"غزلان" لوحة تراجيدية رسمت الدموع
و تجاوزت اللون الأحمر
تقرير - هاشم العلوي
عندما يحوي ذلك الزُقاق (الشامي) بين طياته الكثير من الألم حاملاً برصده لهموم الطبقة الكادحة ، مُبرزاً ذلك الطموح بين أروقة تلك الأسرة التي تأمل في الخروج من حالة اليأس و الشقاء .. تجلى في أحد أبناءها ذاك (الشاب) الذي يعمل في بطاقات (اليانصيب) و بيع (الشوكلاته) سعياً منه في إعانة أسرته ، إضافة إلى بحثه عن فرصة تنتشله من الحالة البائسة إلى زيادة دخله المادي ، و رغم ذلك فإنه يواجه الفشل وسط واقعٍ مرير ، فيهرب إذاً من حالة الفشل إلى عالم الدخول في بوابة الإدمان !! هكذا بدأت أحداث العمل (المحبوك) بقالبٍ درامي أو دعوني أُطلق عليها بمعنىً آخر بطريقة (مليودرامية) سوداء راقية !! في ظل وقوع الطبقة الفقيرة في دوامة الصراع بين الُسلطة و المال ، (غزلان في غابة الذئاب) إحدى الأعمال التي تصدرت النصيب الاكبر من المشاهدة العالية على مستوى الوطن العربي في العام 2006 ، بالإضافة إلى تربعه على عرش قائمة الدراما الإجتماعية في سوريا ( آنذاك) .. حين دققتُ النظر جيداً بين (زاويا) العمل (المُتكون من خمسين فناناً وفنانة) ، والذي كان يُصادف (وقتها) معصارتي (لحياتي) الأكاديمية و ذكرياتي في (كلية الإعلام) ، استنتجتُ من خلال هذا القالب الدرامي، أن الكاتب (فؤاد حميرة) ابتعد بأحداث هذا العمل الدرامي عن المحلية ، مُحلقاً بذلك إلى ملامسة الكثير من الحياة الإجتماعية العربية ، ناجحاً من خلال نسجها بجزئية من الواقع ليقوم بإستخدام أدوات التلوين بألوان ( الطيف الإجتماعي ) عن طريق الصورة المرئية . إحدى تلك الألوان ما رأيتُه بشكلٍ جلي في تلك التقاسيم الفنية التي توزعت على ايماءات الفنان (قُصي خولي) و كأني أرى حقيقة على أرض الواقع لا مُجرد (تجسيد) من خلال التفرد و الأنانية و حُب التملك المُمتزج معها بسمات الغرور و العنجهية . في الحقيقة لا يُمكن أن أنسى ذلك اللون المُتسم في غاية الصعوبة المُتقمص من خلال (أمل عرفة) فقد رأيته دوراً غاية في التعقيد (إن صح التعبير ) ، ورغم البُعد الذي يُمكن وصفه بالفلسفي المُعقد جداً لهذا الدور ، فهي رسمت بالنسبة لي إيقاعاً وجدانياً عفوياً لا شعورياً ، تركتني أذرف الدموع بُكل ما تحمله عاطفتي من محبة و شفقة على (غادة) ، لتظهر تلك اللوحة التي تشكلت على هيئة سيمفونية تراجيدية قامت بمحاكاة الظلم و القهر و التسلط .. بينما لا أستطيع تغافل أهمية العُنصر المحرك الذي حلق بأدواته بعيداً خارج السرب فرسم بمفرداته الحسية حيث تجسد ذلك في (أيمن رضا) . يبقى القول بأن (غزلان في غابة الذئاب) أظهر (في تلك الحُقبة) جزءاً من واقعية حياة رُبما تكاد تكون غائبة عن ذهن الكثير من الجمهور العربي ، وهي حياة تحكُمها (الذئاب البشرية) ترى أنها الأقوى على رسم و تشكيل البشر، بغض النظر عن أهدافهم و تطلبعاتهم . (غزلان في غابة الذئاب) عبارة عن شرائح فقيرة تقع بين دائرة الصراع الأزلي الحاد و الشرس بين السلطة و المال ، لون جريء من نوعه في (الساحة السورية) تجاوز بذلك الخطوط الحمراء ، تحدث عن الفساد في كثير من المُجتمعات ، وفي بعض دوائر الدولة ، واستغلالهم لمناصبهم الرفيعة من أجل تحقيق صفقات (مشبوهة) ليكون ذلك على حساب الطبقة الفقيرة ، كل هذا وأكثر ، برهنت عليه المُخرجة الشابة (رشا شربتجي) من خلال تحويلها لتلك العدسة إلى لوحة ذهبية تناثرت بها كلماتٍ استشعر بها كل (مشاهدٍ) يمتلك الذوق الثقافي الرفيع الذي ارتبط معه اللون (الكاريزمي) الخاص بالدراما السورية .
مُقدمة مسلسل (غزلان في غابة الذئاب)