احدى روائع الشاعر الكبير / أبي الطيب المتنبي
لاخــيلَ عنــدَك تُهدِيهـا ولامـال
= فَليُسـعِدِ النطـق إن لـم تُسـعِد الحـالُ
واجــز الأمِـير الـذي نعمـاه فاجئَـةٌ
= بِغــيرِ قَـولٍ ونُعَمـى النـاسُ أقـوال
فرُبَّمــا جــزَتِ الإِحســانَ موليـهُ
= خَـرِيدةٌ مـن عَـذارَى الحـي مكسـالُ
وإن تَكُـنْ محكَمـاتُ الشُـكلِ تمنَعُنـي
= ظُهـورَ جَـري فَـلِي فِيهِـنَّ تَصهـالُ
وَمــا شَــكَرتُ لأن المـالَ فَرَّحَـني
= سِــيَّانِ عِنــدِيَ إكثــار وإِقــلالُ
لكِــن رأيــتُ قَبِيحـا أنْ يُجـادَ لَنـا
= وأننــا بِقضــاءِ الحــقَّ بُخــالُ
فكُـنتُ مَنبِـتَ رَوض الحـزنِ بـاكَرهُ
= غَيــث بِغَـيرِ سِـباخِ الأرضِ هَطـالُ
غَيـــث بَيِّــنُ للنُظــارِ مَوقِعُــهُ
= أن الغُيُــوث بِمــا تَأتِيِــهِ جُهــالُ
لا يُــدرِكُ المجــدَ إلاسَــيد فطِـنٌ
= لِمــاَ يَشــق عـلى السـاداتِ فَعَّـالُ
لا وارِث جَــهِلَت يُمنـاهُ مـا وَهَبَـت
= وَلاكَسُــوبٌ بِغــيرِ السـيف سَـأآلُ
قــالَ الزمــان لَــه قَـولاً فأفهمـهُ
= إنًّ الزَمــان عــلى الإمسـاكِ عَـذال
تــدري القَنــاة إذا اهـتَزت بِراحتِـهِ
= أن الشــقي بِهــا خًــيل وأَبطـالُ
كَفــاتك ودُخــولُ الكــافِ مَنقَصـة
= كالشـمسِ قلـت وَمـا لِلشَـمسِ أمثـال
القــائد الأســد عذتهــا بَراثنُــه
= بِمِثلِهــا مِــن عـداه وهـي أشـبال
القـاتِلِ السَـيفَ فـي جِسـمِ القَتيـلِ بِهِ
= ولِلسّــيُوفِ كَمــا لِلنــاس آجَــالُ
تُغــيِرُ عنـهُ عـلى الغـاراتِ هَيبتُـهُ
= وَمالُــهُ بِأقــاصي الأرض أهمَــالُ
لـهُ مـنَ الوَحـشِ مـا اختـارَتْ أسنتهُ
= عَــيرٌ وهَيــقٌ وخنســاءٌ وذيـالُ
تُمسِــي الضُيُــوفُ مُشـهَّاةً بِعَقْوَتـهِ
= كــأن أوقاتَهـا فـي الطِيـبِ آصـالُ
لَــو اشـتهت لَحْـمَ قارِيهـا لَبادَرَهـا
= خَـرادِل منـه فـي الشِّـيزَى وأوصَالُ
لايَعـرِفُ الـرُزْءَ فـي مـالٍ وَلا وَلَدٍ
= إلا إذا حَـــفَزَ الضِّيفــانَ تَرْحــالُ
يُــرْوِي نَـدَى الأرضِ مـن فضـل ومن
= مَحـض اللّقـاح وَصـافي اللون سلسالُ
تقـري صَوارِمُـهُ السـاعاتِ عَبْـطَ دَمٍ
= كأنَّمـــا الســاع نُــزَّالٌ وقُفَّــالُ
تَجــرِي النُفــوس حَوالَيـهِ مُخلَّطـةً
= مِنهـــا عُــداةٌ وأغنــامٌ وآبــالُ
