وهدأت عاصفة القصص والوجوه التمثيلية التي زحفت إلى شاشاتنا في ليالي الشهر الفضيل
الدراما الخليجية لرمضان 2010 في غربال النقاد
مع انتهاء موسم رمضان الدرامي، وعرض عدد هائل من المسلسلات التي حاز البعض منها على استحسان فئة من الجمهور في حين لم تستسغ فئة أخرى جرأة الطرح والمواضيع الغريبة عن البيئة الخليجية المحافظة، وبعد هدوء عاصفة الدراما الشعواء التي هبّت على فضائياتنا العربية مقتلعة جذور البرامج التي كانت تعرض قبل رمضان لتتربع مكانها في مواعيد العرض الأساسية أو ما يعرف بال big time، «الراي» قامت باستطلاع آراء أربعة من الروّاد في مجال الكتابة الدرامية والاخراج في الكويت، لمعرفة ما سيطلقونه من أحكام حول ما تم عرضه ومعرفة السلبيات التي طرحت في الاعمال.
أعمال تجارية
بداية كان لنا حديث مع الدكتور خالد عبداللطيف رمضان الذي قال: لأكون اميناً في ما أقول، سأتكلم عن الموضوع بانطباع عام لاني لم اتابع المسلسلات كاملة، والسبب ليس ضيق الوقت، بل لانه لم يتواجد أي عمل تمكّن من جذبي نحوه بتاتاً. وطبعاً هذا الامر يعود لسببين رئيسيين. الأول كون أغلب الاعمال الدرامية التي قدّمت هذا الموسم لم ترتق ِ الى مستوى عالم الدراما الحقيقي اطلاقاً ولا تمت للقيم الفنية بصلة ولا لجودة العمل الفني، اذ قدّمت لتكون أعمالاً تجارية تحقق مكاسب مادية.
أما السبب الثاني فيرجع الى أن غالبية المسلسلات كانت مستفزة للمشاهد من ناحية القصة التي تعرضها، والمواضيع والقضايا التي تطرحها.
واستطرد قائلاً: لأكون منصفاً حول ما تم طرحه، فإن هذه الموضوعات من المحتمل أن تكون موجودة فعلاً في أي مجتمع كان، لكنها تندرج تحت مسمى «الظواهر الشاذة» التي ليس من المفترض ان تناقش وتطرح على الشاشة لتعمم على هذا النحو ومنها على سبيل المثال مشاهد الغزل الـ ««over» والعلاقات المحرّمة بين الاهل وطمع الأقرباء ببعضهم البعض.
وأضاف: معظم من يشاهدون هذه الأعمال هم من شريحة الأطفال. فتخيل مع تكرار هذه المواضيع وطرحها بهذا الشكل، لا ريب أنها سترسخ بأذهانهم عندما يكبرون، وستتحول الى سلوكيات عادية يمارسونها في حياتهم اليومية جرّاء تشبّعهم بما شاهدوه في صغرهم. فجلّ ما أريد قوله انني لست ضد طرح فكرة معينة من هذا النوع لكن بأسلوب آخر، مثل التلميح مثلاً لعشق فلان لفلانة دون الولوج في التفاصيل التي لا داعي منها سوى لتدمير عقول المشاهدين.
وعن اهم السلبيات التي شهدتها الدراما في هذا الموسم قال: معظم الاعمال هذا الموسم كرّست مواضيعها حول القيم الاجتماعية السلبية المتمثلة بالعلاقات المحرّمة وعقوق الوالدين وما الى ذلك. حيث انه من المفترض ان يحصل العكس ويتم تكثيف الضوء على القيم الاجتماعية الايجابية. ومن وجهة نظري انصح كل من يفكر في خوض غمار الأعمال الدرامية من الكتاب أن يعتبروا السلوكيات الشاذة مجرد ظواهر لا يجب تعميمها على المجتمع، لأن في ذلك خطورة كبيرة. كوننا يجب ان نكون رقباء على أنفسنا دوماً لبناء مجتمعنا لا لهدمه.
عناوين مزيّفة
وتبعه في الحديث الدكتور فهد السليم فقال: لم اتابع كل الأعمال الدرامية هذا الموسم نظراً لكثرتها، لكني حرصت على مشاهدة البعض منها، وسماع أصداء نجاح أو فشل البعض الاخر عن لسان أشخاص ذوي باع طويل في الفن وبناءً عليه يمكنني الحكم ان الدراما هذا الموسم لم تكن بالمستوى المرجو اطلاقاً، مقارنة بما كانت عليه في السنوات الماضية. وكلامي هذا لا يعني أن الاعمال كلها لم تكن جيدة، بل على العكس فهناك أعمال جيدة يستحق القائمون عليها ثناءً على ما قدموه، وأخرى دون المستوى.
وأضاف:على وجه العموم أرى ان معظم الاعمال تراجع مستواها عن السنوات الماضية، وشريحة كبيرة من المشاهدين مستاءة من الطرح الذي قدمته تلك الاعمال بما لا يتناسب مع مجتمعنا الكويتي وعاداتنا وتقاليدنا الاسلامية.
واستطرد قائلاً: كوني متخصصا في عالم الاخراج لن أخوض في غمار النص الدرامي فهو ليس مجالي، بل سأتناول الأعمال من منظور الاخراج، ويمكنني القول والاشادة بعين كلٍّ من محمد دحام الشمري وجمعان الرويعي، لما قدماه من رؤية اخراجية بصرية رائعة.
