من الصعب الجزم متى وأين تعلم الإنسان الحجامة، فهي طريقة علاج قديمة ابتكرها الإنسان وامتهنها الأطباء، وإن اكتسبت شهرتها في منطقة الجزيرة العربية، حينما حث عليها الرسول -صلى الله عليه وسلم- وجعلها إحدى الدعامات الثلاث للشفاء التام من الأمراض.
والحجامة عملية جراحية بسيطة، كان أجدادنا وآباؤنا يستخدمون خلالها كاسات الهواء لعلاج آلام الظهر
والروماتيزم وغيرها من الأمراض، حيث يأتي الحجّام بكوب فارغ من الزجاج، ويشعل بداخله قطنة أو فتيلة، ثم يقلب الكوب رأسا على عقب على سطح جسم المريض حتى يتفرغ منه الهواء، ونتيجة اختلاف الفرق بين الضغط الداخلي والخارجي، يمسك الكأس بالجلد بشدة، فتستخرج الرطوبة من الجسم، ثم يقوم الحجام بتشريط سطحي لمكان الألم بمقدار 1 - 2 بشفرة حادة معقمة، وبعد انطفاء الفتيلة المشتعلة يستفرغ الدم الفاسد من الجسم بداخل الكوب.
التقينا الحجام جاسم بهمن واطلعت على خفايا وأسرار المهنة مؤكداً أن مكان عمل الحجامة في الجسم يكون بين «الأخدعين»، وهما عرقان على جانب العنق والكاهل ومقدم الرأس بعد حلق الشعر، وإذا كان الوجع بالمفاصل واليدين أو الرجلين تكون الحجامة على ظهر القدم أو باطنها، أو على الساق أو الظهر، ويفضل الابتعاد عن العمود الفقري، ويمكن عمل الحجامة في المكان الذي يصل إليه المرض في الجسم.
ويقول بهمن: «إن الحجامة لا تكون فقط في حالة المرض، وإنما يمكن عملها في الحالات العادية، وتكون مفيدة بشرط أن تكون على فترات متباعدة». وأشار إلى أن الحجامة على الكتفين والكاهل تفيد في الألم الذي يصيب الرأس، كالصداع وبلادة الحواس، وكثرة النوم والنسيان، لأنها تسحب الدم الزائد والرطوبة الصادرة من الكبد والرئة والطحال، كما تنفع في علاج ألم المنكب والحلق.
والحجامة على الأخدعين -كما يوضح بهمن- تنفع في أمراض الرأس وأجزائه كالوجه والأسنان والأذنين. وتلك الأماكن تقع أعلى الظهر والعنق، والكاهل هو الفقرة السابعة البارزة، فيما تنفع الحجامة تحت الذقن وجع الأسنان والوجه إذا استعملت في وقتها، وتنقّي الرأس والكفين، أما الحجامة على ظهر القدم فإنها تنفع في قروح الساقين والفخدين وانقطاع الطمث والحكة العارضة في الإلية. مبينا في الوقت نفسه أن الحجامة أسفل الصدر نافعة في دمامل الفخذ وجربه وبثوره ومن النقرس والبواسير وحكة الظهر ومرض «الفيل» أو «النقرس»، وهو مرض يحدث في القدم والساق.
محظورات
إن كثيرا من حالات الألم مازال الطب الحديث لا يجد لها تفسيرا واضحا، لذلك يخفق في معالجتها، والحجامة تنفع في حالات الصداع المزمن الذي فشلت معه الوسائل الأخرى، وحالات الآلام الروماتيزمية المختلفة، وخصوصا آلام الرقبة والظهر والساقين. وبعض حالات تيبس أو تورم المفاصل المختلفة، فضلا عن الحرقان الموجود في الأطراف، ولاسيما مرضى السكّر والضغط المرتفع، وبعض الحالات النفسية وحالات الشلل وآلام الظهر والمفاصل والنقرس وأمراض البطن كإلامساك، وعسر الهضم وفقدان الشهية.
وللحجامة أصول منها أن يكون المريض صائما، ولا يأكل بعد عمل الحجامة مباشرة، بل ينتظر لمدة ساعة. وبعد الحجامة مباشرة يفضل الاغتسال بماء بارد لشد البدن وتقويته.. ويقول بهمن: «يحظر الجماع قبل وبعد الحجامة لمدة 12ساعة على الأقل، كما يُحظر تناول الحوامض واللحم والروب (اللبن) من الطعام، وكذلك الألبان ومنتجاتها لمدة 24 ساعة، ويفضل تناول الأطعمة البسيطة المسلوقة بعد عمل الحجامة لمدة شهر والابتعاد عن الطعام الدسم نهائياً».
التبرع والحجامة
ومن بين الموجودين بانتظار الدور داخل صالة الانتظار لدى بهمن التقت «أوان»، راشد الحمدان (موظف حكومي في وزارة الصحة (49 عاما)، والذي يتداوى بالحجامة بين فترة وأخرى.. يقول الحمدان: «أشعر بأنني تخلصت من آلام الصداع المزمن الذي كان ينتابني على فترات متقاربة، بينما فشل في القضاء عليه ترددي المستمر على الأطباء والمسكنات التي كنت أتعاطاها، وقد جربت كل الطرق التي ذكروها لي، ومنها التبرع بالدم كعلاج، ولم تأتِ بفائدة».
