20-07-2010, 10:37 PM | #1 (permalink) |
خبيرة في التنمية البشرية العــضوية: 5529 تاريخ التسجيل: 17/09/2009
المشاركات: 3,872
الـجــنــس: أنثى | المسرحية ..نشأتها و تاريخها و أصولها المسرحية نشأتها وتاريخها وأصولها تأليف عمر الدسوقي أستاذ الأدب، ورئيس قسم الدراسات الأدبية بكلية دار العلوم – جامعة القاهرة الطبعة الخامسة دار الفكر العربي طبعاً البحث كبير وشامل ويقع حوالي في 450 صفحة سأقوم بتلخيص فقط النقاط التي تهم شهرنا (( المسرح العربي)) ولكن لا بد أولاً من ذكر المسرح الإغريقي لنعرف كيف نشأ المسرح وكيف تم تطويره عبر العصور.. نشأة المسرحية وتاريخها 1- في الأدب الغربي : أقدم المسرحيات التي عرفها الأدب الغربي هي المسرحيات الإغريقية، وكان لنشأتها في بلاد اليونان علاقة بعقائدهم (حيث كانوا يؤمنون بتعدد الآلهة). وكان من آلهتهم التي قدسوها "ديونيسوس" أو (باخوس) إله النماء والخصب وبخاصة العنب والخمر، وقد اعتادوا أن يقيموا له حفلين أحدهما في أوائل الشتاء، بعد جني العنب وعصر الخمور، ويغلب عليه المرح وتنشد فيه الأناشيد الدينية، وتعقد حلقات الرقص، وتنطلق فيه الأغاني، ومن هذا النوع المرح نشأت الملهاة (الكوميديا)، والحفل الثاني في أوائل الربيع حيث تكون الكروم قد جفت وتجهمت الطبيعة، وهو حفل حزين ومنه نشأت المأساة (التراجيديا) وكان التمثيل اول الأمر لا يعدو بعض الرقص والأناشيد الجمعية، والأغاني التي تعبر عن حزنهم لغياب الآله والابتهال إليه أن يعود ثانية، ثم مثل شخص ديونيسوس فكانت الجوقة تشير إليه وهو على مسرح مرتفع، ثم أدخل الحوار بينه وبين الجوقة، ثم مثلت شخصيات أخرى يرد ذكرها في الأغاني والأناشيد. وكان الممثلون يظهرون على نشز وسط قومهم على هيئة البشر في نصفهم الأعلى وصور الماعز في نصفهم الأسفل، ومن هنا اشتقت لفظة (تراجيدي) أي المأساة وهي مركبة من كلمة (أغنية) وكلمة (الجدي) تركيباً مزجياً. وأخيراً وضع "أسخيلوس" 525 – 456 ق.م أول مسرحية شعرية وهي الضارعات سنة 490 ق.م ، وكان فيها ممثلان رئيسيان بجانب الفرقة، ثم توالى نتاجه المسرحي إلى أن ظهر "سوفوكليس" الشاعر اليوناني الكبير 495 – 416 ق.م ، وأضاف ممثلاً ثالثاً إلى الممثلين اللذين أدخلهما أسخيلوس وقوى جانب التمثيل على جانب الغناء، وقد أدى هذا إلى تقدم سريع في الحوار المسرحي بدل ترانيم الجوقة، وأتاح فرصاً أكبر للتباين بين الأشخاص، وسمح بألوان متنوعة من الحوادث، وفوق كل شيء فقد حمل الذين يكتبون للمسرح على مزيد من العناية بالفن المسرحي. ويعتبر اليونان أول من اهتم بالمسرح، ووضع له نظاماً خاصاً، وعنهم أخذ العالم هذا الفن. وكما أن المسرح ابتدأ عند اليونان من اصل ديني فكذلك ابتدأ لدى الانجليز. ولما كانت جمهرة الشعب حينذاك أمية لا تقرأ، فكر رجال الكنيسة في تقريب قصص التوراة لأذهانهم بوضعها في صور تمثيلية، وهنا يبتدأ ما يسمى في تاريخ الأدب (بتمثيل المعجزات) (مثل قتل هابيل ومولد المسيح وصلبه، وإقدام إبراهيم على ذبح والده وطوفان نوح ويوم الحساب وأنباء القديسيين المسيحيين..الخ) وكان ذلك في نهاية القرن الثاني عشر وأوائل الثالث عشر. ثم أدخل على موضوع هذه المسرحيات الدينية شيء من الأخلاق كالعدل والسلام والصدق والكذب، وأخيراً استقلت المسرحية (الخلقية) عن مسرحية المعجزة حينما استطاع الناس أن يقرءوا التوراة بأنفسهم، ولم يعودوا في حاجة إلى تمثيل قصصها لهم. وكانت المسرحية الخلقية درساً في الأخلاق يعطى على أيدي ممثلين قولا وعملا، وهؤلاء يمثلون أشياء معنوية كالخطيئة والعدل والصدق والكذب والذكاء والغباوة. واستمرت المسرحية الخلقية حتى أوائل القرن السابع عشر، ثم أخذ الناس يملون النصائح والمواعظ الخلقية، ويطلبون معالجة مشكلات الحياة ورؤية شخصيات مألوفة. وقد نشأ في القرن السادس عشر نوع جديد من المسرحيات، كان يمثل في حفلات الطبقات العليا ومآدبها ليملئوا به الفراغ بين مرحلتين من مراحل الحفل لتسلية الحاضرين وإدخال المسرة على قلوبهم وكان يسمى (رواية الفترة). وهي مسرحية قصيرة مليئة بأسباب المرح. وأنشى أول مسرح حقيقي مستقل بذاته عام 1576 على مقربة من لندن، ونهض المسرح الإنجليزي بعد ذلك نهضته العظيمة على يد شكسبير ( 1564 – 1616 م ). 2- في الأدب العربي: أشار هيرودوت المؤرخ الإغريقي إلى قيام كهنة مصر الفرعونية بطقوس دينية في شبه عرض تمثيلي يستمد قصصه من بحث إيزيس عن أوزوريس، بيد أنه لم يذكر لنا أدلة أو يسوق شاهداً أو نصاً، وظل أمر المسرح الفرعوني غامضاً حتى أتى الكشف الحديث الذي قام به (كونتز) في سنة 1932، و (كورت) عام 1938، وسليم حسن سنة 1937، فبين لنا أن ثمة نصوصاً تمثيلية قديمة بعضها يقع في اربعين مشهداً كتلك التي اكتشفها كورت. وتدور حوادثها حول إيزيس وأوزوريس وابنهما حورس وعدوهم ست إله الظلام، وقد ظلت تمثل إلى زمن هيرودوت أي إلى القرن الخامس قبل الميلاد ولم تكن قصة ساذجة بل كانت كبيرة المغزى، وكنا رجال الدين يقومون بالتمثيل. (هي نفس الأسطورة التي نسج حولها توفيق الحكيم مسرحيته إيزيسوس وسأقوم بعرضها إن شاء الله ..) وقد ذكر هيردوت أن الإغريق قد أخذوا فن المسرحية عن الفراعنة وإن لم يتطور عندهم ويخرج عن النطاق الديني. وهناك سمات متشابهة بينهما فأوزوريس الإله المصري القديم ودنيسوس يرمز كل منهما إلى الخصب والنماء. لم يقف المسرح المصري القديم على عتبة المعبد بل خرج إلى الشعب، وكان يقوم بالتمثيل فرق متجولة ويدخله بعض الرقص والغناء ثم قضى على هذا المسرح المصري وانمحت معالمه في مصر اليونانية والرومانية، ولا سيما بعد ظهور المسيحية لاتصاله الوثيق بالوثنية. ولما دخل العرب مصر، واعتنق أهلها الإسلام، وتعلموا العربية، صار الأدب العربي أدباً لهم، وإذا بحثنا في الأدب العربي وجدنا كثيراً من أصول الأدب المسرحي، بيد أنها لم تتم وتتطور كما تمت عند الأمم الأخرى. وقد كان الشيعة يمثلون مقتل الحسين في قصة تبتدئ بخروجه من المدينة إلى أن قتل في كربلاء، وكانت القصة تمثل في ساحة واسعة ضربت فيها الخيام