شبكة الدراما والمسرح الكويتية الخليجية > القاعات العامة والإدارية > قاعة الأدب والكتب ( القاعة الثقافية ) > وديع سعادة المثابر على غنائية قصيدة النثر
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 29-08-2010, 04:20 PM   #1 (permalink)
خبيرة في التنمية البشرية
 
 العــضوية: 5529
تاريخ التسجيل: 17/09/2009
المشاركات: 3,872
الـجــنــس: أنثى

افتراضي وديع سعادة المثابر على غنائية قصيدة النثر


وديع سعادة المثابر على غنائية قصيدة النثر




عابد إسماعيل





يملك الشاعر اللبناني وديع سعادة حضوراً فريداً في المشهد الشعري العربي الراهن، وهو كان له أثره في أجيال شعراء قصيدة النثر الذين أعقبوه. هذا الشاعر الذي صدرت أخيراً أعماله الكاملة عن «دار النهضة العربية» صدرت له حديثاً مختارات من شعره عن «دار سندباد» في باريس بعنوان «نص الغياب» وقد ترجمها الى الفرنسية الكاتب انطوان جوكي، ووضع الشاعر صلاح ستيتية مقدمة لها. هنا قراءة في ظاهرة وديع سعادة الشعرية.



ثابر الشاعر اللبناني وديع سعادة، على مدى أربعين عاماً، في نحت قصيدة لا تراهن إلاّ على المتعة الجمالية، شكلاً ومضموناً، ومباغتة القارئ بغنائية تعبيرية أخّاذة هي مزيج من بلاغة رومنطيقية متأخّرة، وسلاسة سردية حديثة، تأخذ القارئ على حين غرة، وتغويه حتى الصميم.
في قصائد وديع سعادة نزوعٌ إلى الجملة الصّافية، الزّجاجية، التي تتخفّف من المعنى، لمصلحة الدلالة المتحركة، التي تصوّر طقساً، وليس مفهوماً. نزوعٌ الى اصطياد الوهم أو ظلّه، الحلم أو أثره، عبر لغة حلمية، طيفية، تسعى من خلال الإشارة والتلميح والإيماء، إلى إعادة ما انقطع وتبعثر من حياة، وترتيب تفاصيل سيرة أصابها ما أصابها من حتّ وتعرية، وتناقضات شتى، تركت ندوباً في وعيه وتجربته، لكنها لم تفسد قط عبارته الشعرية، التي ظلّت تشفّ وتزدادُ صفاء، في دفاع صريح عن رفعة المجاز، والنأي باللغة عن التنميط والتكرار. هذا ما يخرج به القارئ من انطباع خلال تجواله في أعمال سعادة الشعرية، التي صدرت في طبعة أنيقة، عن دار النهضة في بيروت، من دون أن يرفقها الشاعر بصفة «كاملة» المألوفة، لأنه لا يريد لقصيدته أن تنتهي، أو لمسيرته الشعرية أن تكتمل. وقد وجد جمهور دمشق فرصة أولى للاستماع إلى قصائد الشاعر خلال الأمسية التي أقامتها مكتبة إيتانا، في قلب مدينة دمشق. وديع سعادة شغوف برأب الصدوع، ولملمة المبعثر والمنسي، كما تكشف دواوينه العشرة، الواحد تلو الآخر. في ديوانه الأخير «تركيب آخر لحياة وديع سعادة»، (2006)، يُطلقُ المتكلّم وعداً بإعادة صوغ حياته، بعد أن يفكّكها إلى عناصرها الأولى: «قالَ سيعيدُ تركيبَ حياتِهِ كي تُشْبهَ النسيمَ / وتتناسب مع الأشكال والأحجام كلها…/ رمى جسداً وقمصاناً/ كرَّ خيطانَ نفسِه/ وبكَّلَ حياتَه بِزِرّ ريحٍ …/». زرّ الرّيح هذا يدلّ على ذات منشطرة على نفسها، يحاول الشاعر تفكيكَ خيوطِها، وإعادةَ تدوينِ تاريخِها، ورسمَ هويتِها من جديد، سعياً لملامسة طيف المثال الأعلى، أو التشبّه، رمزياً، بالنسيم. لكن الأنا سرعان ما تقع فريسةً للآني والعابر، وتضيّعُ طرفَ الخيط، لتَضُلّ طريقَها، غير قادرة على إعادةِ حياكةِ ما فكّكته للتوّ. من هذا الضلال، الجبراني تارةً، البورخيسي، تارةً أخرى، يبدأ الشاعر رحلة البحث عن ذاته، في دواوينه التي استهلّها بديوان «ليس للمساء أخوة” والذي كان قد وزّعه عام 1973، مكتوباً بخطّ يده، ثم أعاد طباعته، للمرة الأولى، عام (1981)، وفيه نلمسُ رغبة مبكّرة في استنطاق كينونة متحرّكة لا تلبثُ أن تعبر من هباء إلى هباء: «سأذهب إلى الغابة أقعدُ مع الحطابين/ وبفأس دهشتهم/ أقطع أحلامي وألقيها في النار». إن تقطيع الأحلام وإلقاءها في النار ليس سوى حلقة من فلسفة شعرية بدأت تتبلور مبكراً لدى سعادة، وتعكس رغبة دائمة في السفر والتجاوز والعبور. ويبدو أنّ وجود الأنا، لديه، في معظم دواوينه اللاحقة، ظلّ مشروطاً بفلسفة العبور تلك، ليس شغفاً بالغياب كمستقبل حتمي للأنا، بل للإصغاء إليه كموسيقى صامتة، ترافق العابر في حضوره الآني في العالم، كما هو الحال في ديوانه «بسبب غيمة على الأرجح» (1992)، القائم على أصداء سيرة ذاتية، لا تكفّ عن الهروب والتواري: «لمسَ باب البيت ورحل/ تاركاً زهرةً في فتحة القفل/ وفوق السطح غيمة، من نظراته». ويبرز العبور في ديوانه «محاولة وصل ضفّتين بصوت» (1997)، وكذلك في «نصّ الغياب» (1999)، هاجساً شعرياً وفلسفياً، يتجلّى بأشكال وصيغ مختلفة، يدلّ على التبدّل والتحوّل في رصد سيرة الكائن في العالم: «الذين ألفناهم شجراً باسقاً/ صاروا قشّاً حين حزنوا/ ونزلت العصافير/ ورفعتهم بمناقيدها». والعبور، في شعر سعادة، ثيمة مركزية تمثّلُ رؤيا عدمية صوفية، على السواء، تقوم على وعي آنية الأنا في الوجود، وحضورها السرابي، كغيمة على الأرجح، إذ كلّما تشرّدت، اقتربت أكثر من جوهر كينونتها، وعانقت، ربّما، عدمَها المطلق.
في دواوينه الثلاثة الأخيرة: «غبار» (2000)، و «رتق الهواء» (2005)، و «تركيب آخر لحياة وديع سعادة» (2006)، يصل التجريدُ الشّعري أقصاه، على رغم تجذّره في المحسوس والمرئي، وارتكازه على مكونات الطبيعة، وهنا تبرز استفادة سعادة من تقنيات السرد والمناجاة والابتهال، من أجل خلق وهم الحركة باتجاه نقطة ما، ولكن مع تغييب مقصود للحبكة، والشّخوص، والأمكنة، والتركيز أكثر على تظهير الهوّة بين الواقعيّ والمتخيّل، بين السيرةِ ووهمِها، والعودة، مرة بعد أخرى، إلى هاجس العبور في الزّمان والمكان: «لا المنادي ينادي ولا المُنادى يُصغي/ إنّها الرّيح/ تتحدّثُ مع عبورها/ ويرمي كلاماً في الرّيح/ لا كي يقول شيئاً بل/ كي تتفكّك مفاصل الكلمات/ وتندثر». وسعادة لا يُخفي قلقَه الوجودي الذي يقف خلف قلقه الشعري، بعدما ترك وطنه لبنان، عام 1988، مهاجراً إلى استراليا، حاملاً معه ذاكرة مثقلة بالمآسي والحروب. وواضح أن لغتَه تعكس تقلّبات روحِهِ القلقة، الضالّة، الضائعة، ما يجعل أسلوبَه عصياً على المسلّمات النقدية، غير قابل للقولبة والتعريف والشّرح.
هذا الأسلوب، في غرابته وأصالته، يقوم حقاً على غواية جمالية عالية، تجذبنا إليها بما تختزنه من طاقة على الانزياح والتشظّي. أسلوبٌ شفّافٌ، صافٍ، يخفي قدرة فريدة على التخفّي، بسبب الخفّة الفائقة التي تتحرّر فيها دلالاته من مدلولاتها، وتعبر كظلال، لا تترك أثراً سوى وميض اختفائها. في هذا التلاشي، تنمو الحالة الشعرية لسعادة، وتتحركُ طليقةً، خارج المستوى الدلالي والنحوي للكلمات، بخاصة أنّ الشاعر يهجر المعاني، عن عمد، ويتركها تتضوّر وحيدةً في عذابِ شكّها. هل نسمّي سعادة، إذاً، شاعر «الأثر»، الذي يحاولُ تدوين الغياب، والإصغاء ملياً لرجعِ الصّدى، واستعادة الكينونة بالكلمات؟