وعما إذا كان التبرع بالدم أم الحجامة أكثر نفعا، يقول بهمن: «في جسم كل إنسان دم سليم نافع، ودم سيئ ضار، فلماذا يخرج من جسمه الدم النافع، ويترك الضار؟
إذا احتجم، يخرج الدم الفاسد وفيه شفاء، والجسم خلال عملية الحجامة يقوم بتعويض مكان نزف الدم مباشرة من الأوردة إلى مواضع الحجامة عن طريق الشرايين والشعيرات الدموية، وبذلك يكون قد تبرع الشخص لنفسه، ويكون هذا الدم مستعدا لاستقبال ترسبات جديدة كانت موجودة في الدم الرئيسي، لم تجد لها مخرجا، وما هي إلا أيام قليلة حتى يقوى الجهاز المناعي، وتقوى الدورة الدموية، ويرتفع الهيموغلوبين، وترتفع نسبة الحديد، وتنشط الغدد اللمفاوية، ولا بأس إذا كان الإنسان معافى أن يتبرع بدمه لإنقاذ أخيه الإنسان».
أوقات محددة
وللحجامة أوقات معينة أفضلها من يوم 15 الى 28 في الشهر العربي، وهذا هو الموعد الحقيقي لعمل الحجامة، والإنسان إذا قام بعمل الحجامة في السنة القمرية، وكل 6 شهور وخلال عامين أو ثلاثة، لا يحتاج بعدها إلى زيارة الطبيب، وللحجامة 4 طرق علاجية التدليك والشفط والتشريط وإخراج الدم الفاسد.
وينبّه بهمن إلى أن للحجامة نوعين، أحدهما في منطقة «الرأس»، والآخر في مستوى الكتف وأسفل الرقبة والظهر، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن أغلبية الناس بعد الأكل، تظهر عندهم فضلات وشحوم وشوائب تتراكم على الطحال والكبد.
ويردف: «إن الحجامة تقضي على 50 في المئة من الأمراض الموجودة في جسم الإنسان، وهي نوعان حجامة جافة وأخرى رطبة، الجافة يسخّن فيها الهواء في الكأس حتى يتحدد، وتلقائيا ينطفئ مصدر الحرارة ليبرد الهواء بعد دقائق وينكمش المكان المحدد طبقا لنوع المرض أو الغرض، ويقل حجم الجلد، ليحدث فراغا داخل الكأس، يترك لمدة تتراوح بين 3 - 5 دقائق، ثم ينزع فتظهر دائرة حمراء على سطح الجلد مكان فوهة الكأس».
والحجامة الرطبة هي بنفس الأسلوب السابق مع زيادة تشريط الطبقة الخارجية من الجلد بعمق 1.5 ملم، وكأنه خدش وبطول 4 ملم، ويتم وضع الكأس ثانية لتنفيذ العملية، والفرق هنا أن الدم يستخرج ويتجمع داخل الكأس، وتتكرر العملية إلى أن يتوقف الدم ثم يطهر مكانه التشريط، ولا يمكن للشخص الخائف أو الذي يشعر بالبرد أن يحتجم، لأن الدم في هذه الحالة يكون هارباً.
لا تعد تخصصا
وعما إذا كانت الحجامة تخصصا، أم يمكن لأي شخص القيام بها، يرد بهمن: «إنها لا تعد تخصصا بالمعنى المفهوم، وأنا أعلم كثيرين لأنها بسيطة جدا، والآن تباع أدوات طبية صينية (كاسات ومسدس هواء ومشرط)، ولكن من يستعملها بطريقة خطأ لا يستفيد من نتائجها المرجوة، وعندما لا يحصل على نتائج يعتبرها خرافات ونوعا من الشعوذة، فلابد من ممارستها بالأسلوب الصحيح لتعطي النتائج الصحيحة». ويؤكد بهمن أن الحجامة تعالج جميع الأمراض كالجلطات والتشنجات والربو والحساسية والكوليسترول والبروستاتا وبعض أنواع السكّر والضغط وتقلّص عضلات القلب، وأيضا الرئة والكبد وعلاج الضعف الجنسي.
وحول كيفية علاج الضعف الجنسي بالحجامة، يقول: «بجلسة نفك بين الفقرات الخامسة والأولى القطنية أسفل الظهر، ونسحب الهواء من الجهاز التناسلي»، مبينا في الوقت نفسه أن الحجامة تشفي من ارتفاع ضغط الدم المتكرر عند بعض الناس وكذلك تصلب الشرايين.