واتشحت بالسواد، ويقوم شيخ يثير شجون الناس بذكر ما لاقاه الحسين وآله في نغم حزين يهيج العواطف ويستدر الدموع، ويطوف على الناس بقطعة من القطن يلتقط فيها دموعهم ثم يقطرها في زجاجة تحفظ للاستشفاء، وينتهي التمثيل بحرق أعشاش في جوانب الساحة التي مثلت فيها القصة، وهذه الأعشاش ترمز إلى كربلاء، ويظهر قبر الحسين عليه السلام مجللا بالسواد. ثم نجد نوعاً آخر من الظواهر التمثيلية في ورايات خيال الظل أيام الأيوبيين والمماليك، وكانت هذه الروايات أول الأمر ملهاة الطبقة العليا من الشعب وأقدم ما وصل إلينا من النصوص التي ورد فيها ذكر خيال الظل ما ذكره المرادي في سلك الدرر للسيد أحمد البيوتي من رجال القرن السادس الهجري: أرى هذا الوجود خيال ظل *** محركه هو الرب الغفور فصندوق اليمين بطون حوا *** وصندوق الشمال هو التبور ومن أشهر من ألف روايات لخيال الظل وابتدع فيه نمطاً جديداً هو ابن دانيال الكحال المتوفى في سنة 710 هـ ، وله رواية اسمها (طيف الخيال) . وكان من اليسير أن يتطور هذا الفن وينمو، ويخرج من خيال الظل إلى المسرح ومن الحوار إلى الحركة لو أن العصر كان عصر قوة ونهضة، ولكن مصر كانت تنحدر كل يوم في مهواة الجهل والفاقة على أيدي المماليك والأتراك إلى أن نزلت في قاع الهاوية. ومهما يكن من أمر فإن المسرحية الحديثة كما عرفتها أوربا لم تدخل مصر إلا بعد عصر النهضة وبعد اتصالها بالأدب الغربي. 3- في الأدب المصري الحديث: لم تبدا العناية بالمسرح إلا في عصر إسماعيل، وكان مغرماً بتقليد الحياة الأوربية، ولا بدع فقد تربى في فرنسا صغيراً فكان كل همه أن يحاكي الحياة الأوربية، ويود لنفسه ورجال حاشيته والطبقة الحاكمة وسائل اللهو والمتعة، ومن أهم ما عنى به المسرح، فافتتح مسرح الكوميدي، عام 1969 لأول عهدد بالحكم حين احتفل بافتتاح قناة السويس، ثم أنشأ مسرح (الأوبرا) في العام نفسه ومثل فيهما جماعة من الممثلين والممثلات الذي أحضرهم من أوربا ، وأول مسرحية مثلت في الأوبرا هي (ريجوليتو) ثم كلف اسماعيل مريت باشا بوضع أوبرا مصرية يستقى حوادثها من التاريخ المصري القديم. فأشرك مريت معه اغيسلانسوني الإيطالي في تأليف (عائدة) ولحن موسيقاها (فردى). وأول من أدخل الفن المسرحي في البلاد العربية هو مارون نقاش اللبناني الذي اقتبسه من إيطاليا حين سافر إليها في سنة 1846 ، وابتدأ تمثيله باللغة العربية الدارجة، وكانت أولى المسرحيات التي قدمها لجمهوره العربي في بيروت هي رواية "البخيل" المعربة عن موليير وذلك في اواخر سنة 1847 ثم قدم روايته الثانية (أبو الحسن المغفل او هارون الرشيد) في سنة 1849 . أما في مصر فأول مسرح عربي أنشيء بها هو ذلك الذي قام به يعقوب بن صنوع. بالقاهرة في يوليو سنة 1876 وقد اقتبسه كذلك من إيطاليا التي درس بها ثلاث سنوات. وكان يجيد عدة لغات مكنته من أن يدرس هذا الفن دراسة متقنة، وقد مثل في خلال سنتين عاشهما مسرحه اثنتين وثلاثين مسرحية ما بين مقتبس من الأدب الغربي صبغه صبغة محلية، وما بين موضوع يعالج مشكلات اجتماعية. وقد شجعه إسماعيل وأثابه على جده في وضع المسرحيات وإخراجها وتمثيلها، وحضر بعض مسرحياته ولقبه بموليير مصر. وكانت فيه جرأة، ورغبة جامحة للإصلاح، فانتقد بعض الأمراء وسخر منهم ومن الأداة الحكومية؛ وندد بظلم إسماعيل وتعسف الحكام في عهده وبخاصة في مسرحية الوطن والحرية مما أثار عليه حفيظة الطبقة الحاكمة وعلى رأسها إسماعيل فأمر بإغلاق مسرحه. ثم وفد إلى مصر من لبنان سليم النقاش في أواخر سنة 1876 ، تصحبه فرقة تمثيل، ومسرحيات عمه مارون نقاش: "البخيل" و "ابو الحسن المغفل" و "السليط الحسود" وترجم "اوبرا عايدة" إلى اللغة العربية محافظا على طابعها الغنائي، واقتبس من الفرنسية هوراس لكورني وميتردات لراسين. وقد شجعه اسماعيل على تكوين فرقته والقيام بالتمثيل وابتدأ عمله في الاسكندرية وهناك دعا إلى صديقه أديب اسحق ليشد أزره، وكان أديب قد ترجم من قبل مسرحية "أندروماك" لراسين، فلما قدم الاسكندرية قدماه لمسرح نقاش، ثم ترجم مسرحية "شارلمان" وقد أعجب بها المصريون كثيرا ثم اشترك مع سليم النقاش في تأليف المسرحيات وتمثيلها بيد أنهما وجدا بعد فترة أن عملهما هذا لا يعود عليهما بربح، وأنهما لم يصادفا من النجاح ما يبشر بمستقبل باسم، فانصرفا إلى الصحافة سوياً، واتصلا بالسيد جمال الدين الأفغاني، تاركين فرقتهما إلى يوسف خياط الذي عمل معه الشيخ سلامة حجازي في مستهل حياته التمثيلية، كما عمل مع سليمان القرداحي الذي استقل بفرقته عن يوسف خياط. ومن الذين عنوا بالمسرح والترجمة له محمد عثمان جلال وكان ينقل من الفرنسية ويضفي على مسرحياته روحاً مصرية خالصة. وكان بحق يسمى أبا المسرحيات الوطنية في العصر الحديث. ومن أوائل المسرحيات التي كتبت شعراً مسرحية (المروءة والوفاء) لخليل اليازجي سنة 1786 وقد مثلت على مسرح بيروت عام 1888 . ثم انتقل المسرح المصري إلى طور جديد بقدوم أحمد أبو خليل القباني وفرقته المسرحية من دمشق إلى مصر في يونية سنة 1884 ، لأن المسرح ظل إلى أن جاء القباني معتمداً في الغالب على المسرحيات الأجنبية المعربة سواء مصرت أو لم تمصر، فلما جاء القباني اتجه نحو التاريخ العربي والاسلامي فوضع مسرحيات: عنترة والأمير محمود نجل شاه العجم، وناكر الجميل، وهارون الرشيد ، وأنس الجليس، ونفح الربى، والشيخ وضاح، وغيرها، وقد امتاز أسلوبه في تلك المسرحيات بأنه كان أرقى لغة وأقرب إلى العربية الفصحى، وقد استعمل السجع والشعر معاً، على أن مسرحياته كانت أوهى حبكة وأضعف سياقا من المسرحيات المعربة. وعلى هذا النمط ألفت عدة مسرحيات في تلك الحقبة، وفي هذه الفترة حاول أحمد شوقي وهو بعد طالب في باريس كتابة المسرحيات مثل مسرحية علي بك الكبير ولكنه لم يظهرها للجمهور في ذلك الوقت، وربما كان من أسباب هذا أنه لم يكن راضياً عنها كل الرضا، أو أن الجمهور لم يكن مستعدا في رأيه لتلقي مثل هذه الرواية تلقيا حسنا، وهي تختلف عن مسرحية علي بك الكبير كما ظهرت فيما بعد بعض الاختلاف.
