نحو ألق ثقافي / سعد الفرج ... والكلمات الصعبة نحو ألق ثقافي / سعد الفرج ... والكلمات الصعبة
بقلم | د. علي العنزي | منذ أول عمل رأيته وأنا يافع للعملاق سعد الفرج، وجدتني أنشد الى عالمه الفني، ثم لا اتركه بعدئذ أبدا، وأجزم بأنني تابعت بشغف واهتمام معظم ما أداه من أعمال مسرحية وتلفزيونية. ولا أكون صادقاً ان قلت إني كتبت هذه الكلمات بسهولة، فأنا أحترم كل الكبار، وأقدر الأهرامات الفنية، التي شيدت اسمها على مدى أكثر من أربعين سنة، حيث كانوا ومازالوا علامة بارزة من علامات الفن الكويتي المعاصر. لقد كان ومازال النقاد الكويتيون خاصة والعرب عامة، يرفعون القبعة دوماً اجلالاً للفنان الكبير سعد الفرج بشكل خاص، لأسباب عديدة، أهمها أصالته، وعمله الدؤوب باخلاص، بعيدا عن الضوضاء والضجة والأضواء.
كان الفرج ومازال نموذجاً لاطاعة الفنان الجاد للرفيع من فنه، لاسيما باعراضه عن الكثير من المغريات - في بلد يمتلئ به - التي طحنت برحاها تاريخ الكثير من الفنانين الآخرين، وضلت بهم الطريق عن جادة الصواب، حتى تحطمت مراكبهم الفنية، وغاب عنهم الطريق الصحيح للفن المستنير.
وبالرغم من أن الفرج كان انتقائياً في أعماله، فانه قد ترك الكثير من الآثار الفنية؛ ويعتبر عصره، عصر الكويت الذهبي على كل الأصعدة، وهو عصر الالتصاق بين الأدب والفنون الكويتية من جهة، والانسان الكويتي من جهة أخرى.
لقد ظل سعد الفرج لفترة طويلة، راضياً بالعمل الطويل الهادئ، في الوقت الذي كان أولاده من الفنانين الأقل مكانة منه، غير قانعين بما يدره عليهه فنهم، رغم أنهم يأكلون «الأخضر واليابس» على كل الصعد!
والى جانب عمقه، كان الفرج يمثل بالنسبة لنا الى جانب مجموعة من عدد من الفنانين الكويتيين الجادين، نموذج الفنان الذي يمتاز بقدر من التماسك والصلابة، ويربط سلوكه - في حدود الامكانيات بالطبع - بالقيم الوطنية التي يدافع عنها في أعماله المسرحية؛ وكان بالفعل من ذلك النوع من الفنانين، الذين يتحملون الاهمال الاعلامي من دون تذمر، ويتحملون الشهرة، من دون أن تجرفهم غوايتها، ولم يذكر أبداً خلال رحلته الفنية المديدة، أنه خان رؤيته، منجرفاً الى التهريج.
وحقيقة... وحتى وان كان مرد الأمر شوق الفنان للخشبة أو الاستديوهات، فانه لا يمكن التماس أي عذر للفنان الأصيل، اذا أبدى أي هشاشة على مستوى الالتزام بما يتوجب على الفن أن يبشر به، أو قدم ما يتناقض مع تاريخه، أو ينجرف وراء السائد من الأعمال، التي لا تتفق مع مكانته، ومع قيمه وأفكاره ومستواه... ولم يكن الفرج من ضمن هؤلاء خلال العقد الماضي بلا أدنى شك!
ولكن... خصوصاً في السنة الأخيرة... بكل صراحة... أحسست بصدمة حقيقية حين بدأت أسمع بعض الهمسات في الكواليس والأروقة الأدبية والفنية الملتزمة، وكانت تساؤلات مستحقة، حول كيفية موافقة فنان بحجم الفرج، على المشاركة في مسلسل ومسرحية، لا يتواءمان مع تاريخه بالقدر المطلوب، بل ومن منظور نقدي، من الممكن، اعتبارها جزءا من سلسلة من الأعمال الدارجة، التي تعد مسؤولة عن تقهقر الريادة الكويتية؟!
وبصرف النظر عما كتب على صدر صفحاتنا جرائدنا من اشادات لا تمت للنقد الحقيقي بصلة، فقد شعرت وأنا أتابع الفرج في عمليه المسرحي والتلفزيوني الأخيرين، بأن الصورة المضيئة تتقوض، فسنوات الاحترام الطويلة، تجعل من الصعب على الانسان أن يصدق بسهولة ما تراه عيناه.
ونتمنى نحن العاشقون لفن الفرج، ألا تتعرض أعماله الأخيرة للتشويه، أو أن يتفرغ فنه من محتواه، اذ لا نرضى ابداً - ونحن من عشقنا فنه وشخصه - تقديم أي تنازلات.
|