شبكة الدراما والمسرح الكويتية الخليجية > القاعات العامة والإدارية > القاعة الكبرى ( القضايا العامة وملتقى الاعضاء ) > مذكرات أسير كويتي في المعتقلات العراقيه |
البحث في المنتدى |
بحث بالكلمة الدلالية |
البحث المتقدم |
الذهاب إلى الصفحة... |
| LinkBack | أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
02-08-2012, 09:59 AM | #1 (permalink) |
عضو شبكة الدراما والمسرح العــضوية: 14703 تاريخ التسجيل: 04/04/2012
المشاركات: 186
الـجــنــس: أنثى | مذكرات أسير كويتي في المعتقلات العراقيه الحمد لله وبعد … فهذه قصتي مع الأسر أرويها لكم وسأجعلها على شكل حلقات وهذه هي الحلقة الأولى مذكرات أسير (1) إرهاصات ومقدمات : جريمة الإحتلال :- كان إقدام العراق على احتلال الكويت جريمة هزت الضمير والوجدان ، وشرخت جدار الأمة العربية والإسلامية المشروخ أصلا ، لكن زادته تلك الفعلة النكراء تصدعا فوق تصدعه ، وكانت فتنة جعلت الحليم حيران ، فبعد أن قام الشعب الكويتي في أواسط الثمانينات بجميع فئاته ضد قرار مجرد رفع العلم الأمريكي فوق ناقلات النفط الكويتية ، وجد الشعب الكويتي نفسه بعد ذلك بأربع سنوات مضطرا لطلب المساعدة من دول كان يرفض بتاتا مجرد رفع علمها على ناقلة نائية لا يعدو تأثير هذا الرفع عن أن يكون معنويا في الظاهر إلا أنه كان يحمل في طياته سابقة خطيرة تفتح الباب لتغلغل أكبر ومزاحمة للنفوذ بل وربما السيادة على الأرض في الشئون المحلية والدولية ، ولذلك فطن الشعب الكويتي الواعي ورفض ، لكنه مكر الليل والنهار والفتنة التي تجعل الحليم حيران واليد التي في النار والتي تلومها الأيادي الباردة ، " وقد فصل عليكم في الكتاب ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه " ذلك المكر جعل من الشعب الكويتي يقلب موقفه مضطرا وهو يرى بأم عينه ويلمس عيانا ضياع العرض والأرض والمال فكان أمام خطرٍ محدق واقع في مقابل خطر متوقع ، فاختار الأمر الأقل مرارة كالمضطر لأكل الميتة . وليس من إنسان شريف يعاين هتك عرضه ونهب أرضه وقتل أهله وتعذيب ناسه وترويع ءامنيه ، ثم يجد من يناصره لأي دافع كان إنساني ، مادي ، مصلحي ، …. ثم يرفض نصرته ، خصوصا في شهود العالم كله على رفض الظلم المتحقق ،عدا القلة المخدوعة أو المتمصلحة على حساب العدل والحق . قضيت سبعة أشهر وحدي دون أهلي : بعد أسبوعين من الاحتلال البعثي البغيض ، بدأ دواء والدي ينفد ، وأصبح شحيحا في الصيدليات ، إن تجده في هذه لا تجده في تلك ، وهنا قرر الأهل الخروج إلى السعودية وقد اعتدنا أن نقول أن من خرج أبان الاحتلال خرج معذورا ومن بقي بقي مأجورا ، كما قال شيخ المرابطين الشيخ الدكتور جاسم الياسين ، وبقيتُ في البيت وحدي ، طوال فترة الاحتلال ولم أخرج مع أهلي ، وكنت خلال هذه الفترة أتردد على بيت عمتي جزاهم الله خيرا وكان يتابعني على الدوام ويهتم بي العم النوخذة مقدم بحري عبدالله رحمه الله ( شايل همي ويقول أنت تحوس وايد) وقد تشاجر عدة مرات مع العراقيين لمنعهم من سرقة سيارتي الجيب تويوتا فور رنر الذي سرق أخيرا عندما خبأته في بيت المياس ، كما أقمت فترة عند الأخ الصديق بوفهد الذي كان لوحده في البيت هو الآخر، بقيت في الكويت ولم أخرج إذ كان لا بد من بقائي لأجل المساهمة في إدارة العمل المدني ، ضمن حركة " المرابطون " وبالتحديد لجنة التكافل ، في منطقتنا ، وقد قمت خلال فترة الاحتلال بالسفر إلى بغداد أربع مرات وذلك لزيارة أخي الأسير العقيد بالجيش . وكانت الزيارة الخامسة الاضطرارية حيث أخذت أسيرا . في طريق العودة من بغداد : عُدت من زيارتي الرابعة لأخي من بغداد ليلة الخامس عشر من يناير عام 1991 م حيث كانت المهلة الأخيرة للقوات العراقية للإنسحاب من الكويت وإلا واجَهَت الحرب ، قام السيد أبو علاء المدير السابق لأحد أفرع البنك الوطني وصديق الأخ الكبير أبو أيمن وهو من العراقيين الشرفاء الذين أقاموا في الكويت مدة من الزمن بحجز مقعدين في سيارة الجمس الخضراء التابعة للسفريات كي نعود إلى الكويت وأرسل ولده معي إلى الكويت في هذا الوقت الحرج جدا ، حيث كان من المتوقع نشوب الحرب بين ساعة وضحاها ، وذلك ليقوم ابنه للبحث عن وساطة لدى مسئول عراقي صديق قديم لوالده عليه فضل وعنده مكانة خاصة ، وكان هذا المسئول قد تبوء منصبا في الكويت ، وذلك كي يقدم ما يستطيع لابن عمي الأسير زكريا ، الذي لم يستطع أحدٌ زيارته ، من أجل أن يرد بعض الجميل لصديقه القديم الذي دلني عليه ، في الطريق كان معنا شخصان يتحدثان باللهجة الفلسطينية ، أحدهما فلسطيني مقيم بالكويت في مدينة الأحمدي منذ الأربعينات جلس بجانبي في الكرسي الخلفي، وجلس الثاني في الأمام بجانب السائق وهو أمريكي من أصل فلسطيني وهو دكتور له عيادة خاصة وأخبرني أنه يملك مزرعة في أمريكا مساحتها 2كم مربع ، وفي الخلف جلس علاء. في الطريق كنت والدكتور نتجاذب أطراف الحديث حول الأحداث ، وأثناء حديثنا أخرج كاميرا فيديو من حقيبته ، فبادرته قائلا : دكتور خبيء الكاميرا ، أما تدري أن من ضبط ومعه كاميرا فمصيره الإعدام ، فرد علي قائلا : أي إعدام ، أنا عندي عدم تعرّض موقع من الرئيس صدام شخصيا ، قلت له : دكتور الموضوع لا يحتمل المزاح ، لا تعرّضنا للمشاكل ، قال : ألا تصدّق ، وأخرج من جيبه ورقه أراني إياها ، وفيها ما مضمونه بأمر من السيد رئيس الجمهورية يمنع التعرض لحامل هذه الورقة فلان …. مراسل شبكة سي أن أن التلفزيونية … وفيها توقيع وختم الرئيس العراقي . خيّم الصمت للحظات وكأنها دقيقة حداد ، ثم سرحتُ مع نفسي معاتبا : " يا سلام عليك وانت طايح له بالريّس من مساع وماخذ راحتك " . أفقت من سرحاني وانتبهت بعد برهة من غفلتي وشرود ذهني على سؤال منه : هل صدّقت الآن؟ قلت : نعم . قال : هل رأيت المقابلة مع الرئيس صدام يوم أمس ؟ قلت : نعم قال : لقد ذكَرني في حديثه أمس عندما سُئِل عن اتهام الجيش العراقي بسرقة حاضنات الأطفال من المستشفيات وإخراج الأطفال الخدّج من الحاضنات المشغولة وأخذها معهم . قلت له : وهذا ما حصل قال : كلا قلت : إذن أنت مراسل السي أن أن الذي ذكره الرئيس في مقابلته يوم أمس وقال : إن مراسل السي أن أن الأمريكي هو الذي نفى صحة هذا الكلام قبل أن ننفيه نحن ، قال : نعم أنا هو . قلت : وكيف نفيت هل تأكدت بنفسك؟ قال : نعم ، ذهبت إلى كل مستشفيات الولادة في الكويت وسألتُ بنفسي الأطباء الكويتيين ، دون غيرهم وهم أكدوا أن ذلك لم يحدث ، قلت له : وبالطبع كان معك جنود عراقيون مدججون بالسلاح قال : نعم هم يرافقونني في جولاتي لحمايتي قلت : وهل تظن أنه وأمام الجنود المسلّحين سيجرؤ أحد أن يقول كلمة سوء أو أي شيء ضد العراق ؟ هل هذا معقول ، وقتل الإنسان عندهم أهون من قتل الدجاجة ؟ وقلت له : إنني رأيت الشيخ راشد الغنوشي التونسي وهو يدخل فندق عشتار شيراتون ببغداد وتوجهت إليه مباشرة لأبدي استغرابي من موقفه ووقفته مع الظالم ضد المظلوم ، لكني وبعد دخوله مباشرة رأيت الجنود المسلّحين يمشون خلفه فأعرضت عنه كأني لم أعرفه . قال : لا لو كان الأمر قد حدث لأخبروني وعندما هممت أن أكمل معه الحوار حول هذه النقطة غمزني ذلك الأخ الذي كان يجلس بجانبي ونصحني عندما نزلنا في أحد المحطات ألا أخوض معه وأن أحذر من السائق فغالبا ما يُجنّد سُوّاق السفر من قبل المخابرات وأذكر أنه قال بلهجته العامية " أنتِ شو عَرّفَك هاظا أبصَر أيش مخابرات والا مُصيبِة زركة " . وقال الدكتور: أنه أول صحافي يُسمح له بدخول الكويت للتصوير وذلك في شهر سبتمبر9 ، وبعدها قال الدكتور : إنه نصح المندوب الكويتي في هيئة الأمم المتحدة في ضوء تجربته هو مع ضياع قضية فلسطين ، وقال: قلت للمندوب الكويتي لا تكرروا غلطة منظمة التحرير ، ودارت حوارات حول جوانب القضية من عدة زوايا ، طلبت من الدكتور رقم تلفونه في أمريكا فأخرج الكرت الخاص به وهم بإعطائي إياه ، لكنه تردد ثم في النهاية لم يعطني إياه . في أحد وقفاتنا لملء السيارة بالوقود رمقت بعيني لوحة على مدرسة كُتب عليها بخط كبير هذه الجملة " إذا قال صدام قال العراق " فذكرت قول فرعون " ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد " ، قريبا من البصرة توقفنا بجانب نسوة يبعن السمك ، وما إن وقفنا حتى وجاءت بنتٌ إلى سائق السيارة وقالت له : تتزوجني . بصيغة طلب ، فأصيب السائق بإحراج شديد ونظر إلي وهو يُميل رأسه باليمين بإيماءةٍ تشير إلى أنه لا ذنب له وأنه يستغرب هذا الكلام ، بدايةً لم أستوعب كيف تعرض امرأةٌ الزواج على رجلٍ بهذه الطريقة وفي هذا المكان ، فأخذت أُلِحُّ على الرجل أن يخبرني ما الحكاية ؟ هل هي مجنونة ؟ هل هو يخدعها ويعدها بالزواج ؟ كونه يمر من هنا كثيرا ، قال : كلا هؤلاء نسوة قُتِلَ أزواجهن في الحرب مع إيران ، وهن يتاجرن ببيع السمك ، وبزواج المتعة ، وأعرف أن هذا أمر حرام لكن ماذا أفعل ، عسى الله أن يغفر لنا . الآن فهمت ، إنها كانت تعرض عليه زواج المتعة ، وأن الأخ " رايح راد " ،وأشار إلى شبرة على الطريق تقام فيها هذه الزيجات المؤقتة التي هي زنا صريح ودعارة بمسمى الزواج ، ومن يطلع على كتاب الدكتورة شهلا الحائري يعرف كيف هو الفساد باسم المتعة . نصحتُه فأظهر القبول ، قاتل الله المفسدين في الأرض " . وصلت إلى الكويت وذهبت لأقيم عند خالي الذي كان يُحضّر الدكتوراه آنذاك وأتلف العراقيون مختبرات أبحاثه ، وحرقوا أوراق بحوثه ، ضمن ما أحرقوه وأتلفوه بشكل متعمّد ، أقمت عنده وما هي إلا ليلة والتي تليها إذا بالحرب الجوية تبدأ ، وبقيت عنده مع خالي الآخر وعديل خالي الأخ بويوسف ، حيث كانت مدرسةً علمية تربوية إداريةً ، تبادلنا فيها خبراتنا ، كلّ في مجال تخصصه ، وقبل المعركة البرية والتحرير بثلاثة أيام وبالتحديد يوم الخميس جاءني أخي بوعمر الخليفي الذي كان معي عند دخولي للكعبة المشرفة ، وقال : نريدك أن تخطب الجمعة عندنا غداً أيضاً ، قال : فوافقتُ ، وكنتُ قد خطبت الجمعة الماضية في مسجدهم ودعوتُ في قنوت النوازل بالدعاء الذي اشتهر أثناء تلك الأزمة " اللهم ارم الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بين أيديهم سالمين " . ماذا حدث ليلة الجمعة ؟ كيف اعتقلوني وأنا في طريقي لإلقاء خطبة الجمعة ؟ في المخفر . سجن الأحداث في الفردوس . هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة .
|
02-08-2012, 10:01 AM | #2 (permalink) |
عضو شبكة الدراما والمسرح العــضوية: 14703 تاريخ التسجيل: 04/04/2012
المشاركات: 186
الـجــنــس: أنثى | رد: مذكرات أسير كويتي في المعتقلات العراقيه بداية آسف جدا على التأخير في الرد واستكمال الموضوع : شكرا أخ أحمد على التفاعل جوابا على أسئلتك : لماذا لم تخرج مع أهلك خارج الكويت ؟ أقصد مبرراتك تجاه نفسك "حديث النفس"؟ كان لا بد من بقائي وذلك للمشاركة في أداء الواجب الشرعي والوطني كانت منطقتنا بحاجة لكل جهد وكنت مسئولا في العمل الشبابي الدعوي وكنت قد تسلمت مهاما في لجنة التكافل بالمنطقة فكنت مسئول لجنة النظافة ومسئول نوبة تنظيم طابور المخبز الآلي من الساعة 6 صباحا وحتى الثانية ظهرا وتوزيع الخبز في المنطقة ورعاية أسر المعتقلين ومهام أخرى منها رصد تحركات الجيش العراقي في المنطقة والمعلومات المهمة أولا بأول وتبليغها للأخ بو مصعب لينقلها بدوره إلى غرفة تحرير يوميات الأحداث وقد علمت بعد التحرير أنها في منزل أحمد العربيد بوأنس في الخالدية حيث كانت ترسل الأخبار والتحركات يوميا إلى قوات التحالف حيث تلقت هذه الغرفة كتاب شكر من نورمان شوارزكوبف بعد التحرير وهذا الكتاب موجود رأيته في جمعية الاصلاح بعد التحرير وعملت في توزيع الأموال التي كانت ترسلها الحكومة لمناطق خيطان ( عبر عدة أشخاص ) والعارضية ( عبر ديوان المنيع ) والأحمدي ( عبر أبناء عائلة السالم ) ، وتنظيم دورات الإسعافات الأولية بالتعاون مع الهلال الأحمر الكويتي عبر الأخ الفيلكاوي نسيت اسمه وتنظيم مراقبة محطات المجاري الرئيسية في منطقتي مشرف والفروانية ، وعملت في توزيع بعض المواد الغذائية من الهلال الأحمر الكويتي والإمامة في مساجد متنوعة وخطب الجمعة في مساجد متنوعة وقراءة البيانات في المساجد أوائل أيام الاحتلال ثم تم الاكتفاء بتوزيع النشرات فقط بعد تعرض بعض الاخوة للاعتقال والتعذيب وغير ذلك مما تيسر مثل إلقاء الدروس والخواطر وصلاة القيام بعدة مساجد على فترات متقطعة فصليت مثلا عدة مرات صلاة القيام بعد صلاة العشاء في منطقة خيطان بمسجد الشويب ومسجد الجويزي ومسجد العثمان وفي منطقة العارضية بمسجد اللهيب وفي منطقة الروضة بمسجد الملا مرشد بجانب بيت خالي وبمسجد الزير وفي منطقة السرة بمسجد جابر بن عبدالله بجانب مدرسة الإسراء وهناك كان يصلي خلفي الفنان خالد العبيد وكان ملتحيا . ونسأل الله تعالى الاخلاص والصواب والأجر والثواب قال تعالى ( ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ) هل كنت تخطب الجمعة طوال الغزو ؟ وهل حصلت لك مضايقات ؟ نعم كنت أخطب الجمعة طوال مدة الغزو وأنقطع على فترات منتظمة ، ولكن كانت التعليمات ألا يستلم أحد إمامة مسجد ثابت في الإمامة والخطابة بل يتم التناوب وتنويع المساجد حتى لا تصبح المسئولية على أحد معين عن الدروس والخواطر وتوزيع المنشورات وتعليقها في المسجد ، وبهذا بحمد الله لم تحدث لي مضايقات مباشرة . الكثير لا يعرفون حركة المرابطون . هل من الممكن توضيح أثرها في المجتمع الكويتي إبان الغزو ؟ وما هو دورك ؟ كانت لحركة " المرابطون " الآثار الايجابية الكبيرة في بث الإيمان في النفوس وإشاعة معاني الصبر و التعاون والثبات والتراحم والتكافل والصلة ونشر الطمأنينة ومعاونة المحتاجين وتقديم الخدمات وتسيير حركة الحياة والشئون اليومية وتنظيم متطلبات الحياة ومعينات الصمود كما كان لها دورا في المقاومة المسلحة . وقد ذكرت دوري في إجابتي على السؤال السابق وقد كان كل ذلك ضمن لجنة التكافل التي هي جزء من حركة المرابطون . الأخت الأصيل عليكم السلام شاكرة لك أخي الكريم مشاركتنا هذه الأحداث و أتمنى أن تنشر مذكراتك بالصحف المحلية و العربية فهذه الأحداث تعتبر توثيق لهذا الحدث ( عسى الله لا يعودها من أيام ) الجواب : ادعوا لي بالتوفيق لإكمال هذه المذكرات لتجد بعد ذلك طريقها إلى النور من خلال النشر الأخ الفاضل الشيخ أبوعبدالرحمن الرحال الله يعافيك ويحفظك وإضاءتك جميلة في النقاط الأربع التي ذكرتها الأخ بوعلي وفقك الله أشكرك على الاطراء ------------------------------------ الأخت Backpacker Girl شلون كنت تزور أخوك في بغداد أثناء الغزو ؟ وشلون عرفت مكانه؟ وشلون يسمحون لك تشوفه؟ وشنو كان يقول لك؟ الجواب : يقال أن عائلة قبازرد وكان لديهم أبنا أسيرا ، هم من ذهبوا إلى بغداد وقابلوا بعض المسؤولين هناك وأقنعوهم بالسماح للعوائل الكويتية لزيارة أبنائها ، وبالفعل قد تم السماح بزيارة الأسرى ، وقد لقيت العم بوعثمان يوما أثناء فترة الاحتلال فقال لي : زرت أخوك فقلت : شلون أزوره قال : ما تدري فتحوا باب الزيارة احنا زرنا عثمان قلت له : شلون ؟ قال : روح المطار واحجز تذكرة لبغداد وروح بالطيارة واسكن هناك بفندق شيراتون أو فندق فلسطين ( ميريديان) وراح تلقى هناك العوايل الكويتية تزور اعيالها ، اطلع من الفندق الصبح مبكر واركب تاكسي من هالتكاسي وقول له يوديك مديرية الأسرى بمنطقة الكاظمية مقابل الحديقة العامة وهناك قدم طلب زيارة أخوك. وهكذا فعلت وعندما وصلت إلى مديرية الأسرى هناك رأيت الناس تقدم طلبات مكتوبة بخط اليد وكان الجنود بالاستقبال عند باب المديرية يرفضون الطلبات لانها مكتوبة بصيغ غير مقبولة عندهم والناس محتارة وسمعت الجندي يقول : هاي شنو هووا هيتشي يكتبون كتب لا واجبات أركان لا أسلوب هسة شلون نودي هاي الطلبات للضابط غير ….حظنا ( كلمة بذيئة مؤداها أن الضابط سيؤذيهم لقبولهم لطلبات كتبت بطريقة خاطئة ولا ترضيهم ) . فعرفت أنهم يريدون صياغة الكتب بالتنظيم العسكري للكتب وهو ما يسمونه في العسكرية واجبات أركان وهذا هو مجال خدمتي في التجنيد حيث خدمت قبل الغزو كمجند في معسكر قوة المدفعية بالجهراء كتيبة صواريخ أرض أرض 22 بقيادة الرائد محمد الفارسي ذلك الانسان العظيم والقائد المحنك والمثالي والنقيب مجزع نقا الظفيري ذلك الرجل الشهم ، وكنت خطاطا في القلم ( السكرتاريا وهكذا يسمونها في الجيش ) وكان العراقيون لا يرضون أي ذكر في الكتاب لكلمة أسير أو أي إشارة للأسرى لأنهم لا يعتبرون من لديهم أسرى لأنهم لا يعترفون بالكويت كدولة ويعدون الكويتيين رعايا للدولة العراقية خسئوا فإن أقروا بتسميتهم أسرى فهم يعترفون بالتالي بالكويت كدولة وهذا ما لا يريدونه ، خسئوا وخاب مسعاهم ومرادهم . فقمت باقتراح صيغة للجندي فأجاب بالموافقة وأخذت منه المعلومات اللازمة للكتاب وقمت بصياغة كتاب طلب زيارة أخي الموقوف عندهم وذكرت اسمه وبياناته وطبقت في الكتاب جميع واجبات الأركان التي تتضمن ضرورة كتابة التاريخ أعلى أيسر الصفحة ثم الشخص الموجه إليه الكتاب ثم التحية على اليمين وتحتها في وسط الصفحة الموضوع ثم كتابة الطلب وترك مسافة أول السطر الأول فقط ثم تسجيل بيانات مقدم الطلب متضمنة الاسم والتوقيع والرقم المدني أسفل الصفحة على اليسار . وما إن قدمت الورقة ورأى الناس أنه قبلها حتى جاءتني الناس زرافات ووحدانا وصدقوني يا إخواني والله الذي لا إله إلا هو ظللت أكتب للناس الذين اصطفوا طابورا طويلا أمامي وأنا أكتب لهم الطلب تلو الطلب ، أقسم بالله منذ السابعة والنصف صباحا وحتى الخامسة مساء والناس تسلم طلبها وتأتيها الموافقة بعد ساعة أو ساعتين على الأكثر وتستلم كتاب الموافقة وفيه مكان وموعد الزيارة ثم تنصرف وقد حدث موقف مضحك وهو أن العمة موضي العبيد غفر الله لها ورفع درجتها في الفردوس الأعلى من الجنة والدة الصديق فهد المياس عندما استلمت كتاب الموافقة على زيارة ابنها أكثرت من سؤال الجندي عن موعد الزيارة ومكانه بالتحديد وكان ابنها في معتقل الموصل وظلت تسأله عن طريقة الذهاب للموصل حتى مل وغضب فقال لها : حجية والله لو ما تمشين هسة والله والله لآخذ منك كتاب الزيارة وأشققة وأفتته ألف قطعة ، فقامت المسكينة على الفور بالانصراف ووضعت الكتاب في حقيبتها وضمت الحقيبة على صدرها وانصرفت في الحال وهي تضم الحقيبة على صدرها ، يقول ابنها فهد وطوال الطريق في التاكسي وأنا أطلب منها رؤية كتاب الموافقة وهي ترفض قائلة لالالا أخاف العراقيين ياخذونه ، يقول ورفضت إعطائي إياه إلا بغرفة الفندق عندما أصبحنا وحدنا إنه شغف الأم بولدها .
|
02-08-2012, 10:02 AM | #3 (permalink) |
عضو شبكة الدراما والمسرح العــضوية: 14703 تاريخ التسجيل: 04/04/2012
المشاركات: 186
الـجــنــس: أنثى | رد: مذكرات أسير كويتي في المعتقلات العراقيه نعود إلى مصير كتاب طلب زيارة أخي مع الازدحام الشديد عند باب المديرية خرج الجندي غاضبا بعد قدوم أحد الضباط ورؤيته للزحام عند باب المديرية وعد رضاه على الوضع ، فقام الجندي بالصراخ على الجموع ورفع في وجهنا السلاح وأقسم أن لديه أوامر ومعه مجموعة من الجنود بإطلاق النار على كل من يقترب من المديرية وأمرونا بالرجوع وعبور الشارع ووضعوا جنودا بين الشارعين ولديهم أمر بإطلاق النار على كل من يعبر باتجاه المديرية دون إذن ، وكانوا كل ساعة تقريبا يأتون ويقرؤون أسماء كتب الموافقة ويسلمونها لأصحاب الطلب والجندي أثناء قراءته للأسماء من الكتب وتسليمها لأصحابها في الحديقة المقابلة للمديرية والناس مجتمعة حوله ، كان خلفه د.محمد الأنصاري الوكيل المساعد بوزارة العدل حاليا يسجل ويوثق جميع الأسماء التي يذكرها الجندي لإثبات أسمائهم كأسرى لدى النظام العراقي وكان معه إثنان يغطون عليه وكان الثلاثة يعملون ضمن الهلال الأحمر الكويتي ، وجدت الممثل امبيريك جالسا على الرصيف ومعه زوجته ففقلت له : ها قوة امبيريك قال : هلا هلا وسألته : شعندك هني ؟ فقال : أبي أزور ولدي . وأثناء ذلك كان صديقي بوجراح مرافقي في هذه السفرة يكلم الجنود وكل ضابط يدخل أو يخرج من المديرية ويسألهم عن مصير طلبي ، حتى اقترب موعد مغادرة موظفي المديرية بعد انتهاء دوام المديرية بحوالي 3 ساعات وعند خروج الضابط من المديرية وكان الوحيد الذي تجاوب معه وتكلم معه فتوجه إليه والجنود ينهرونه ويحاولون منعه وهددوه بإطلاق النار ولكنه أصر على عبور الشارع باتجاه المديرية نحو الضابط قبل مغادرته وظللت أصر عليه ألا يفعل حتى غضبت عليه وقلت له : أن الزيارة تتعلق بي وبأخي ولا أريده أن يتضرر بسبب الزيارة وأنني لم أعد أرغب بالزيارة كل ذلك خوفا عليه لأنني أعرف مدى تهوره وهو يقول : والله اليوم ما نمشي إلا لما أجيب لك إذن الزيارة حتى هم بعبور الشارع والجندي موجه علينا السلاح ويصرخ فينا والجندي عبر الشارع يصرخ عليه : ارجع ارجع وقبل وصولنا للرصيف سحب الجندي خلفنا الأقسام ومعناها أن مجرد لمسه للزناد قد يؤدي إلى إطلاق النار علينا ، عبر طارق الشارع وأمسكت به فأفلت مني وذهب ورجعت وأنا أصرخ فيه يا مينون ما نبي الزيارة ارجع وهو