__________________
|
20-07-2010, 10:40 PM | #2 (permalink) |
خبيرة في التنمية البشرية العــضوية: 5529 تاريخ التسجيل: 17/09/2009
المشاركات: 3,872
الـجــنــس: أنثى | يدخل المسرح المصري في طور ثالث بالانتقال إلى المسرحية الاجتماعية، وقد هييء له المؤلف الجديد، والممثل الممتاز، وذلك حين يأتي الممثل جورج أبيض من باريس سنة 1910 بعد أن درس أصول التمثيل على أساتذة أكفاء، وحين ألف فرح أنطون روايته (مصر الجديدة ومصر القديمة) ومثلها جورج أبيض في سنة 1913، ثم توالت المسرحيات الجيدة التي تتجه صوب المشكلات الاجتماعية. وقد جرى في مضمار فرح أنطون إبراهيم رمزي حيث ألف مسرحيات (الحاكم بأمر الله) و ( البدوية) و (قلب المرأة) ، كما أتيح للمسرح جمهرة صالحة من الممثلين الذين تخرجوا في معاهد باريس أو تتلمذوا على من تخرجوا فيها أمثال عزيز عيد وعبد الرحمن رشدي وقد ترجمت لهذا المسرح الجديد خير المسرحيات الغربية فترجم الشاعر خليل مطران مسرحيات شكسبير الخالدة: عطيل، وماكبث، وهاملت، وتاجر البندقية ترجمة لا بأس بها تخالف تلك الترجمة التي قام بها من قبل اسكندر قلدس وكامل حنين، وإن كان الأخيران قد نقلا كذلك عن شكسبير (الأمير المنفي) و ( الليلة الثانية عشرة) وغيرهما؛ كما ترجمت مسرحيات موليير ترجمة جيدة. وقد أثار فرح أنطون في مقدمة روايته مصر الجديدة مشكلة اللغة التي ينطق بها شخصيات مسرحيته، أتكون اللغة العربية الفصحى مطردة في كل المسرحية؟ أتكون اللغة العامية؟ أو ليس ذلك إحياء لهذه اللغة الدارجة وإضعافاً للفصحى؟ وخرج من المشكلة بأن اختار حلا وسطا فأنطق المتعلمين بالفصحى والطبقة الدنيا بالعامية. وفي رأيي أن هؤلاء الذين أثاروا هذا الموضوع، والذين أدخلوا اللغة العامية في التأليف المسرحي لم يدركوا تماما المراد بالواقعية في اللغة، إذ ليس المقصود أن تدع كل شخصية تنطق بلغتها الخاصة، وإلا تكلم النوبي بلهجته النوبية والصعيدي بلهجته الصعيدية وهكذا. وجاءت المسرحية خليطا غريبا من لهجات شتى وتعذر على الجمهور متابعة الرواية، وإنما المقصود بواقعية اللغة ملاءمتها لشخصيات الرواية، فهي الواقعية النفسية والفعلية والعاطفية، فلا يتحدث أمي بأفكار الفلاسفة مثلا، وأما الواقعية اللفظية فليست بمقصودة في التأليف المسرحي أو التأليف الأدبي الذي لا يخرج عن أن يكون فناً، وكل فن صناعة، وليست الواقعية اللفظية بالتي تعطي الحوار قوة مشاكلته للحياة، وإنما تأتي هذه القوة من الواقعية الانسانية قبل كل شيء. ثم إن اللهجات العامية عديدة، وتتباين في الأقطار العربية، بل في القطر الواحد، ولا يمكن أن يفهم اللهجة العامية الواحدة كل عربي، والعامية بجانب كل هذا لغة ابتذال لا تصلح أبداً لأسمى العواطف وأرقى ألوان التفكير وليس فيها جمال الفصحى ورونقها، ولقد أدرك من سلك هذا السبيل أن أدبهم لن يكتب له الحياة، وأنهم زلوا في طريقهم؛ فلم يفصح محمد عثمان جلال عن اسمه بل رمز إليه، ولما كتب هيكل رواية زينب ونشرها لأول مرة أنكر اسمه ونسبها إلى فلاح مصري، كما أن محمود تيمور عدل عن العامية إلى الفصحى. وقد انتهي هذا الأمر بأن خرجت مدرسة آثرت العامية كل الإيثار فيما قدمته للمسرح وعلى رأسها محمد تيمور ومن أعلامها أحمد خيري سعيد ومحمود تيمور وحسين فوزي. وقد افتتح يوسف وهبي مسرح رمسيس في 10 مارس سنة 1923، وكان مدرسة أخرجت كثيراً من أبطال المسرح والخيالة، وقد قامت بتمثيل ما يقرب من مائتي مسرحية مترجمة عن روائع الأدب الغربي، كما أخرجت مسرحيات مصرية صميمة من قلب الحياة في مصر. وقد عانى مسرح رمسيس الصعاب والعقبات في كفاحه المضني. واستصرخ بأولي الأمر كي ينجدوه ويساعدوه على أداء رسالته، ولكنهم صموا آذانهم عنه، وقبضوا أيديهم عن مساعدته فلم يستطع مواصلة الكفاح. ومن المسرحيات المشهورة التي ظهرت على مسرح رمسيس في سنواته الأولى: (كرسي الاعتراف) و (الاستعباد) و (المجنون) و (غادة الكاميليا). وثمة شخصية أخرى كان لها شأن في المسرحية المصرية المنتزعة من صميم حياة الشعب، تساق في أسلوب تهكمي ساخر لاذع، يظهر عيوب الناس، وأوصاب المجتمع ويضحكهم عليها في مقدرة فنية بارعة، وقدرة فائقة في الإخراج والتمثيل تلك هي شخصية نجيب الريحاني، وكان أبرع من اعتلى منصة المسرح في مصر، وإن كانت لغة مسرحياته عامية، ومعظمها من تأليفه هو وزميله بديع خيري. وقد أنشأت الحكومة المصرية ما سمي بالفرقة القومية، ودعت أقطاب الأدب ليشرفوا عليها من أمثال: أحمد ماهر ومصطفى عبد الرزاق وطه حسين وتوفيق الحكيم وخليل مطران وكان المنتظر أن ينهض هؤلاء بالمسرح ويغذوه بالأدب الرفيع، وفي أسمائهم ضمان لاجتذاب الطبقة المثقفة للمسرح، ولكن يظهر أن جمهرة الشعب هي التي تغلبت في النهاية وآثرت ألواناً معينة من المسرحيات فيها مرح وفكاهة وكثير من التهريج، ثم إن الخيالة قد اجتذبت إليها كبار الممثلين لما فيها من الربح الوافر. ومع هذا فلا يزال هناك فرقة تمثيلية تكافح في سبيل نهضة المسرح، وهناك منذ سنوات معهد للتمثيل تدرس فيه أصوله وقواعده وكان يشرف عليه الأستاذ زكي ظليمات، وصلته بالمسرح قديمة، وله به خبرة واسعة وقد ألف أخيراً (فرقة المسرح الحديث). وقبل أن أترك الكلام عن المسرحية النثرية يجدر بي أن أخص أديبا خدم المسرح المصري أجل خدمة، وارتفع بنتاجه الأدبي عن كل من سبقه في التأليف