علاج سحري
البعض يعتبر الحجامة علاجاً سحرياً، والبعض يؤمن بفوائدها وقدرتها العجيبة، وأصبحت قوة لا يستهان بها أمام الطب الحديث، وتعرّف الناس من خلال التجربة على فاعليتها في العلاج.. وهناك دول مثل سورية أدخلتها من ضمن طرق العلاج في مستشفيات وعيادات معينة، بعد اكتشاف فوائدها بشكل علمي. ويوضح بهمن أن ذلك لا يعني بحال من الأحوال الاستغناء عن الطب الحديث، أو عن الأدوية والعقاقير، فإذا احتجم الشخص كل 6 شهور خلال سنتين أو ثلاثة، لن يحتاج إلى زيارة الطبيب، إذ إن الحجامة تساهم في شفاء أمراض العصر المستعصية عند بعض الناس، كالشلل والقلب.
ويضيف: «هناك سلبيات كثيرة تحدث نتيجة استغلال الحجامة بشكل تجاري وعدم إجرائها ما بين 15 - 28 في الشهر العربي، فضلا عن وجود من يقومون بعملها نظير أجر في أي يوم في الشهر، ولذلك فإنها تضر ولا تنفع، وتأتي بنتيجة عكسية وتجلب للإنسان أمراضا كثيرة، فالسلبيات سببها الحجّام نفسه الذي لا يضبط الميعاد أولا لعملها بالشكل الصحيح»، مؤكدا أن يومي الأربعاء والجمعة مكروهان في عمل الحجامة.
حمد الأثري موظف في القطاع الخاص، يبلغ من العمر 56 عاما، ويشعر منذ 6 شهور بآلام بين كتفه وذراعه اليمنى، وجاء لعمل الحجامة، ويقول في هذا الشأن: «ذهبت إلى المستشفى وأجريت أشعة، ولم يتضح وجود شيء، وكنت أتألم كثيرا، فأجريت الكثير من التحاليل الطبية، ولكن بلا فائدة، فالمسكنات لم تشفني على المدى البعيد، فاضطررت للسؤال، وعمل الحجامة، والآن أحرك ذراعي أكثر، وأصبحت بوضع جيد».
أما سليمان الخالدي، فهو طالب جامعي، يبلغ من العمر (23 عاما)، واضطر إلى عمل الحجامة، يقول: «أصبت بشلل نصف الوجه، أو ما يطلق عليه شعبيا (أبو وجه)، وذهبت إلى مستشفى حكومي وآخر خاص فأعطوني حبوب كورتيزون، وخضعت لعلاج طبيعي وجلسات كهرباء، ولم ينفع معي العلاج، ولم أعد أحرك وجهي، وأتيت إلى جاسم بهمن، فعمل لي جلسة تدليك وحجامة في اليوم الثالث بدأ وجهي وفكي يتحركان والحمد لله، وأنا أتكلم الآن، وكنت لا أستطيع الكلام أو تحريك وجهي».
ويتابع الخالدي: «عملت جلسات عدة، ويقابل كل 4 جلسات حجامة، وبقية الأيام جلسات تدليك، وأنا الآن على وشك الانتهاء، لأن الألم ضاع مني بنسبة 80 في المئة وبقي نحو 20 فقط».
الأدوات الملوثة تنقل الأمراض
تنتقل بعض الأمراض المعدية «مثل الإيدز والأمراض الفيروسية» عبر الأدوات المستخدمة مثل المشرط، أو شفرة الحلاقة، ويمرض كثيرون نتيجة العدوى، ويقتضي عمل الحجامة الحرص على النظافة والتعقيم، ووضع جميع الأدوات المستخدمة في ماء حار، وليس باستطاعة أي فرد القيام بعمل الحجامة، لكونها تشكل خطورة كبيرة في حالة انتقال بعض الأمراض والعدوى.
وينصح بهمن من يريد أن يعالج بالحجامة، بالتعامل مع الحجّام الذي يثق به، ويختيار الموعد المناسب ليكون العلاج إيجابيا وسريعا، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن عمل الحجامة إذا توافق مع قراءة القرآن، يكشف الشخص إذا كان مسحورا من خلال علامات معينة في الدم.
استخدمها الفراعنة والآشوريون
أجمع العلماء علىأن الحجامة تعد من أكثر أنواع الطب البديل انتشارا اليوم، وهي تزاحم الطب الحديث، رغم أن وسائلها تقليدية بدائية، وهي ليست وليدة عصر قريب، وإنما عرفتها المجتمعات الإنسانية القديمة كالفراعنة في العام 2200 قبل الميلاد، مرورا بالآشوريين في العام 3300 قبل الميلاد، كما عرفها الصينيون، وتعتبر أهم ركائز الطب الصيني حتى اليوم. وللحجامة مكانتها عند العرب، وإن لم تأخذ اهتماما واسعا، مقارنة بالمجتمعات الأخرى.
__________________
___________
كونك احد أعضاء هذا المنتدى فأنت مؤتمن ولك حقوق وعليك واجبات
ليس العبرة بعدد المشاركات!!
وانما ماذا كتبت وماذا قدمت لإخوانك الأعضاء والزوار
كن مميزا...
في أطروحاتك..صادقاً في معلوماتك..محباً للخير...
مراقباً للمنتدى في غياب المراقب...
مشرفاً للمنتدى في غياب المشرف...
للتواصل :