يمشي كأنه لا يسمع أحد !! وعندما عبر الشارع قال الجندي : شنو هذا صاحبك مجنون أكيد والله مجنون ووافقته وكنت في أشد حالة الغضب على صاحبي لتعريضه نفسه للخطر لمجرد الزيارة وليس إخراج أخي من المعتقل وإطلاق سراحه لكان ذلك ربما مستحقا المخاطرة من أجله ، فذهب إلى الضابط وشيمه بكلام وأنه وعده بأن كل طلب زيارة سيتم التوقيع عليه والموافقة عليه وأنه لن يغادر المديرية إلا بعد تأكده من حصول الجميع على إذن الزيارة ، وقال له إن جميع الطلبات قد تمت الموافقة عليها ورد عليه بأن طلبنا لم تتم الموافقة عليه فقال : مستحيل أنا بنفسي مشرف على الموضوع وموقع جميع الطلبات فنادانا وأدخلنا وأمر بعدم تركنا حتى نحصل على الموافقة وأمر أن يوقع على الطلب النقيب الذي بداخل المديرية وهكذا حصلت على إذن الزيارة بعد أن طلب مني النقيب الذي بالداخل كتابة طلب جديد لأنهم لم يعثروا على الطلب السابق ، رغم تهورك فلا أقول على الدوام إلا بيض الله وجهك يا طارق الخالدي يا وحش وعدنا إلى فندق عشتار شيراتون وكانت الزيارة بعد بيومين ، تعشينا بمقهي على النهر في شارع السعدون وطلبنا سمك بني وقطان وكان الرجل في المطعم يقول : يا سمكة سردون هاي والا هاي وقد وضع السمك في حوض مائي وتختار أنت السمكة فيطعنها بسيخ معه ويحملها وإذا لم يصطدها يسبها فإذا أمسكها وضعها وهي تلبط ثم يضربها بمطرقة خشبية على رأسها حتى تدوخ ولا تتحرك ثم يقطعها ويزيل مصرانها ويضعها في سيخ بشكل رأسي وتحتها الجمر حتى تذوب في فمك وأنت تأكلها . في يوم الزيارة ركبنا التاكسي خارج الفندق وحجزناه بحساب يومية كاملة وتوجهنا نحو مدينة صدام الرياضية في منطقة بعقوبة بمحافظة ديالى وقبل دخول مدينة بعقوبة على بعد حوالي 80 كيلو من شمال بغداد وقف التاكسي وأشار إلى نادي رياضي قديم وقال :هذي مدينة صدام الرياضية ! وكنت أتوقع مدينة كبيرة وإذا به مجرد نادي عادي . ووقفنا مع بقية العوايل في الخارج ننتظر وصول باصات الأسرى حيث كانوا يخرجونهم من المعسكر إلى هذا النادي الرياضي لتتم الزيارة ، وبعد وصول باصات الأسرى أدخلونا وكانت أرض المدخل سبخة وطينية من آثار المطر حتى إن الناس كانوا يزلقون ويقعون في الطين مما اضطر الجنود لوضع باص على المدخل ليستند الناس عليه أثناء دخولهم ، دخلنا وتجمعنا متلهفين لرؤية الأسرى وكانوا جميعا من الضباط لأن الضباط كانوا معتقلين في بعقوبة وبقية العسكريين كانوا في معتقلات الموصل ، عندما أنزلوا الضباط الأسرى من الباص ورأونا وكانوا يسلمون من بعيد ورأت طفلة أباها ففلتت من يد أمها وجرت نحوه فأمسكها الجندي وقال : روحي يم أمك فصرخ عليه الجميع ليتركها تذهب لأبيها وبعد إلحاح تركها فكانت الطفلة البريئة ذات الخمس أو ست سنوات تجري باتجاه أبيها وكانت تسقط على الأرض كل سبعة خطوات مرة بسبب أن الأرض زلقة وطينية من النوع الزلق وكانت تقوم على الفور غير أبهة بالآلام الناتجة عن السقوط وكانت تقوم وتجري وتسقط وتقوم وتجري وتسقط وهكذا دواليك حتى وصلت إلى أبيها الذي أقبل نحوها فحملها وضمته وهما يبكيان وعندما دار أبوها وهو يضمها فأصبح وجهه تجاه الضباط الأسرى وظهره باتجاهنا وإذا بالبنت الصغيرة مادة ٌ يدها خلف أبيها وممسكة بملابسه بيديها بشكل شديد وبكل قوتها ومن تدفق العاطفة في هذا المنظر صاحت النساء وبكت واغرورقت العيون بالدموع من هذا المنظر العاطفي المفعم بالانسانية حتى إن جندي الحراسة أمامنا بكى بصوت مسموع فقالت له الحجية أم يوهر ( أم جوهر وهكذا كانوا ينادونها العوائل الذين جاءوا معها ) قالت له ام جوهر : عشتوا عشتوا حتى انتوا تبكون بعد عندكم قلب انتوا يعني يكون فيكم رحمة !! والله ما ظنتي . فقال لها : تشا شقالولك حجية احنا مو مسلمين ما عدنا رحمة شنو !! قالت : إذا انتو مسلمين عيل شحقة تحتلون ديرتنا وتذَبحونّا وتاخذون عيالنا ؟!! فما رد عليها ذهبنا إلى صالة الألعاب وهناك عند الباب وجدت الرائد محمد من أقاربنا وهنا فقط رأيت بعيني كيف يطير الانسان من شدة الفرح حيث أن رجليه لم تكونا تحملانه وكان يرفع جسمه إلى الأعلى وأنا متجه إليه وهو لا يحرك ساكنا فقال لي من شدة الفرح : لم أستطع التقدم باتجاهك وجلست معه وأخبرته أن أخاه موجود وأنني رأيته في الفندق وأن سيأتي خلفي وسألته عن أخي فقال : لم يأت معنا لكن سلم إذن الزيارة للضابط وسيأتون به في الباص القادم فجلست معه حتى جاء أخي بعد حوالي 50 دقيقة ووقف في أرضية الملعب ونحن على المدرج في الصالة وكان الرائد محمد يقول : ها هو بوعبدالرحمن . وأقول له : أين هو ؟ فيقول : ها هو أمامك فقلت له : لا يوجد أحد واقف إلا واحد والباقي يمشون أو جالسين فقال : هذا الواقف هو أخوك !! تخيلوا والله ما عرفته لأنه كان أبيضا ناصحا ولقيته مسمرا ونحيفا مع لحية قصيرة لم أعرفه معها . سلمت عليه وجلسنا وتحدثنا وتسامرنا ولقيت الملازم يعقوب الذي كان لديه ميدالية كتب عليها قاهر الجيوش ، ولقيت الملازم طلال ولقيت الرائد متعب وكانت أسئلتهم تدور حول الأهل وأخبارهم والوضع في الكويت وما هو رأي الناس وموقفهم من الجيش الكويتي وأنهم لم يكونوا مستعدين ولا جاهزين لأسباب خارجة عن إرادتهم . بعد الزيارة بعثت ببرقيتين واحدة لجامعة الامام محمد بن سعود بالرياض وأخرى إلى مركز إطفاء مدينة خورفكان حيث توقعت أن تكون عائلتي وبحثت في الفندق فلم أجد من تلفونات الرياض إلا رقم خال صديقي وهو لواء في الجيش السعودي وكان يسكن بمجمع أو حي خاص بكبار الضباط مع عائلته فاتصلت به وكان في كل مرة يغلق الخط فور أن يسمع موظف البدالة يقول له : مكالمة من بغداد فقلت للموظف : لا تكلمه وإنما حول الخط إلي مباشرة وعندما كلمته قلت له فورا: أنا فلان من الكويت أكلمك من فندق شيراتون ببغداد صديق محمد وأريد رقم تلفونه فلم يعطني رقمه ولكن أخذ رقمي وأعطاه لمحمد واتصل بي محمد وعلمت أن أهلي سكنوا في الرياض لمدة شهرين في بيت وهبه لهم رجل الأعمال الشهم ماجد الباجري رفع الله قدره ووهبه قصورا في الجنة ، ثم توجه بعضهم إلى قطر وبعضهم إلى الإمارات حيث استقروا هناك ولم يبق منهم في الرياض إلا بوفهد والد لاعب القادسية والمنتخب . أما الحديث عن المسمى الاصطلاحي القانوني لحالتي وأن الصحيح أنه مرتهن وليس أسير لأنني لست عسكريا فهذا صحيح من الناحية الاصطلاحية أما من حيث العرف فالناس في الكويت يسموننا الأسرى ويطلقون اسم الأسير على كل من اعتقله العراقيون أثناء الاحتلال بدايته أواسطه أو آخره عسكريا كان المعتقل أو مدنيا وأخذوه إلى العراق ، هذا هو العرف وعليه جريت لأنني لست بصدد عملت بحث أكاديمي أقدمه لجهة تحكيم تقيمه لنيل درجة الأستاذية مثلا ، وإنما أكتبه وهو مجرد أطياف وفيافي وواحات وارفة الظلال منها نستقي المعاني ونستلهم العبر والعظات وندون للتاريخ وللأجيال ما يكون لهم نبراسا يقتدون به ويستثمرونه خبرة تزيد رصيدهم المعرفي وتجربة يسترشدون بها ويستفيدون منها . وعلى هذا المصطلح سأكمل مذكراتي وأشكر الأخ جهراوي على تنويهه بالمعنى الاصطلاحي للمسمى .