المسرحي المنثور، ذلك هو توفيق الحكيم. وقد أرم بالمسرح وهو طالب في المدارس الثانوية وفي الحقوق، وإن كان قد بدأ محاولاته الأدبية بقرض الشعر. غير أن النهضة المسرحية التي قامت في مصر عقب ثورة سنة 1919 جذبت إليها توفيق الحكيم، وقد ألف للمسرح في سنة 1922 وما بعدها بضع مسرحيات مثلتها فرقة عكاشة هي: المرأة الجديدة والعريس وخاتم سليمان وعلي بابا، بيد أن أصول هذه المسرحيات قد ضاعت فيما بعد ولم يبق في ذاكرة التاريخ سوى أسمائها ويظهر أنه لم يجدها تليق بمستواه بعد أن صار أديبا ذا مكانة مرموقة فلم يطبعها . وقد نضجت ملكته الفنية في باريس حين ذهب إليها ليدرس القانون، ولكنه أحس بأنه خلق لشيء آخر غير القانون ألا وهو الأدب، وشغف بالمسرح والقصص والموسيقى، وعكف على دراسة الفن من ينابيعه في أوربا وعاش عيشة فنان بوهيمي في عاصمة فرنسا وعاد منها سنة 1928، وأحب وهو بباريس فتاة عاملة بمسرح الأوديون تبيع التذاكر لرواد المسرح ولكنه لم يجرؤ على مفاتحتها بحبه طيلة ستة أشهر، وقد أوحت إليه هذه التجربة مسرحية (أمام شباك التذاكر). وأول مسرحية كتبها توفيق الحكيم بعد عودته هي أهل الكهف) سنة 1933 وقد أحدثت ضجة أدبية اشتهر معها أمر توفيق،(وقد سمع توفيق قصة أهل الكهف لأول مرة من المقرئ في المسجد يوم الجمعة، ولما أراد أن يكتبها مسرحية فنية قرأ ما كتب في تاريخ المسيحية، وقرأ الأناجيل الأربعة، والتوراة، وكتاب الموتى، والقرآن الكريم، وقد فكر في هذه القصة منذ حداثته من قوله:" إن أهل الكهف كتبت في اعماق نفسي منذ سمعت سورة الكهف تتلى يوم الجمعة في المسجد وأنا صغير، ولقد كان الفقيه يرتل وأنا ساهم أرى في الهواء الكهف وظلماته وفجواته، وأشاهد أصحاب الكهف جالسين القرفصاء، وكلبهم لا ككل الكلاب على مقربة منهم ياطرهم عين النصيب، كل تلك الصور كانت تنسج خيوطها في نفسي يد مجهولة منذ الطفولة، هذه اليد هي يد الطبيعة الفنية"). وكتب في الفترة التي قضاها في وظيفة وكيل للنائب العام في الأرياف عدة مسرحيات منها: الزمار وحياة تحطمت،ورصاصة في القلب، وشهرزاد، وإن كان قد كتب معظم هذه المسرحيات في فترات مختلفة إلا أنه أتمها وهو في الريف، وظهرت له مسرحية محمد عام 1936 ، كما ظهرت مجموعات أخرى فيما بعد، وفي مسرح توفيق الحكيم يقول الدكتور إسماعيل أدهم: "إن توفيق الحكيم قد نجح في أن يرتفع بفن المسرحية إلى أفق أعلى من المستوى العادي للمسرحية في الآداب الأوربية، إلى مستوى يقف جنبا إلى جنب مع آثار الطبقة الثانية والثالثة من أدباء الغرب فالمسرحيتان (شهرزاد) و( الخروج من الجنة) لا يقلان في مستواهما الفني عن آثار الطبقة الثالثة في الآداب الأوربية، ومن هنا يمكننا أن نقول إن مصر بمحاولات توفيق الحكيم حازت قصب السبق في ميدان الفن المسرحي على بقية بلدان العالم العربي، وارتفعت بالأدب المصري من الحدود المحلية إلى آفاق رحيبة. وليس أمام الأدب المصري إلا بضع خطوات يخطوها إلى الأمام لتجد لأدبها المسرحي مكانة عالمية بين آداب الأمم". إن ميدان التجربة في التأليف المسرحي في بلادنا ولغتنا وأدبنا ضيق محدود: لأن أدبنا العربي لم يعترف بالأدب المسرحي قالبا أدبيا إلى جانب المقالة والمقامة إلا منذ سنوات قلائل، كما أننا لم ننقل إلى لغتنا من أدب المسرح قديمه وحديثه إلا منذ سنوات قلائل ايضاً. لقد استطاع توفيق الحكيم بهذا الجهد الكبير أن يرسي قواعد المسرحية النثرية في أدبنا العربي، وأن يسد الفراغ في كل الجهات. ومن ثمّ كان انتقاله إلى موضوعات متنوعة، وهو يعد اليوم الكاتب الأول للمسرحية النثرية في العالم العربي غير مدافع، من حيث خصوبة نتاجه وجودته وتنوعه، وتأثر في مسرحه الذهبي بمسرحيات إبسن النرويجي وبرناردشو الإيرلندي، وفي مسرحه الاجتماعي بالمسرحيات الفرنسية المعاصرة. ولقد تأثر خطوات توفيق الحكيم أديب ناشئ هو علي أحمد باكثير واتجه بالمسرحية اتجاها قوميا فأخذ من التاريخ القديم وكتب مسرحيات أخناتون ونفرتيتي وقصر الهودج والفرعون الموعود، كما كتب شيلوك الجديد، وسلامة القس وقد كتب بعض هذه المسرحيات بالشعر المرسل، وبعضها بالشعر الموزون، وبقيتها نثرا، وقد توفي في سنة 1969 وترك نتاجا ضخما لا بأس به. وإذا نظرنا نظره عامة للمسرح في هذه الحقبة التي أرخنا لها وجدنا الأدب المسرحي من حيث الموضوع قد ابتدأ مقتبساً من آداب الغرب، يقتبس كل شيء يصلح للتمثيل لا يهمه مدرسة بعينها، فينقل عن المدرسة التقليدية تارة والإبداعية تارة، والطبيعة ثالثة والواقعية أخرى وهكذا، ولما أخذ الكتاب يتجهون إلى وضع المسرحيات كانت وجهتهم أول الأمر واقعية، مستمدة من روح المجتمع المصري ومشكلاته وأحواله سواء كانت المسرحية مأساة أو ملهاة، ثم عاد المسرح إلى الأخذ عن الأدب الغربي على يد يوسف وهبي، وإن لم يغفل في الوقت نفسه عن وضع مسرحيات لمعالجة المشكلات الاجتماعية تدور بين العاطفة وبين الواقع، وجاء توفيق الحكيم وقد جمع بين المثالية والواقعية والتجريد والتحليل، وإن كانت فلسفته ترتكز: على أن في إمكان الشرق أن ينال من الحضارة الأوربية خير ما فيها من غير أن تضعف روحانيته. بينما نرى الشعر لدى شوقي، وعزيز أباظة، ومحمود غنيم، وباكثير، وعلي عبد العظيم يتجه بالمسرح في الأعم الأغلب وجهة تاريخية؛ ويجدر بنا أن نخص المسرحية الشعرية ولا سيما عند شوقي بكلمة موجزة.