لايَحــرِمُ البُعـدُ أهـلَ البُعـدِ نائِلَـهُ
= وغَــيرُ عــاجِزَةٍ عنــهُ الأُطيفَـالُ
أمضَـى الفَـرِيقَينِ فـي أقرانِـهِ ظُبَـةً
= والبِيــض هادِيــةٌ والسُـمرُ ضُـلالُ
يُــرِيكَ مَخــبَرُهُ أضعـافَ مَنظَـرِهِ
= بَيــن الرجــالِ وفيهـا المـاءُ والآلُ
وقــد يُلّقُّبِــهُ المجــنُونَ حاسِــدُه
= إذا اخــتَلَطنَ وبَعـضُ العَقـلِ عُقَّـالُ
يَـرمِي بِهـا الجـيَشَ لابُـد لَـه وَلَهـا
= مــن شَـقِّهِ ولَـوَ أن الجـيَشَ أجبـالُ
إذا العــدَى نَشِــبَت فيهــم مخَالبـهُ
= لــم يَجــتَمِعْ لَهُــمُ حِـلمّ ورئَبـالُ
يَــرُوعُهُمْ منـه دَهْـر صَرفُـهُ أبًـدا
= مُجــاهِرٌ وصُــرُوفُ الدَهـرِ تغتـالُ
أنالَــه الشَــرَف الأعــلَى تَقَدُّمُــهُ
= فمــا الـذي بِتَـوَقِّي مـا أتَـى نـالُ
إذا المُلــوك تَحَــلَّت كــان حِليَتَـهُ
= مُهنَّــدٌ وأصَــمُّ الكَــعبِ عَسَّــالُ
أبُــو شُـجاعٍ أبُـو الشُـجعانِ قاطِبـةً
= هَــولٌ نَمَتـهُ مـنَ الهَيجـاءِ أهـوالُ
تَملَّــكَ الحَــمدَ حَـتى مـا لِمفُتَخِـرٍ
= فــي الحَـمدِ حـاءٌ ولا مِيـمٌ ولا دالُ
عليــهِ منــهُ سَــرابِيل مُضاعَفـة
= وقــد كَفــاهُ مـنَ المـاذِيِّ سِـربالُ
وكَـيفَ أسـتُرُ مـا أولَيـتَ مِـن حسنٍ
= وقــد غَمَــرتَ نَـوالاً أيُّهـا النـالُ
لَطَّفـت رَأيَـكَ فـي بِـرّي وتَكـرِمتي
= إن الكَــرِيمَ عــلى العَليـاءِ يَحتـالُ
حّــتى غَــدَوت وُللأخبـار تجـوالُ
= وللكَــواكِب فــي كــفَيكَ آمــال
وقــد أطــالَ ثنـائِي طـول لابسـه
= إن الثَنــاء عــلى التنبــالِ تِنبـالُ
إن كـنت تَكـبرُ أن تخّتـال فـي بَشَـر
= فــإن قَــدرَكَ فـي الأقـدارِ يَختـالُ
كــأن نَفســك لاتَرضـاك صاحبَهـا
= إِلاوأَنــتَ عـلى الفِضـال مِفضـالُ
ولاتَعـــدكَ صَوَّانـــا لِمُهجَتِهــا
= إِلاوأنــتَ لهــا فـي الـرَوع بـذالُ
لــولا المشــقةُ سـادَ النـاسُ كُـلَهم
= الجـــودُ يُفقِــر والإقــدامُ قَتَّــالُ
وإنمــا يَبلُــغُ الإنســانُ طاقَتَــهُ
= مــاكُــل ماشِـيةٍ بِـالرّحلِ شِـملالُ
إنــا لَفِـي زَمَـنٍ تَـركُ القَبِيـحِ بـهِ
= مِـن أكـثَرِ النـاس إِحسـانٌ وإجمـالُ
ذِكـرُ الفَتَـى عُمـرُه الثـاني وحاجَتُـهُ
= مــاقاتَــهُ وفُضُـولُ العَيشِ أشـغالُ
مما راق لي ~