|
02-08-2012, 10:04 AM | #4 (permalink) |
عضو شبكة الدراما والمسرح العــضوية: 14703 تاريخ التسجيل: 04/04/2012
المشاركات: 186
الـجــنــس: أنثى | رد: مذكرات أسير كويتي في المعتقلات العراقيه مذكرات أسير (2) الحمد لله وبعد … من مذكراتي حول خطفي كأسير مع مجموعة كبيرة من الكويتيين وغيرهم ، من قبل القوات العراقية أبان احتلال الكويت ، وصلنا في الحلقة الماضية إلى أن أخي أبو عمر الخليفي طلب مني أن أخطب الجمعة في المسجد المجاور لبيته في منطقة الرابية ، وقد وافقت ، وفي ليلة الجمعة ، وقبل أن أنام قضيت وقتا في قراءة كتاب لأبي الحسن الندوي رحمه الله عن سيرة الخليفة الرابع علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وقرأت فيه أمر خروج الحسين رضي الله عنه وكيف أن ابن عمر وابن عباس طلبوا منه البقاء وعدم الخروج إلى الكوفة ، ورده عليهم . ، استيقظت في الهزيع الأخير من الليل وصليت ما تيسر لي ، ثم خلدت إلى النوم ، وما هي إلا ساعتين واستيقظت على نداء خالي يوقظني للصلاة ، صلينا الفجر وقرأنا وردنا ومع الشروق باشرنا بحلب البقرة وتنظيف مكانها ، ثم لما انتهينا جلست أعمل الفكر في وضع اللمسات الأخيرة على خطبة الجمعة والتي بعنوان مفاهيم إسلامية ، هي عبارة عن شرح لحديث جبريل ، مع بعض الإضافات. لم يكن يجرؤ أحد على استعمال السيارة في ذلك الوقت لأنهم – أعني الجيش العراقي – قد فرضوا حظرا للتجول وبدءوا يعتقلون صاحب كل سيارة لم يغير أرقامه إلى الأرقام العراقية ، عندما هممت بالمغادرة إلى المسجد في المنطقة المجاورة مشيا على الأقدام ، تصدّى لي خالي وحاول جاهدا أن يثنيني عن الذهاب ، وذهبَت محاولتُه أدراج الرياح ، حاول خالي الثاني وذكرني بإلقائهم القبض عليه قبل يومين دون سببٍ يُذكر ولم يتركوه إلا لأن أمه كبيرة السن رحمها الله كانت معه ، وكذا حاول أبو يوسف ، لكن باءت جميع المحاولات بالفشل وكأنني أساق إلى قدر الله سوقا فيما قَدّر ، وإنه لقدَرُ الله وما شاء فعل ، وذكرتُ لهم قول ابن عباس رضي الله عنهما : إذا وقع القدر ذهب الحذر وعمي البصر وذكرت لهم ما قاله الإمام البنا رحمه الله لحرمه عندما حاولت ثنيه عن الخروج يوم مقتله متوجّسة خيفة بأن أمرا ما سيحدث فتلا عليها قول الله تعالى : " قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم " ، وهممت بالخروج متوكلا على الله تاليا قوله تعالى : " قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون " . قال لي خالي الأصغر ، إن كنت لابد فاعلا فلا تمر بجانب المخفر الذي هو في طريقي أصلا ، لكن استدر عنه ، فإنهم بدأوا يعتقلون كل شابٍ تقع أعينهم عليه كما تعلم ، قلت إن شاء الله سوف أفعل . مضيتُ في طريقي إلى المسجد وأنا أتحرّى الطريق فلا أخرج من طريقٍ إلى آخر حتى أنظر وأتحسس عدم وجود جنود أو سيارة عسكرية ، حتى مررت بمحاذاة مسجد جمعية الرابية ، وأكملت طريقي مقررا الإلتفاف حول المخفر ، ولكن ………… !!!! لمحني من بعيد جنديان مسلحان بملابس الخاكي ، وهي ملابس اشتهر بها أفراد الاستخبارات ، اتجها على التو نحوي ، وهنا اختمرت الأفكار ودارت الخطط وتمخضت عن رأي – إذا خفت من شيء فاذهب إليه – وكنت قد قرأت في كتاب لمؤلف بعثي من مصر اسمه اسكندر عن قصة حياة صدام ، وفيه أنه لما كان هاربا ومتخفيا بزي بدوي مر بجانب المخفر في وقت حظر التجول ، وقال إن هربت شَكّوا بي ، فمَرّ بجانب المخفر تماما وسلّم على شرطة البوابة فقالوا لو كان عنده شيء لما تجرأ بالاقتراب من المخفر ، فقلت في نفسي : لم لا آخذ الحكمة من أفواه المجانين ، ففعلت لكن تبين لي بعدها أنه : إذا كان الغراب دليل قوم ٍ – سيهديهم إلى دار الخرابِ ظللنا نمشي باتجاه بعض وهم يتظاهرون أنهم غير ءابهين بي لكن ما إن مروا بجانبي إلا والتفوا عليّ فجأةً ورفعوا السلاح في وجهي وصاح أحدُهم : " هلا هلا … هلا عيني وجاينا بَعَد ، قابل تلقي بنَفسَك للتهلكة ، احنا ده نبعث دوريات تجيب الكويتيين ، إنتَ جاينا برجلَك ، والله زِيَن " ، ثم سألوا سؤالهم المعتاد لاختبار الكويتيين ، ما هي جنسيتك ؟ فوقَعتُ بين النارين ، إن قلت كويتي فكأنما شَتَمتُهم ، وتعرّضتُ لما تعرّضت له في بغداد عندما أجبتُ صاحبَ التاكسي هذا الجواب فتبين أنه مخبر ، فأسمَعَنِي من سمج وسقَط الكلام ما أستحي أن أتذكّرَه فضلا عن أن أرويه ، وما سلّمني من شره إلا الله ثم ما أعطيتُه من مال مقابل تركي وشأني ، وإن قلتُ عراقي لا أدري ما سيفعلون ، فقلت وما حيلة المضطر إلا رُكوبُها ، فأجبتُهم : عراقي ، طلبوا الهوية && نظروا فإذا البطاقة المدنية تشير إلى أنني كويتي ، فأخذوا يزبدون ويرعدون وتحادثوا فيما بينهم بكلامٍ فهمتُ منه أنهم يعتقدون أنني أسخرُ من لهجتهم ، وطلبوا مني مرافقتهم إلى المخفر تحت تهديد السلاح ، فقلت لماذا ؟ وهل فعلتُ شيئاً ؟ فأصابوني بالغثيان من نكتتهم السمجة " فد خَمِس دَقايق " وأثناء سيرنا أخذوا يعيدون كلامهم المتضمن غضبهم واستياءهم الشديد عليّ وعلى سخريتي منهم – زعموا – وسأل أحدُهُم صاحبَه قائلا : " هذا ده يتمسخر بالشعب العراقي العظيم ، هسّه- يعني الان – شنسوّي بيه ؟ فرد الآخر : " هذا ما نذبّه – يعني نرميه – بالحجِز ، هذا نودّيه – يعني نذهب به – للمفوّض ، وما إن التقطَت أذناي كلمة المفوّض حتى ظننتُ أنه ما بيني وبين الموت إلا دقائق معدودة ، وظننت أن المفوّض معناها المفوّض بالإعدام ، وخلال ثوانٍ – هي فترةُ المشيِ فيما تبقّى بيننا وبين ذلك المفوّض – أخذتُ أستعرض شريط حياتي ، وذكرتُ أشياء كثيرة ، وكثيرة .