|
20-07-2010, 10:41 PM | #3 (permalink) |
خبيرة في التنمية البشرية العــضوية: 5529 تاريخ التسجيل: 17/09/2009
المشاركات: 3,872
الـجــنــس: أنثى | المسرحية الشعرية في الأدب المصري الحديث: لقد رأينا فيما سبق أن المحاولة الأولى للمسرحية الشعرية كانت على يد خليل اليازجي في مسرحية المروءة والوفاء التي ظهرت طبعتها الأولى سنة 1876 ومثلت على مسرح بيروت 1888، وتدور حوادثها في زمن النعمان ملك الحيرة، وهي ذات لون عربي واضح وتصور بعض المثل التي ميزت العرب عن سواهم. ورأينا أن محمد عثمان جلال قد عرب بعض المسرحيات الأوربية شعراً. وإن لم يرق إلى مستوى خليل اليازجي من حيث الديباجة وقوة التعبير وسلامته، بل كثيراً ما أدخل فيه الألفاظ الدارجة، كما ترجم بعض المسرحيات زجلا. وإنه لما أتى أبو خليل القباني إلى مصر، واهتم بالتاريخ العربي والإسلامي جعل لغة المسرحيات شعراً أحياناً، وأحياناً أخرى نثراً مسجوعاً يتخلله كثير من الشعر في المواقف الحماسية والعاطفية، وفعل مثل ذلك سليم النقاش في رواية (الظلوم) التي مثلت أيام اسماعيل، وظن أنه يعرض به فأغلق مسرحه. وتسير المسرحية المصرية على هذا النمط يختلط فيها النثر بالشعر حتى مسرحية مصطفى كامل "فتح الأندلس" وذلك لأن أسلوب المقامة ولا سيما في الأدب كان شائعاً في ذلك الوقت، وبه ظهر حديث عيسى بن هشام لمحمد المويلحي، وليالي سطيح لحافظ ابراهيم، وأسلوب المقاومة كما هو معروف فيه نثر مسجوع وشعر مصنوع. أحمد شوقي وعلى هذا الأسلوب أنشأ شوقي في أول حياته الأدبية مسرحيتين إحداهما ورقة الآس، وثانيتهما داسياس والأولى عربية تدول حول حب النضيرة ابنه ملك العرب لسابور قائد الفرس، والثانية فرعونية تدور حول حب حماس المصري لداسياس الأميرة اليونانية. وغرضنا من هذا العرض السريع أن نقرر أن شوقي لم يبتدع المسرحية الشعرية العربية، وليس أول من ذلل الشعر العربي للمسرحية فقد سبقه في ذلك اليازجي، كما أن البستاني. مترجم الإلياذة قد نوع كثيراً في بحور الشعر وقوافيه، وهو يترجم تلك القصة الطويلة التي جاءت في أحد عشر ألف بيت. وقد نشرت لأول مرة سنة 1904. وكذلك حاول بعض كتاب المسرحية على أسلوب المقامة أن يجروا الحوار شعراً أحياناً, وقد أفاد شوقي من كل هذه التجارب. حاول شوقي وهو بعد طالب في باريس أن ينظم أولى مسرحياته علي بك الكبير أو دولة المماليك، ولكنه لم ينشرها في ذلك الوقت. وانصرف عن المسرح إلى الشعر الغنائي، في مديح عباس، وخدمة القصر، بيد أنه قد تأثر بثقافته الغربية كل التأثر حينما بدأ يكتب للمسرح، وكان من هوايته وهو في باريس، وقد شهد ساره برنارد الممثلة الفرنسية المشهورة تمثل الروايات الخالدة. وكانت النزعة الغالبة على الأدب الفرنسي في الحقبة التي كان فيها شوقي بفرنسا هي النزعة الطبيعية القومية ممثلة في عدد لا يحصى من المسرحيات والروايات القصصية والقصائد. بيد أن شوقي اتخذ القصيدة الغنائية مجالا للتعبير عن آرائه، واتجه في بعض قصائده تلك الوجهة القومية، وأغرم بوصف الطبيعة المصرية، ولم يكتب للمسرح إلا في أخريات حياته، وبعد أن بويع أميراً للشعراء، وكرمه كل الشعراء العربية سنة 1927 ، وأخذ النقاد يحثونه على أن يكمل فنه بالأدب المسرحي، فكتب عدة مسرحيات تاريخية منها: كليوباترة، ومجنون ليلى، وعنترة، وقمبيز، وعلي بك الكبير. لم يكن من اليسير على شوقي وقد تمرس بالشعر الغنائي طوال حياته أن يبرع في الشعر المسرحي دفعة واحدة، ويجمع بين الصياغة القوية وحسن الأداء وبين مقتضيات الفن المسرحي، وهو لم يعالجه من قبل، ولذلك نرى فنه المسرحي يتطور بالتدريج. كان يكثر من المقطوعات التي هي من صميم الشعر الغنائي في مسرحياته الأولى: كليوباترة، ومجنون ليلى مثلا، ولا سيما في مواقف الغزل، والرثاء، والفخر، وقد ابتدأ فنه المسرحي في أول الأمر اقتباساً ثم سار نحو الابتكار والتجديد، ومن منهج تركيبي إلى منهج تحليلي، ومن منهج وصفي تتحرك فيه الحوادث تحت تأثير الصدف، وتوصف فيه الحوادث والشخصيات وصفاً لا يمثل الحركة على المسرح إلى منهج تحليلي يعمد إلى أن تعبر الشخصيات والحوادث عن نفسها عملياً على المسرح. لقد كان وراء شوقي في أول الأمر ماضيه في الشعر الغنائي، ووراءه كذلك الجمهور الذي يعجب ويطرب لهذا اللون من الشعر، وقد ألف مسرح الشيخ سلامة حجازي، وسيد درويش وأضرابهما، وكان يذهب في الغالب إلى المسرح لا ليشهد مأساة حقيقية وإنما ليستمتع بالأغاني التي تجري على ألسنة الممثلات وتخلق لها الحوادث خلقاً، وكلن شوقي بجانب هذا قد قرأ كثيرا من الأدب الفرنسي، قرأ الأدب التقليدي ممثلا في كورني وراسين وموليير، وقرأ الأدب الإبداعي لدى هيجو وشكسبير (مترجماً) ونعلم أن هيجو قد تأثر بشكسبير وأن كلا منهما قد اتجه نحو التاريخ الأوربي الحديث والقديم، فيكتب شكسبير هنري الرابع، وهنري الخامس، وكليوباترة، ويوليوس قيصر، والملك لير، ويخرج لنا هيجو ماري تيودور، وكرومويل من تاريخ انجلترا الحديث، وهزناني من التاريخ الاسباني أثناء محاكم التفتيش وغير ذلك. وقد تأثر شوقي بكل هذا إذ رأى أعلام الأدب الأوربي يتجهون إلى التاريخ فلجأ إليه يستقي منه موضوعات مسرحياته ورأى النزعة القومية الطبيعية غالبة على المدرسة الفرنسية المعاصرة تسايرها في وجهتها؛ وإحياء التاريخ المصري فرعونيا أو عربيا أو إسلاميا كان بعده شوقي اتجاها قوميا. ورأى أن جمهوره لا يزال ميالا إلى الغناء فأكثر من مقطوعاته الغنائية، فضلا عن أنه لم يستطع هو نفسه التخلص من فنه الغنائي الذي مارسه طول حياته في قصائده، أضف إلى كل هذا أن شوقي كان بعيداً عن حياة الشعب لأنه كان حبيساً في قفص من ذهب، مقيداً بقيود القصر، وغل الحاشية، ولم يكن يدري شيئاً عما يعانيه شعب مصر من مذلة، وهوان وفاقة، وإذا درى فقلما كان يحس بتلك الآلام