http://international.daralhayat.com/...article/176321

 

 

__________________

 


لم يكتشف الطغاة بعد سلاسل تكبل العقول... اللورد توماس

نوره عبدالرحمن "سما" غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المثابر, النثر, سعادة, على, غنائية, وديع, قصيدة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
وديع الصافي.. عنك أنا ما أسلا نوره عبدالرحمن "سما" الـقاعـة الـكـبرى ( الفن والإعلام ) 0 17-08-2010 04:44 PM
دراسة نقدية تحليلية في المعنى الشعري لنص قصيدة النثر حدثتني نافذتي للشاعرة القديرة انتصار دوليب نوره عبدالرحمن "سما" قاعة الأدب والكتب ( القاعة الثقافية ) 0 13-08-2010 01:32 PM
محمد الماغوط رائد قصيدة النثر ومبدعها الكبير نوره عبدالرحمن "سما" قاعة الأدب والكتب ( القاعة الثقافية ) 0 13-08-2010 01:28 PM
اشتراطات قصيدة النثر.. أسئلة كثيرة بلا أجوبة بأمسية هافانا نوره عبدالرحمن "سما" قاعة الأدب والكتب ( القاعة الثقافية ) 0 26-07-2010 03:31 PM
وديع الصافي ونجوى كرم ووائل كفوري يفتتحون مهرجانات بيبلوس اللبنانية الأنين الـقاعـة الـكـبرى ( الفن والإعلام ) 2 03-07-2010 09:06 PM


الساعة الآن 07:34 PM


طلب تنشيط العضوية - هل نسيت كلمة المرور؟
الآراء والمشاركات المدونة بالشبكة تمثل وجهة نظر صاحبها
7 9 244 247 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 289 290 291 292