وأحداث سريعة مرت كلقطات خاطفة .. .. … ودخلنا المخفر ، ثم ما إن خرجنا من الباب الثاني للمخفر إلا وأخذ الإثنان الأشاوس !! يصرخون ويولولون ويستصرخون ضمير قائدهم المفوّض ويطالبونه بأن يؤدبني ويجعلني عبرةً للمعتبرين ، وتساءلتُ في نفسي : ما الجرمُ الذي ارتكبتُه حتى أستحق كل هذا . وعلى كل حال فإنني دعوت بدعاء الحسن البصري وأخذتُ أشيرُ من بعيد مبدياً استغرابي من كلامهما لكن دون أن أنبس ببنت شفه ، فبادرني سائلا : هل أنت أطرم ؟ قلت : لا أستغفر الله لم أقل إني أطرم ، ولما وصلت عنده أخذ ينظر إلي بشزر متأمّلا وقد ملأ عينه مني ينتظر مني ارتباكا أو تأثرا ، وخيّم صمتٌ طويل ثم سألني : هل تستطيع أن تحارب ؟ فقلت : وكيف لي أن أحارب وأنا مدني ولست عسكريا ، قال : ارموه بالحجز ، قلت : لماذا ما هي تهمتي ؟ سألته….. لكن لم يرد ، وأخذني الجنود إلى الحجز ، وفي الطريق ظللت أسأل الجندي الذي بجانبي عن تهمتي لكن دون طائل وعند باب الزنزانة ألححت عليه فقال : أوامر . دخلت الحجز في مخفر الرابية فإذا هو غرفة 4 أمتارفي متر ونصف تقريبا ، وما جاء العصر حتى أصبح إجمالي العدد اثني عشر سجينا أو قل أسيرا ، وبعد وجوم وهدوء ، بدأت الحديث معهم مطَمئِنا بذكر بعض الآيات والأحاديث ، فشكروني وأطروا على اثنين من النزلاء ممن سبقوني حيث كانوا قد حدثوهم بحديث مشابه ، تعرّفت إليهم وتحدثت إلى أحدهم واسمه طارق ، فعلمتُ انه وزميله من جماعة التبليغ من منطقة الفنطاس ، وقد خرجوا في سبيل الله في هذا الوقت العصيب ، للدعوة وبقوا في المسجد يومين ، وقد أتى الجيش العراقي وأخذهم من المسجد ، ثم انبرى أحد المساجين معنا قائلا : صدقوا بالله يا جماعة الخير ، أنا منذ سبعة أشهر لم أر الشارع ، حيث أنني كنت مطلوبا ، وبقيت طوال هذه المدة في البيت أو في فناء المنزل وهو من سكان قطعة 4 في الرابية وهي بيوت واسعة تبلغ مساحتها حوالي 1000متر مربع وعادة ما يكون فيها فناء ( نحن نسميه في الكويت حوش ) كبير ، أسأل الله أن يبارك لهم فيما أعطى ، قال: وفي هذا اليوم خرجت البنت الصغيرة من باب المنزل إلى الخارج فخرجتُ خلفها لأرجعها قال : فرأيت الحي وأخذني الشوق إلى الجلوس خارج المنزل فجلست هنيهة إذا بي أفاجأ بسيارة مليئة بالجنود فقالوا : تعال معنا وأخذوني إلى هنا ، قلت حقا : إذا وقع القدر ذهب الحذر وعمي البصر ، وأخذ كل منا يتحدث عن كيفية اعتقاله فقال إبراهيم الخليفة بسكون الياء : أما أنا فطرقوا علي الباب فخرجتُ لهم فقالوا : تعال معنا " فد خمس دقايق " وجاءوا بي إلى هنا وقال عادل عافت : أخذوني من الشارع وآخرون قالوا : أنهم أخذوا من المسجد ذلك بينما كان أحدنا منزويا لا يطيق الكلام إلى أحد ، حاولتُ أن أكلّمه لكنه من شدة الذهول كان ينظر إلي وقد ملأ الشرود أركان مظهره ، فكل شيء فيه كان يدل على مصيبةٍ خبيئة تحت ثوبٍ من الحزن والصدمة ، ألححتُ عليه أن يرد علي وشارك الآخرون وأنا خلال ذلك أحاول طمأنته ، إذا به فجأةً ينتفض كالأسد يزأر في وجوهنا قائلاً : " يا جماعة الخييييييير أنتو ما تدرون اللي فيني كافيني ، آنا خذوني من السيارة في الشارع عند الإشارة وزوجتي تطلق وآنا موديها مستشفى الولادة ، خذوني وهي بالسيارة بروحها ما أدري ألحين شنو مصيرها ، واعيالي بروحهم بالبيت قافلين عليهم ، زين لحّد يكلمني ألحين " . وأحسسنا أنه فض ما في قلبه ولربما ارتاح ، وبعد قليل جلست بجانبه وأمسكت بكفّه وشددتُ عليه قائلاً :الله موجود فقال : ونعم بالله . أملي بالله أرجوك ادع معي وبعد برهة فتح محفظته وفيها صور أولاده الصغار وعرّفني عليهم . علمت بعد حين بعد عودتي من الأسر (أخبرني بذلك جاره الأخ العزيز عدنان عثمان الأنصاري) أن أسرة فلسطينية وجدت زوجته وحدها في السيارة تعاني فنقلوها إلى المستشفى ، وأن جارتهم العراقية فطنت لتأخرهم فقامت بمساعدة زوجها بكسر باب منزل جارهم وإخراج الأطفال وإيوائهم عندها بالمنزل ، ثم جاءت تسأل عنه بالمخفر فأخرجوه هو وصاحبنا الذي لم يخرج من بيته سبعة أشهر حيث جاءت إحدى قريباته وهي من أصل عراقي وطلبت من المخفر أن يخرجوه ففعلوا ، وكانت قد أحضرت له غداءً أشركنا فيه جزاه الله خيرا ، وهذا يفسّر سبب عدم أخذهم معنا إلى سجن الأحداث بمنطقة الفردوس ، أثناء تواجدنا بمخفر الرابية أطل علينا أحد الجنود وأعطانا بعض الخبز والماء وقال : شباب ما عليه ، شدة وتزول . وحدث أن حاول الجنود عمل تمثيلية لإرهابنا ، حيث أحضروا أحدهم بزي كويتي وكانوا يمثّلون أنهم يضربونه قائلين : الأخ طلع مقاومة ، ونحن لا نرى من داخل الزنزانة إلا الأقدام ، لكنه أثناء ضربه ضحك فقالوا : لعنة عليك خرّبتها وفي مخفر الدسمة أو بنيد القار فعلوا تمثيلية مشابهة لإرهاب المساجين إذ أخذوا أحدهم وقالوا أنهم سيقتلونه ، وأخذوه فعلا وأطلقوا رصاصة بجانب رأسه ، فظن أصحابُه الذين كانوا معه في الزنزانة أنه قد قُتِل لكنهم تفاجئوا به أمامهم في سجن الفردوس . وبمناسبة الحديث عن كيفية الإعتقال دعني أذكر بعض ما سمعته من هذا ، عزام من شباب الجهراء قال : فتحت باب البيت لأطل برأسي أنظر البقالة هل هي مفتوحة ، فشاهدني جندي عراقي كان مارا بالشارع وخلفة سيارة تمشي فناداني وخرج خلفي ابن خالتي فأخذونا ، الشيخ خالد القصار كان يوصي أخاه التوأم فوزي ألا يخرج لأن العراقيين بدءوا يأخذون كل من يجدونه في الخارج ، ورد عليه فوزي بمثل التحذير نفسه ، لكن قدر الله جعل أحد أقربائهم وهو فار من الجنود العراقيين يدخل في بيتهم إذا بالجنود يدخلون ويجدون خالد وفوزي في وجوههم فيأخذونهم ، آخر كان نائما ملتحفا في بيته فاستيقظ على ضربة بسطار ( حذاء ) جندي عراقي يوقظه وهو في قعر غرفته في بيته ، فظن أن الأمر لا يعدو كونه حُلما مزعجا ، فعاد والتحف لينام ليستيقظ على الأخت الكبرى للضربة الأولى "فنقر يفزز فيل " . وهكذا إذا وقع القدر ذهب الحذر وعمي البصر . كيف انتقلنا إلى سجن الأحداث وماذا حدث هناك ، هذا ما سنعرفه في المرة القادمة .