أو يتذكرها، وليس له لها عهد؛ وهو الذي ولد بباب إسماعيل، وعولج من الحول بالذهب الإبريز، وظل يتقلب في مطارف النعمة، إلى آخر حياته. ولا ريب أن بعده عن الشعب جله لا يتجه أي وجهة واقعية أو اجتماعية في مسرحياته اللهم إلا في روايته الأخير (الست هدى)، ونحن نعلل هذا الاتجاه الأخير بكثرة تردده على المسرح وإدراكه ما يطلبه الجمهور وما يقتضيه التنويع في فنه، ثم لتلك النهضة الاجتماعية الشعبية ممثلة في الصحافة وفي المسرح. وإذا علمنا كذلك أن شوقي كان يؤمن بالخلافة العثمانية ويدعو لها، وأنه كان يجيد وصف القصور ورجالها لا نعجب أن يتجه أول أمره إلى حياة الملوك، وهو أدرى بها حتى لا يزل قلمه، أو يكبو فنه، فهو يسير على أرض خبرها، ويصف حياة عرفها، وأدرك ما فيها من مؤامرات وملق، ونفاق وجبن واستهتار وبذخ، وفخامة وثراء طائل عريض يتمثل في الحفلات الراقصة والموسيقى الشجية والولائم العامرة. ولذلك نجد شوقي يجيد حين يبرز شخصيات الملوك والأمراء والملكات، ويقصّر حين يصف الجمهور وعامة الشعب، لأنه كان في عزلة عنه، لم يدرس نفسيته عن كثب، ويتعرف على فضائله الكامنة الطبيعية اللهم إلا في مسرحيته الأخيرة (الست هدى). ملهاة شوقي الست هدى ولأهمية هذه المسرحية في تطور الفن المسرحي لدى شوقي، ولأنها الملهاة الوحيدة التي كتبها، وآثر فيها الشعر على النثر، مع أنه كتب (أميرة الأندلس) نثراً على الرغم من أنها تدور حول شاعر فحل هو (المعتمد بن عباد) ، يجدر بنا أن نلقي نظرة عاجلة على هذه المسرحية ذات الموضوع الاجتماعي. تعالج هذه الملهاة عيباً أخلاقياً اجتماعياً، لا يزال شائعاً في بلادنا، وهو تزاحم الرجال على النساء ذوات الثراء، فالست هدى امرأة تملك ثلاثين فداناً، ولهذا تزوجت من تسعة من الرجال الواحد بعد الآخر كلهم كان يطمع في ثروتها، ولكن المنية تخطفتهم كذلك الواحد تلو الآخر، وكلما مات واحد تقدم آخر، وبقي الأخير إذ خلفته وراءها وانتقلت إلى الدار الآخرة، وقد ظن أنه قد أصاب الثراء، وأخذ الناس يفدون عليه مهنئين، ولكنه لم يلبث أن اكتشف أن هدى قد أوصت بكل مالها لبعض صديقاتها وبعض جهات البر، وأنه لم يرث شيئاً فجن جنونه، وخرج من المسرح يجر ذيل الإخفاق، وتشيعه الضحكات. وقد اتخذ شوقي الملهاة والضحك وسيلة لنقد هذا العيب الاجتماعي المتفشي في بيئتنا إلى يومنا هذا. وكان من الصعب على شوقي أن يستعرض هذه الزيجات التسع على المسرح ولذلك اكتفى بأن يقص خبر الثمانية الأول، ويبرز ما في قصة الزوج الأخير من سخف وضحك. ولقد أجرى على لسان الست هدى في الفصل الأول وهي تحكي لصديقتها زينب تجاربها مع هؤلاء الأزواج، ورأيها في كل منهم، فأول زوج مصطفى وتقول عنه: الست هدى: لست ما عشت ناسية /// لست أسلو حياتيه أول البخت مصطفى /// مصطفى كان ساريه حين يمشي تظنه /// نخلة المرج ماشية مات، فكدت أموت حزنا /// وكان عمري عشرين عاماً ثم تزوجت بعد خمس /// من ذا يري فعلتي حراما زينب: أجل تعيشين وتدفنينا /// حتى تصيبي منهم البنينا (حلوة هل الدعوة) وتقول الست هدى عن زوجها الرابع: الست هدى: ولست أنسى زوجي الرابعا /// لا نافعا كان ولا شافعاً قالوا أديب لم يروا مثله /// ولقبوه الكاتب البارعا قد زينوه لي فاخترته /// ما اخترت إلا عاطلاً ضائعا رائح أكثر الزما /// ن على الصحف مغتدي يكتب اليوم في "اللوا" /// وغدا في "المؤيد" ليله أو نهاره /// فارغ الجيب واليد ويعجبني عند المباهاة قوله /// بنيت فلانا، أو هدمت فلانا رحمة الله عليه /// كان لا يحقر مالا كان إن أفلس لا /// يسألني إلا ريالا ثم تزوجت بيوزباشي قمر /// نهى كما شاء هواه وأمر لقد وددت أنه زوج العمر عشنا ثلاثاً ثم افترقنا /// وكان عمري عشرين عاما طلقني فالتمست زوجاً /// من ذا يرى فعلتي جرما زينب: أجل تعيشين وتدفنينا /// حتى تصيبي منهم البنينا ومن أزواج الست هدى فقيه البلد، وتقول عنه: ثم اقترنت بفقيه /// عالم في البلد كهل أخو خمسين لكن /// في نشاط الأمرد زينب: عرفته ذاك الفقيه الشيخ عبد الصمد قد كان في الخطِّ وجيهاً ومقبَّل اليد وكل من مر به خاطبه بسيدي الست هدى: يرحمه الله أدبني /// حتى عرفت كيف تخضع النسا زينب: أنت؟ الست هدى: أجل أدبني بيده /// ورجله وبالعصا زينب: كيف؟ متى؟ الست هدى: رأى غباراً عالقاً بجبهتي /// ولم أكن أعلم من أين أتى فقال: هذا التراب من نافذة /// من كنت تنظرين منها يا ترى؟ وهاج حتى خفت أن يقتلني /// وشمر الذيل وجرد العصا فقلت: يهواني، وتلك غيرة /// يا حبذا الزوج الغيور حبذا وقبله لم أر من غار ولا /// ومن ظن في قلبي لغيره هوى لكنه منذ كنا /// ما حل عقدة كيسه يفضل الأكل من غير ماله وفلوسه عشت مع الشيخ نصف عام /// وكان عمري عشرين عاما ومات فاختارني سواه /// من ذا يرى فعلتي جرما زينب: أجل تعيشين وتدفنينا /// حتى تصيبي منهم البنينا وبحسبنا هذه النماذج من مسرحية الست هدى، فهي تدل على أن شوقي كان يتمتع بروح فكاهية مرحة، ظهرت سماتها في مسرحياته السابقة، وفي قصصه الرمزية على لسان الحيوان، وفي هذه المسرحية قد بلغت غايتها، وتدل كذلك على أن شوقي كان يستطيع أن يتبسط في شعره ويلائم بينه وبين الموضوع، فهو هنا يكاد يقرب من لغة التخاطب، وكأنه غير شوقي صاحب الديباجة الرائعة والشعر الفخم في مآسيه. ولقد وفق شوقي في هذه المسرحية الفكهة في ظاهرها، وإن تضمنت مأساة أخلاقية اجتماعية في مغزاها، ولقد كان هدف شوقي في معظم مسرحياته إبراز الناحية الأخلاقية والإشادة بالفضائل ولو أن شوقي لم تخترمه المنية، واستمر في تصوير مجتمعنا على هذه الطريقة لأتى بالعجب العجاب، ولأصاب من النجاح أكثر مما أصاب في مآسيه التاريخية، ولخلف لنا أدباً مسرحياً رفيعاً في الملهاة، وما كان أحوجنا إلى هذه النماذج العالية. يتبع: ولقد عيب على مسرح شوقي عدة أمور...