وعن السلبيات التي ظهرت في الدراما قال: اتفق على أن الأعمال التي عرضت تطرقت بغالبيتها الى جوانب اجتماعية لا تتطابق مع عاداتنا الكويتية والخليجية. ونصيحتي للجهات المنتجة أن تبحث جيداً عن المؤلف الذي يطرح في نصه قضايا ذات اهمية وينقلها بكل أمانة ومصداقية مع التركيز على اهم نقاطها ومحاولة معالجتها، لترسخ في أذهان شبابنا، خصوصاً تلك الاعمال التاريخية التي شابها الكثير من الأخطاء الكبيرة الفادحة.
واستكمل: بعض المسلسلات خدعتني، اذ جذبني عنوانها الرائع، لكن ما ان شاهدتها حتى صدمت بالواقع المرير الذي تقدمه وتطرحه بما لا يمت الى العنوان بصلة.
مجتمع نقي
أما الكاتبة عواطف البدر فقالت بدورها: حرصت خلال هذا الموسم على متابعة الاعمال التي تستحق المشاهدة والتي تحوي مضموناً وفكرة كال«المنقسي» و«اخوان مريم» و« بنات آدم» و«تصانيف» و«آخر الملوك».
أما بقية الاعمال فمررت عليها مرور الكرام لأكوّن فكرة واضحة عما تقدمه وتطرحه للجمهور. وفي الخلاصة توصلت لأمر واحد ألا وهو أن الدراما الرمضانية في العام السابق كانت أفضل ما شاهدناه هذا العام من حيث الفكرة وطريقة الطرح والمعالجة.
واستطردت: فكل الاعمال باتت تتمحور على فكرة واحدة وتكرر نفسها من حيث الطرح، وهذا لا يعني أنها كانت كلها على المستوى نفسه، بل تفاوتت من حيث جودتها، وأنا لا أقول بأنها غير جيدة على الاطلاق.
واستكملت: هذا العام تجاوزت الدراما الكثير من الحدود الأخلاقية والسلوكية والاجتماعية التي من شأنها أن تؤثر على عقلية الاطفال الذين يتابعون ما يعرض، خصوصاً مع غياب رقابة الاهل في غالب الأحيان.
وتابعت بالقول: فليس من المعقول ان يكون ما طرح هو حال الأسرة الكويتية!!! وأنا لا أقول اننا مجتمع خال من الشوائب، لكننا في الوقت نفسه لسنا بتلك الصورة التي أظهرتنا بها الدراما.
بشائر جيّدة
أما الكاتب هيثم بودي فعبّر عن وجهة نظره بالقول: ما شاهدته يبشر بالخير، فمعظم من كتبوا نصوصاً درامية هذا الموسم هم من جيل الشباب، وذلك يعني ان المجتمع ما زال حيّاً يفرز لنا كتّاباً جددا يثرون الحركة الدرامية كل عام بأفكارهم الناضجة. ومن وجهة نظري فان هذا التراكم الكمّي من الكتّاب سيؤدي الى تراكم نوعي أكثر جودة.
وأضاف: بالنسبة لما عرض هذا الموسم لا يمكن الحكم عليه الآن، كون التجارب صيغت بانامل شابة ما زالت في طور النشء وتحتاج لكثير من الخبرة في الحياة والكتابة، لذا من المفترض ألا نقسو عليها كثيراً.
واستطرد: نصحيتي التي أوجهها لهم استخلصتها مما شاهدت، وهي ألا يلهثوا خلف الاثارة والتشويق في ما يكتبون من احداث، متناسين الرسالة الدرامية والقصصية التي من شأنها ان تنمي الحكمة وتفتح آفاق التأمل في بواطن المشاهد. لذا يجب عليهم التحكم بقلمهم كي لا يطغى هذا التشويق والاثارة على الرسالة الحقيقية للقصة.
واستكمل مشيراً الى سلبيات الأعمال فقال: وبالنسبة لما تم عرضه هذا الموسم فغالبية الاعمال اتسمت بالطابع الاجتماعي التحليلي، وأنا شخصياً لا أحبذ ذلك، كون المشاهد بحاجة الى رفع القيم الانسانية وتهذيبها من الداخل، وليس بحاجة لعالم اجتماع يمارس عليه فلسفة تفسير المشاكل الاجتماعية واضرام نيرانها في أعماق نفسه، لأننا كلنا كبشر دون استثناء نعيش تلك المشاكل على اختلافها في حياتنا اليومية ونعرف كيفية حلّها دون الحاجة الى الدراما كي توضحها لنا علناً.
وأضاف: نستخلص أن المشاهد لا يحتاج لمن يحذّره من الخطأ والخطيئة بل لمن يوقظ ضميره الانساني ويغسل عروقه بمياه نظيفة، ويحتاج لمحراث يزرع في القلب لا لمكنسة تثير الغبار والاختناق مما يراه.
وأردف: ومن السلبيات الأخرى أيضاً التي لمستها أن كل المسلسلات ختمت الثلاثين حلقة، وهذا ما أراه مربكاً للكاتب في ربط الخيوط ببعضها البعض ويفوق طاقة احتماله، والكثير من الكتّاب وقعوا في تلك المصيدة هذا الموسم.
والانسب لهم أن يصلوا الى الحلقة 23 كحد أقصى لينهوا احداث العمل، وهذا الأمر يفعله كبار صنّاع الدراما في العالم مثل ما شاهدناه في مسلسلي «لوست» و«فريندز».