرفض أن يكون ابنه امتداداً له، لكن الأمور لا تجري حسب ما يريد، وتنتقل الأحداث إلى آيفري كروس، شرطي شاب تتزعزع حياته بعد حادثة تصيبه، يوازن بين أخلاقياته وطموحاته السياسية وأبوته المعطلة، ويصبح مدعياً عاماً في نهاية المطاف، أما السطر الثالثة في الحكاية فيكتبه اثنان من أبنائهما جاسون وأي. جي. يختار كل منهما طريق الأب امتداداً له، رغم كل محاولات الانطلاق نحو واقع مختلف يحاول بعض المقربين لهما توجيههما له، إنها قدرة المجتمع على دفعنا في اتجاه واحد ومحدد ومراد لنا مسبقاً، حال فرطنا ولو بالقليل من استقلاليتنا.

رايان غوزلينغ
لكن الأمر أبعد من الاستقلالية في هذا الفيلم إذ يبدو أن الخطئية تولد معنا، والمجتمع يدفعنا لها بخلاف ما قاله الراحل إحسان عبدالقدوس بأن "الخطيئة لا تولد معنا ولكن المجتمع يدفعنا لها"، إنها تفكيك للحلم الأمريكي وإعادة لصناعة الواقع المرتهن بمعطيات كثيرة تبدأ من نظام التعليم وتنتهي بالأنظمة السياسية.

ديريك سيانفرانس
"سيانفرانس" في تعاونه الثاني مع الرائع "رايان غوزلينغ" – الأول كان في فيلمه الدرامي الرومانسي "الفالانتاين الأزرق –Blue Valentine”" 2010 – يطور أدواته، يتحدى معالجته السابقة، يبني شخصياته بحذر أكبر، وبعمق أكثر، كما يشارك في كتابة نص رائع لا يعيبه في النهاية سوى طوله الذي يجعلنا نشعر فعلاً بالانتقال الزمني الواسع للأحداث، وربما كان هذا ما يريده، لكن المقدمة التي بدأها بلقطة طويلة تعكس وعيه السينمائي العالي لا تغيب عنه عندما يحاول أن يجعل النهاية تبدو شبيهة بلقطة طويلة تشترك مع الأولى في وجود الدراجة النارية، التي تعطي الانطباع باستمرار الرحلة وبوجود أمل في الوصول إلى شيء.
موسيقى مايك باتون الذي لا يبدو أنه يتورع عن شيء، إيقاع الفيلم البطيء، وذلك الهدوء المدهش في مسار الأحداث حتى في تلك اللقطات الأكثر عنفاً، العفوية البالغة في الأداء والمشاعر وعدم الاستغراق الميلودرامي في سرد واقعة، ظهور الشخوص في حياة آخرين واختفائها تأتي في سياق واقعي سردي مبهر، حضور بسيط لكن مكثف ومتخم بالمهابة، ما ينبهنا إلى واقعيتها المفرطة، الأمر الذي لن يروق لكثيرين باعتقادي، لكن "سيانفرانس" لا يأبه للحلم الأمريكي ولا لنظريات تطوير الذات وكل ذلك الهراء الذي لا يملك فرصة مهما صغرت في لحظة واحدة حقيقية!.

برادلي كوبر
كل الممثلين في أدوارهم الصحيحة، نصوصهم مكتوبة بدقة، وكذلك ضلوعهم في القصة أو وجودهم الجانبي يأتي في توزيع مرسوم بذكاء، إيفا ميندز، برادلي كوبر, راي ليوتا، بروس غرينوود، روس بايرن، هاريس يولين، بن منلسون، ورغم أننا لا نعرف الكثير عن بعضهم، حيواتهم بعض التفاصيل البسيطة أو ما جرى لهم، لكن تقاطعهم كان يخدم الشخصيات الأربعة الرئيسية، الآباء والأبناء، والمكان نفسه في زمن ممتد إلى أبعد من خمسين عاماً.
الفيلم محمل بثيمات عدة، الاغتراب الذي أصبح سمة العصر الحديث، جيل الأمهات، الخطئية التي تورث في المجتمعات الرأسمالية التي تدعي منح الفرص للأفراد المجتهدين دون غيرهم، والفساد الأخلاقي الغائر والمتعمق في المنظومات السياسية والمؤسسات الأمنية، كما لأن هناك إشارات متفرقة للتمرد الاجتماعي، عينة ضيقة النطاق من جيل الغضب الذي أرخ له جاك كرواك في روايته البارزة "على الطريق"، كما أن هناك بعض النقاد الذي يعتقدون أن رايان غوزلينغ في دور "لوك غلانتون" يذكرنا بجيمس دين في دور "جيم ستارك" في فيلم "ثائر بلا قضية –Rebel Without a Cause" لنيكولاس راي عام 1955م.
"المكان ما وراء الصنوبر" عمل فني رفيع، طويل أكثر مما يجب، لكن يمر بنعومة لو كنت ممن يقدرون اللقطات الطويلة والإيقاع الواقعي، كما أنه فيلم كئيب لتماسه مع الحياة الإنسانية الحقيقية خارج عمليات التجميل الفنية، ولعل من أكثر ما يميزه توافقه مع الفكرة الإنسانية في أي مجتمع عن مطاردة أخطاء غيرنا لنا رغم براءتنا المبدئية منها، إنه فيلم يغور عميقاً في نقد الحضارة الحديثة وأوهام الثراء، والأنظمة السياسية التي تقوم على التحالفات والانفصالات المجردة عن القيم والأخلاق.

 

 

اللجنة الإخبارية والصحافية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
 
7 9 244 247 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 289 290 291 292