|
20-07-2010, 10:44 PM | #4 (permalink) |
خبيرة في التنمية البشرية العــضوية: 5529 تاريخ التسجيل: 17/09/2009
المشاركات: 3,872
الـجــنــس: أنثى | . . ولقد عيب على مسرح شوقي عدة أمور: منها عنايته الزائدة باستكمال الأوزان والبحور، واتخاذ هذه الأوزان والحور من الصيغ التقليدية الشائعة في الشعر الغنائي العام، وتظهر جلية في المسرحيات الأولى، ولا تزول في المسرحيات الأخيرة أنظمة الحوار التي تقترب من نظام القصيدة العربية مبنى ومعنى، وتطول في أماكن الوصف والرثاء والشكوى والغزل. ولست أدري ما يقصده الذين يعيبون على شوقي بأنه كان يستكمل الأوزان والبحور، وأنه يتخذها من الصيغ التقليدية الشائعة في الشعر الغنائي. لم يستطع شوقي طبعا أن يصوغ مسرحيته بالشعر المرسل كما فعل شكسبير، لأن الذوق العربي لم يألفه، ولأنه أشبه بالنثر، وقد نظم به بعض الشعراء مثل شكري في مستهل هذا القرن، فلم يجد لدى جمهرة القراء قبولا، ثم إن شوقي على الرغم من أنه قد سبق ببعض مسرحيات شعرية، وببعض مسرحيات امتزج فيها النثر المسجوع بالشعر فإن هذه المسرحيات لم تكن النموذج القوي الذي ذلل الشعر العربي للمسرحية. وقد كان شوقي بحق أول من وضع مسرحية جيدة السبك رصينة فيها شيء من الفن المسرحي، وعليها طابع الأدب الرفيع شعراً، وبذلك عد عمله هذا فتحاً جديداً، ولا سيما وقد توالى نتاجه المسرحي، وفي كل مرة يخطو نحو الكمال الفني خطوات ولا يزال شوقي على الرغم من انقضاء أكثر من ثلاثين عاماً على وفاته يقف وحده في هذا الميدان وكل المحاولات التي بذلت للحاق به لم تكلل بالنجاح التام. على أن شوقي له قدوة في شكسبير خير من كتب للمسرح في العالم أجمع، وقد كان أول أمره يقلد الأسلوب الشائع عند مؤلفي المسرح في عصره تقليداً بلغ من التقيد حداً جعل النقاد فيما بعد يتساءلون: هل كان هو حقاً مؤلف التمثيليات الأولى المنسوبة إليه؟ ولقد بلغ شكسبير فيما بعد الذروة ففي فن المسرحية لما طال به العمر، ولو لم تخترم المنية شوقي لأتى بالعجب العجاب ولا سيما وقد بدت تباشير نجاحه وإتقان فنه في آخر مسرحياته. ولو أن شوقي شغل بالمسرح منذ نشأته كما كان قد اعتزم، ولم يتأخر نتاجه أربعين عاماً لكان له شان آخر. وأخيراً هل التقيد بالبحور والأوزان معيب في المسرحية؟ ونحن نعلم أن سادة المسرحية الفرنسية في عصرها الذهبي راسين وكورني قد تقيدا بالبحور والأوزان، وجريا على تقاليد الأدب والشعر الفرنسي؟ وكذلك فعل هوجو. وإذا كان هناك من عيب أقره ، فهو أن يطول الحوار حتى يبلغ حد القصيدة، فإن هذا يبعث الملل ويبطئ بالحركة المسرحية، و هذا عيب فني قد تداركه شوقي فيما بعد أو كاد. وحسب شوقي فضلا أنه ارتفع بالمسرحية الشعرية إلى منزلة الأدب الرفيع في وقت كثرت فيه المسرحيات النثرية باللغة العامية، ولقد وفق شوقي في اختيار الشعر غالبا لمسرحياته على الرغم من صعوبته، وقد كان في استطاعته أن يصوغها كلها نثرا كما فعل في مسرحية (أميرة الأندلس)، ولكنه شاعر فحل، وقد رأى أن المسرحية في الأدب الغربي لم تخلد إلا في صيغتها الشعرية، وأن كبار الأدباء الغربيين حتى في العصر الإبداعي مثل (هيجو وبيرون وشيلي) قد آثروا الشعر على النثر في كثير من مسرحياتهم، لما يخلفه من جو خاص يضفي على المسرحية شعوراً جميلاً. وها هو ذا أديب انجليزي معاصر هو موم وقد أفنى حياته يكتب للمسرح نثراً يقول: "لا يسعني إلا أن أقر ما أعتقده من أن المسرحية النثرية التي وقفت حياتي كلها عليها سوف تموت عما قريب، ولعل أحسن فرصة أمام الكاتب المسرحي الواقعي هي أن يشغل نفسه بما لم تستطع الخيالة أن تنجح في إبرازه وعرضه، ألا وهو المسرحية التي يكون فيها العمل باطنياً لا خارجياً، ثم ملهاة الذكاء والنكتة. في اعتقادي أن المسرحية ضلت الطريق حينما قادتنا الرغبة في الواقعية لهجر حلبة الشعر. إن للشعر منزلة مسرحية سامية فضلا عما يحدثه النغم والوزن من الأحاسيس والانفعالات حين يلقى على المسرح، فإن الشعر يخلص المسرحية من الواقعية، ويضعها في مستوى آخر. ويجعل من اليسير على الجمهور أن يهيئ لنفسه حالة شعورية جديدة محببة، وتلك هي الجاذبية المسرحية الخاصة". وقيل أن شوقي لم يوفق في اختياره لبعض موضوعات مسرحياته، ولا سيما المسرحيات التاريخية، كما أخذوا عليه سوء دفاعه حيث أراد الدفاع، ويخيل إلى أن شوقي لم يكن عاجزاً عن إخراج مسرحيات تاريخية فيها كثير من القوة، ولا يحتاج إلى الدفاع، كما فعل في كليوباترة مثلا. فالتاريخ المصري القديم، والتاريخ العربي الاسلامي يزخر بالشخصيات التي سجلت بطولات ستظل أبد الدهر موضع الإعجاب والتقدير، ولكنه آثر أن يطرق التاريخ عند نقط التحول في حياة مصر في عصورها المختلفة، حين تضعف الدولة، ويستميت الحكام في الدفاع عن كيانهم واستقلال بلادهم. ولا شك أن شوقي قد اختار مواطن الضعف ليظهر براعته في الدفاع عن هؤلاء الذين ظلمهم التاريخ في نظره؛ لأن هذا التاريخ سجل على يد أعدائهم الذين قهروهم وأذلوهم، واستمع إليه يقول في تسويغ دفاعه عن كليوباترة: "أليس المؤلف المصري إزاء هذا الاضطهاد الصارخ لهذه الملكة المصرية، بحكم الثلاثة قرون التي قضاها أجدادها العظماء على ضفاف النيل مستقلين عن كل نفوذ اجنبي، أبرياء إلا من العمل المستقل لمجد مصر ورفاهيتها، مستحيلة دماؤهم قطرة فقطرة إلى دماء مصرية خالصة على توالي الأيام، أو ليس المؤلف المصري في حل- ما دما البحث العلمي يكشف بين الحين والحين هذا التاريخ المتهم عن حلقات ضائعة أو أوهام أنزلت فيه منزل الحقائق- من إنصاف هذه المصرية المضطهدة، ولو إلى الحد الذي يتفق مع هيكل هذا التاريخ المجرد ، ولا يحرمها على الأقل سمو الغاية ونبالة المقصد؟ أعتقد أنه ليس في حل من هذا الإنصاف فقط، ولكنه مسئول عنه، إلى أن يصل البحث الحديث في تقرير حقيقة التاريخ القديم إلى آخر مداه، فيعز من يشاء ويذل من يشاء. ومن العجيب أن الأستاذ سليم حسن العالم المصري الأثري قد دافع عن كليوباترا دفاعاً مجيداً ومؤيداً دفاعه بوثائق وحجج قوية. عقب الجملة التي شنها عليها بعض من يحقدون كل الحقد على شوقي لا لسبب إلا أنه كان أقوى من ملك ناصية البيان الشعري في العصر الحديث. ثم إنه ليس من الضروري أن يتقيد الشاعر والكاتب المسرحي بحرفية التاريخ ما دام محافظاً على الطابع العام، وله أن يصور البطل بالصور التي يراها من خلال مخيلته الشعرية، وبالعاطفة التي تسيطر على مشاعره، ولقد تناول موضوع كليوباترة غير شوقي – شكسبير، ودريدون، وشو، وجوديل، ومورو، وكان لكل منهم نظرة خاصة إليها. وإذا كان من عيب يؤخذ على شوقي في مسرحية كليوباترة فهو أنه اهتم بها الاهتمام كله ونسى الشعب بل أظهره بمظهر مزر (يا له من ببغاء عقله في أذنيه) ولم يظهر الشخصية المصرية الأصيلة وطنية مخلصة متفانية إلى النهاية في سبيل قوميتها، ولقد جاء بشخصية (حابي) أمين المكتبة وأجرى على لسانه بعض العبارات الوطنية ويظهر التمرد على كليوباترة ومخازيها، ولكنه لا يلبث أن ينسى تمرده وكرامة وطنه بعد أن أغرته كليوباترة بهيلانة وصيفتها اليونانية، ومنحته ضيعة بصعيد مصر يعيش بها هو وعشيقته، فقضت على كل ما لديه من وطنية وتمرد. على أن شوقي قد أجاد في بعض الموضوعات التاريخية كل الاجادة وذلك حين تعرض لشعراء مثله، يتفهم نفسيتهم ويدرك مشاعرهم، وكان من السهل عليه أن يدير عواطفه حول نواة واحدة هي الهوى وإنشاء الغزل كما في مجنون ليلى وعنترة، وإذا كان ثمة مأخذ على شوقي في مجنون ليلى وعنترة،فذلك ما يبدو من تناقض في العرف والعادة ومدى التمسك بهما، فبينما نرى ليلى وهي المتيمة المغرمة بقيس حين يستشيرها أبوها في الزواج تفضل ورداً الثقفي على حبيبها قيس ، لأن قيس شبب بها. وتقول ذلك في يسر بدون تردد أو صراع نفسي يبرزه الشاعر وهذا ما أضعف العقدة، إذ بنا نرى عبلة في مسرحية عنترة تفضل عنترة وترضى به زوجاً، مع أنه هو الآخر شبب بها وكان عبداً وأمه أمة، وكانت هذه التقاليد على أشدها في الجاهلية لم يخفف منها الزمن ومجيء الإسلام كما في عهد ليلى والمجنون. وكان مالك أبو عبلة عدواً لعنترة متمسكاً بالتقاليد بينما المهدي أبو ليلى رءوفاً بقيس محباً له. فما الذي دفع شوقي إلى هذا التناقض؟ هل كانت فروسية عنترة وحسن بلائه أقوى في نظر عبلة من شعر المجنون وقوة تدلهه لدى ليلى؟ على كل لم نشهد كذلك لدى عبلة أي صراع، ولا شدة هذه التقاليد ووطأتها، بل راحت تتآمر وعنترة على الزواج، ضاربة بهذه التقاليد عرض الحائط، وإن كنا لا نلمس لهذا التمرد على التقاليد مظاهر مسرحية. ولم يفسر لنا شوقي هذا التناقض على كل حال، ولست أزعم أنه كان أكثر توفيقاً وإجادة حين ترك التاريخ والتفت إلى الحياة يستمد منها صور الناس كما نراهم ونحسهم في الحياة، ولعل هذا التوفيق لا يرجع إلى الموضوع والانتقال من التاريخ إلى الواقع فحسب، فإذا كانت ثمة صعوبات في إبراز الشخصية التاريخية فإن الواقع أصعب ، بل إن من النقاد من قرر "أن إحياء الماضي أسهل من تمثيل الحاضر، ومهما كانت المسرحية تبدو طبيعية على المسرح فلا يمكن بأية حال أن تماثل واقع الحياة، لأن شخصيات المسرحيات يتكلمون في ذكاء، والحوادث تقع مرتبة متوالية سريعة، وبإعداد تام أكثر مما نرى بين أيدينا، وكل ما يستطيعه المؤلف هو أن يخلق جواً يجعل المسرحية تبدو فيه طبيعية". وإنما يرجع هذا التوفيق في رأيه إلى تمرس المؤلف بالتأليف المسرحي، وزيادة تجربته في هذا الفن بتردده على المسرح كثيراً والإفادة من النقد، واتباعه للقواعد الفنية المسرحية. ولست أريد في هذا المقام أن أفيض في المفاضلة بين المسرحية التاريخية والمسرحية الواقعية وبحسبي أن أقول : إن المسرحية التاريخية تؤثر الشعر عادة، لأنها تتحدث عن أشخاص خلدهم التاريخ فهم أبطال في أي صورة من الصور، والبطولة والعظمة من شأنها أن تقدم على أفعال جليلة، وحوادث عظيمة الشأن كبيرة الأثر، وأن يكون ثمة راع تتجلى فيه هذه البطولة، والشعر أصلح أداة لمثل هذا اللون، وقد فطن إلى ذلك أمراء المسرح القدامى سواء أكانوا من أتباع المدرسة التقليدية أو الإبداعية؛ أما المسرحية الواقعية، فهي تؤثر النثر لأنها تتحدث عن أشخاص من أوساط الناس، وعن مشكلات اجتماعية وأخلاقية مما يقع تحت ناظرينا كل يوم، وتحاول أن تحكي الواقع وتقلده متى استطاعت إلى ذلك سبيلاً، وهي تميل إلى التحليل والعمق؛ والنثر يؤدي ذلك ويمثله أتم تمثيل. بيد أن كثيراً من النقاد اليوم يرى أن الشعر أصلح للمسرحية، وأن الكتاب اعتسفوا الطريق حينما حاولوا أن ينافسوا الحياة في الواقعية كما عرفت ذلك عند (موم). ثم ظهر بعد شوقي طائفة من الشعراء ترسموا خطاه في المسرحية الشعرية، وأبرزهم عزيز أباظة الذي اتجه إلى التاريخ العربي الاسلامي، ووضع بعض مسرحيات شعرية منها (قيس ولبنى) و (العباسة) و (عبد الرحمن الناصر) و (قافلة النور) وقد أفاد عزيز أباظة من تجربة شوقي المسرحية، فحاول جهده أن يتجنب ما وقع في من أخطاء، كما انه احتك كثيراً برجال المسرح فعرف أصوله وقواعده. ومن الشعراء الذين ترسموا خطى شوقي كذلك محمود غنيم، وله عدة مسرحيات نالت الجوائز الأولى في المسابقات التي عقدتها وزارة الشئون منها: (المروءة المقنعة)، (وغرام يزيد) ومن هؤلاء الشعراء : علي عبد العظيم وقد ظهرت له (ولادة ) ونالت الجائزة الأولى التي عقدتها وزارة الشئون، ومن هؤلاء أحمد باكثير وظهرت له مسرحيات (قصر الهودج) شعراً، وقد حاول من قبل أن يضع مسرحيات بالشعر المرسل على طريقة شكسبير مثل مسرحية (اخناتون) و ( نفرتيتي)، ولكنه عدل عنه لأنه لا يلائم الذوق العربي. المصدر
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدلالية (Tags) |
..نشأتها, أصولها, المسرحية, تاريخها |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
7عقود من عمر الرواية الكويتية منذ نشأتها بالأربعينيات حتى 2008 | نوره عبدالرحمن "سما" | قاعة الأدب والكتب ( القاعة الثقافية ) | 0 | 19-07-2010 03:15 PM |
كتاب ( الليبرالية نشأتها ومجالاتها ) للمؤلف ( عبد الرحيم بن صمايل السلمي ) | عازم | القاعة الكبرى ( القضايا العامة وملتقى الاعضاء ) | 1 | 29-01-2010 01:02 AM |
«وعد لزام» يستوحي البداوة على أصولها | بن عـيدان | الـقاعـة الـكـبرى ( الفن والإعلام ) | 0 | 20-12-2009 12:51 AM |
اعتراف صباح بخيانته ازواجها يثير جدلا حول تشويه تاريخها تا | ذكرى | الـقاعـة الـكـبرى ( الفن والإعلام ) | 4 | 20-07-2009 03:17 PM |
عُمان تهزم السعودية وتحقق أول بطولة خليجية في تاريخها | الفنون | القاعة الكبرى ( القضايا العامة وملتقى الاعضاء ) | 2 | 18-01-2009 12:42 PM |
Powered by vBulletin® Version
Copyright ©vBulletin Solutions, Inc
SEO by vBSEO 3.6.0
LinkBack |
LinkBack URL |
About LinkBacks |