|
02-08-2012, 10:05 AM | #5 (permalink) |
عضو شبكة الدراما والمسرح العــضوية: 14703 تاريخ التسجيل: 04/04/2012
المشاركات: 186
الـجــنــس: أنثى | رد: مذكرات أسير كويتي في المعتقلات العراقيه في سجن الأحداث بمنطقة الفردوس الحمد لله وبعد … جاءوا بشخص ٍ كانوا قد ألقوا القبض عليه ، لكن ظهرت في وجهه الكدمات ، حيث أنهم أوسعوه ضربا وركلا لأنه حاول الهرب وقاومهم ، أدخله الجندي بالركل والرفس وهو يسأله عن جنسيته فكان يرد عليه " اللي تبي هندي مصري " بعد أن هدأ الوضع قال لنا : السلام عليكم ، قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا . ارتحت له وسألته : ما اسمك قال : طه ، وقلت له : سلامات ما تشوف شر ، فقال : نعم عندما رأيتهم حاولت الهرب لكن لم أنجح ، والحمد لله على كل حال . سألتُه فيما بعد في سجن الفردوس وفي الموصل عن حكايته فكان يقول متنهدا : قصتي قصة حزينة لا أريد أن أوجع دماغك بها . وأنت يكفيك ما فيك . عرفتُ فيما بعد بعد أن خرجتُ من الأسر ، من هو طه وما قصته ، أخبرني بها الشاب الصالح عبدالعزيز الحربي رحمه الله الذي حضر يوما خطبة الشيخ احمد القطان عن الجهاد في أفغانستان ، وتصوروا معي كيف كانت مسارعته وإقباله على الجهاد ، انطلق الرجل من فوره بعد صلاة الجمعة مباشرة إلى المطار وهناك سحب من رصيده وحجز إلى باكستان ، ووجد الحجز بعد ساعات ، انتظر إلى ما قبل دخوله الطائرة واتصل بأهله هاتفيا وأخبرهم بخبره من العزم على الجهاد في أفغانستان ، وبقي في أفغانستان مدة وبعد تحريرها مباشرة رجع ، فكان زميلي في العمل رحمه الله رحمة واسعة . عبدالعزيز هذا رحمه الله هو الذي أخبرني بقصة طه ، إن طه هو شاب من شباب العراق الصالح السائر على المنهج السني السلفي ، وقد أُحضر إلى الكويت رغماً عنه ضمن قوات الجيش الشعبي ، ولما رأى الظلم بعينه قرر الهرب من الجيش ، وعاش في مساجد الرابية هو ومعه إثنان من العسكر الهاربين من الجيش ، من الشباب الطيب أحدهما ضابط والآخر جندي ، يبيتون في مسجد الظبيان يوما وفي مسجد النجدي يوما آخر وأحيانا في ديوان الشباب الكويتي من رواد المساجد الذين تعاطفوا معهم ومنهم عبدالعزيز ، قال عبدالعزيز : ودرسنا كتاب التوحيد للامام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله على يد الأخ طه ، ودرّسنا علم تجويد قراءة القرآن الكريم وتطبيقه ، وكان يُلقي لنا الدروس ولذلك أحببناه وأصبح واحدا منا ، وبعد عملية تبادل الأسرى في نهاية مطاف الأسر ، طلب اللجوء لدى المملكةالعربية السعودية فوضعوه ضمن العراقيين اللاجئين والعسكر الذين رفضوا العودة إلى العراق ، وضعوهم في مخيمات خاصة قرب تبوك على ما أذكر . بقي أن تعرف أن عبدالعزيز رحمه الله كان يزور طه هناك بين حين وآخر ، وفي أحد زياراته تعرض لحادث في الطريق ومات رحمه الله ، وتذكرت الحديث النبوي في صحيح الجامع " من خرج في سبيل الله فوقصته دابته فهو شهيد " وقلتُ إن عبدالعزيز رحمه الله طلب منزلة الشهادة في أفغانستان ولعل الله أن يجعل له هذه المنزلة حيث طلبها بصدق ، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا . أسأل الله أن يحفظ أخانا طه ويوفقه حيث كان . في سجن مخفر الرابية : في سجن مخفر الرابية جاءنا ضابط برتبة نقيب ، وعرف بعض المساجين معنا من الشباب الكويتي الذي كان يعمل في الجمعية التعاونية ، فأخذ يعاتبهم على الخروج في هذا الوقت الذي عرفوا فيه أن كل من يخرج يتم إلقاء القبض عليه ، وأشعرنا بتعاطفه وأنه يريد إخراجنا ، وقام بخطوة تؤكد ذلك ، حيث طلب جميع هوياتنا وسلمنا إياها عدا أربعة أبقاهم ولم يسلمهم هوياتهم علمت فيما بعد أنه أطلق سراحهم ، وقال : تعالوا اخرجوا ، فخرجنا ونحن تسعة أشخاص هو أمامنا ومعه جندي مسلح وكذا كان من ورائنا جندي آخر ، ولكن ما إن أصبحنا خارج المخفر وأراد كل منا أن يذهب في حال سبيله إلا وقال هذا الهابط – أعني الضابط – " : وين وين تعال انت وياه " ، وأخذونا بسيارة جمس مسروقة وذهبوا بنا إلى سجن الأحداث بمنطقة الفردوس – وعلى ذكر اسم هذه المنطقة فقد طالب بعض أعضاء مجلس الأمة الكويتي بتغيير اسم هذه المنطقة – وصلنا وهناك في سجن الأحداث بمنطقة الفردوس ، وجدت الكويت كلها – صيغة مبالغة – أعني وجدت شبابا بالمئات من مختلف مناطق الكويت هذا تسأله عن منطقته يقول الأحمدي وذاك من الصليبيخات وهذا من الشِّعب وذاك من كذا ، فقلتُ في نفسي رحم الله الخنساء القائلة : ولولا كثرة الباكين حولي -على إخوانهم لقتلت نفسي وما يبكين مثل أخي ولكن – أسلي النفس عنه بالتأسي وتذكرت قول ابن القيم رحمه الله : وفي كل وادٍ بنو سعد . يعني في كل مكان مصابون ، سمعت هذه الأبيات عبر الإذاعة في محاضرة الشيخ الجليل عائض القرني حفظه الله أثناء الاحتلال الغاشم وحفظتها منه حيث سجلتها في حينها. في سجن الأحداث كانت الفوضى ، وبقينا هناك يومين لم يبقونا في عنبر واحدٍ لمدة تزيد عن ساعتين طوال اليومين فكانوا يتنقلون بنا بين العنابر ينادون أسماءنا بشكل عشوائي مرة بعد مرة ، ويا ويل من لا يستجيب ، وعليه كان النوم متعذرا وفي أحسن الأحوال متقطعا ، هذا إذا استطاع أحد أن ينام على الكاشي في البرد القارس ثم لما تكرر هذا بشكل سمج أصبح بعضنا وهو أقل القليل لا يرد عليهم وأحيانا تفوت عليهم ولا يميزون من كثرة الأعداد ، هذا ونحن نسمع ونشاهد أحيانا القصف الجوي على أشده وكان ذلك قبل التحرير بيوم ، مر علينا ونحن جلوس حسين المفيدي ، وكنا وقتها صامتين ، فقال لنا بدلا من سكوتكم العنوا صدام ، فقلت ، نحن في بلاء ونحن أحوج إلى التسبيح والإستغفار . كانت معاملة العراقيين قاسية جدا وشرسة ، وكانوا يقولون استعدوا بأي لحظة سننقلكم إلى العراق ، وقد أصابنا الإرهاق والتعب من كثرة التنقل ، وكنا نخشى أن نتفرّق بعد أن كونا مجموعة لازمنا بعضنا بعضا الشيخ ناصر الطليحي والأخوة الأفاضل فوزي المانع من شباب الشعب ونسيبه أبومصعب من سكان الخالدية وأبو حمد العطار من سكان بيان ويحيى الحمادي وعلي الراشد من شباب العديلية ، وكلهم من الشباب الملتزم بحمد الله ، وكنت قبل هذه المجموعة قد اتفقنا ونحن مجموعة من خمسة شباب أن نكون سويةً ولا نفترق ، أذكر منهم شاب اسمه عادل عافت والأخ طارق التبليغي وآخر معه وإثنان نسيتهم ، ثم قرر عادل مفارقتنا عندما لقي بعض أصدقائه في سجن الفردوس ووافقه آخرون فقلتُ لنجمع جميع ما لدينا من مال ثم نقسّمه سويّةً ، وكنت قد أسررتُ إلى كل واحدٍ منهم من قبل سائلاً عما يملكه ، وعلمتُ أنّي وقتها أكثرهم مالاً ، فقد كان بجيبي 500 دينار عراقي ، كنت أحملها دائما تحسّبا لمثل هذه الظروف ، وافترقنا وعوضني الله خيرا بلقياي للشيخ ناصر الطليحي حفظه الله وهو من خريجي كلية الشريعة بالرياض ، ثم التقينا بباقي الإخوة المحترمين الذين ذكرتُهم أثناء ندائهم حان أذان المغرب ، فكلمني أحد الأسرى ممن بدا عليه سيما الصلاح وهو من أسرة آل الأذينة الكرام من سكان السالمية ، قال : متى الأذان ؟ قلت : حان الأذان ، فاستقبل القبلة وأذّن وأثناء أذانه اجتمع الأسرى حوله للصلاة فأقام الصلاة مباشرة فقدمني للصلاة ، وتيممنا حيث لا ماء عندنا واصطف الأسرى وشرعنا في الصلاة والجنود ينادون في الأسماء مما أثار هياجهم وغضبهم وظلوا ينادون الأسماء ، وقد قرأت في هذه الصلاة قوله تعالى : " أليس الله بكافٍ عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيزٍ ذي انتقام " وقرأت في الركعة الثانية قوله تعالى : " وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما ءاذيتمونا وعلى الله فليتوكل المؤمنون " ويبدو أن هذه الآيات أثارت حفيظة الجنود فبعد الصلاة مباشرة جاء الجنود من الخلف يريدون ضربي لكن الأسرى جزاهم الله خيرا أحاطوا بي وضعت من بينهم فأمسى الجنود يضربون عشوائيا كل من تطاله عصيهم وآخرون بيدهم السلاح خلف من يضربون ، واستمر الوضع على هذا الحال حتى توقفوا وذهبوا ، وعاد بعد قليل أحد الجنود وبيده عصا غليظة يضرب بها هذا وذاك ويلوّح بوجه هذا حتى وصل إلى أحد الأشاوس ممن يصح أن يقال عنه " زِلِم أو ذيب " بمعنى أنه شجاع شجاعة ً جنونية ، كان الجندي يمشي ويضرب وترى الأفواج أمامه تتفتح كما تتفتح الأمواج أمام القارب السائر في البحر لكن صاحبنا لم يتحرك فحاول الجندي ان يستفزه بتحريك العصا أمام وجهه فلما لامسته أمسك بها ودفع بها في وجه الجندي فثار الجندي وأخذ يزعد ويربد ويصرخ ويثير الزوابع الكلامية ويولول بالويل والثبور ، كل هذا وصاحبنا لم تتحرك رجليه عن مكانه ، وهو ينظر إليه بشزر وكأن شيئا لا يحدث ، ويقول له : اسمع يا الرخلة ما يطيّر الراس إلا اللي ركّبه " وهو يضرب على رقبته بكل ثبات ، ووالله ذكرني هدوءه المثير للإستغراب مع ثباته وقوة منطقه بموقف العز بن عبدالسلام رحمه الله أمام الملك في مصر ، اشتاط الجندي غضبا ولم يكن مسلّحا حينها وقال له : هسه أجيب الكلاش وأفرّغ مخزنين بكرشتك يا ... .. " وذهب الجندي مسرعا ، وحاولنا حينها جاهدين أن نبتعد بصاحبنا عن هذا المكان ونذهب به بعيدا وسط جموع الأسرى ، وكان المكان يعج بالأسرى ويضيق بهم وكانت غرفا كثيرة وزنازين مفتوحة ، لكنه رفض بشدة أن يتحرك من مكانه ، وحاولنا إبعاده بالقوة فلم نستطع حيث كان عظيم البنية متوسط الطول يلبس طاقيته واضعا غترته على كتفه ، حاول البعض استثارته ليبتعد فلم يفلح، قال له البعض : لا تعم على غيرك ، قال : محّد له شغل ، يعني لا شأن لأحدٍ بي . وما هي إلا دقائق قليلة إلا والجندي قادمٌ يتطاير الشرر من عينيه وينادي بأعلى صوته من بعيد وين هذا الفتوة الـ شايف نفسه ، فلما وصل إليه رفع في وجهه السلاح فلم يهتم ، فسحب الأقسام ، ولم يهتم ، لكن شعرتُ بشيءٍ من الارتباك بدا في وجهه مع شيء من التمتمات رأيت شفتيه يتحركان بها ، وقلت في نفسي إنه ينطق بالشهادتين ، لكن الجندي اكتفى بالصراخ وضربه بالسلاح على كتفه فلم يرد عليه وانصرف الجندي ، وكأنه اكتفى بضربة الكتف هذه ، لكنني أوقن أن الله سبحانه كان مع هذا الأسير الذي رفض أن يذكر لنا اسمه بعد الحادثة ، ولم يعرفه أحد منا . قررنا أن نذهب مع كل نداء سويةً حتى لا نفترق ، حيث تبين لنا أنهم لا يدققون في الأسماء المنتقلة من هذا العنبر أو ذاك وإنما كل همهم إزعاجنا وإتعابنا لئلا نرتاح ويفكر أحدنا بالهرب أو التمرد ، وفي هزيع الليل الأخير وفي إحدى المرات التي كانوا ينادون بأسمائنا فيها رمقت من بعيد الأخوين أبو يوسف يعقوب يوسف الأنصاري والأخ أبوحمود عبدالعزيز الجيران ، وهم من من المجموعة التي أطلقت سراحهم المعارضة الشعبية في البصرة وأوصلتهم إلى الحدود الكويتية وعادوا مشيا على الأقدام . أخذونا في باصات حوالي تسعة باصات كبيرة تمشي الهوينى مطفأة أنوارها لئلا نتعرض للقصف حيث كانت الحرب والقصف الجوي في أوجه ، يتقدمنا ضابط برتبة مقدّم يقود سيارة متسوبيشي جالانت بيضاء ، وكان الوحيد الذي يشعل أنوار سيارته ، أما الباصات فممنوع حتى على الركاب إشعال أي ضوء ، كل هذا خوفا من قصف الطائرات إذ لا زالت حرب التحرير مستعرة والقصف والنار والشرر يتطاير في أرجاء الكويت . وأذكر أن أحد الأسرى في الطريق أشعل سيجارة ً فلقي من السب ما يستحي الإنسان لو سمعه وهو لوحده ، وبالطبع أطفأ السيجارة رغما عنه ، كان ترتيب باصنا هو الثاني في المسيرة ، وكانت الباصات تسير ببطء خلف بعضها البعض . متى وصلنا البصرة وكم بقينا هناك وماذا حدث وكيف ذهبنا إلى بغداد هذا ما سأتحدث عنه في الحلقة القادمة .
|
02-08-2012, 10:06 AM | #6 (permalink) |
عضو شبكة الدراما والمسرح العــضوية: 14703 تاريخ التسجيل: 04/04/2012
المشاركات: 186
الـجــنــس: أنثى | رد: مذكرات أسير كويتي في المعتقلات العراقيه السلام عليكم في الحقيقة أنا مشغول جدا هذه الأيام ولم أستطع حتى إكمال الحلقة التالية وسأنشرها هنا فور الانتهاء منها أشكر جميع المتابعين والمعلقين وأخص بالذكر الأخ بوعلي الذي اتصل بي ورحبت به وقلت : من معاي فأجاب مازحاً : معاك ولد البحر قلت : حياك الله بوعلي في الحقيقة الأخ بوعلي لين العريكة وسهل المعشر وسمح الفؤاد وطيب القلب ودقيق الملاحظة يراعي من معه ويباري ربعه لا يروقه زعل زاعل فتراه سباقا لتطييب الخواطر كم أنت رائع يا بوعلي كلمات من القلب ألقيها بشفافية ومما قال لي بوعلي في تلك المكالمة أنك نسيت ذكر نايف فقلت : أهههيي ودي تيجي مو ناسيه لكن خاش ذكره ليوم المواقف لما يجي دوره وذكرني هذا بقول شاعر المهجر لوطنه لبنان في واحدة من أروع القصائد التي قيلت : زعموا سلوتك ليتهم نسبوا إلي الممكنا فالمرء قد ينسى المسيء المفتري والمحسنا لكنه مهما سلا هيهات ينسى الموطنا في الحقيقة لم أنس نايف وكلام بوعلي هذا دفعني لكتابة أبيات شعبية اتصلت صباح هذا اليوم بنايف وقلت له ستعرف من أنا بعد سماعك لهذه القصيدة التي كتبتها لك بأسلوب شعبي عامي وهذا هو أول اتصال لي بالأخ نايف بعد عودتنا من الأسر منذ عشرين عاما خلا لقاء واحدا جمعنا في منطقة الأندلس بديوان المطيري بعد التحرير بعام حيث جمعنا لقاء مع جميع الأسرى في القاعة 12 التي سأتحدث عنها لاحقا بعد عشرين عام اتصل بنايف الصبر وأقول له هذه الأبيات : قصيدة إلى زميل الأسر نايف الصبر أهديها : يا حبيبي قبل تقريبا 20 عام كنا في أيادي الظلم والغطرسة يممعونا من المسايد أعداد وارقام وحبسونا كنا تلاميذ مدرسة وكنا حبايب مثل القرايب ولدالحمايل عراقي مايل يحبسه في سجن الاحداث هو مثل الأجداث والجيش الظالم يترسه ودونا بوصخير يا جمعة الخير هي يم البصرة بمدرسة يا كثر الحسرة يا الله تكسره من هو أسرنا وتخرسه ودونا بغداد من غير إعداد وهناك سمعنا بتحرير بلدنا من لنجسه والقى الخطاب واهوه اللي خاب بالانسحاب وكثر علينا البربسة قصيت الواير يا خوي تغامر وانت اللي ثاير بمحبسه واقول يا نايف منتا بخايف وتقول لا والله لاحبسه ودونا الموصل والبرد يحوصل بالباص نوصل بالمسا هو معتقل والموت اقل والظالم يبغي يترسه عشرين يوم في وسط القوم كريم ومويد النفسة ثم الرمادي باسبوع أنادي هو اللي بادي بعنفصة والله يسهل هو اللي يمهل ولا هو يهمل يعفسه والله يفرج من المهرج ودونا عرعر بالمسا وهناك الفرحة في وسط ترحه وطاب جرحه ورن اجرسه ومنها رديت إلى الكويت يا رب زرعي تغرسه طيار أسير قاد الطيارة وفن السواقة ما نسى واخذنا جولة وحول الدولة بحرق الآبار متررسة مثل الشموع وسالت دموع حديد يموع امن الأسى يا نايف انتا عزيز والله منت الذي ابتننسا بالخير اذكرك وطاب ذكرك يا رب انك تعرسه من خير النسوان لأنه انسان بقلب صافي ومدرسة وتعطيه بزران في البـِر تنزان ثقيلة ميزان وتحرسه يا نايف آنا أخوك فلان الفلاني اللي تبخصه فبادرني بالجواب الطيب المخجل وكان لقاء سمعيا حميما متدفق العواطف الأخوية والمحبة المتبادلة تبعه اتفاق على لقاء قريب . ويا أحبتي إلى لقاء قريب
|
02-08-2012, 10:07 AM | #7 (permalink) |
عضو شبكة الدراما والمسرح العــضوية: 14703 تاريخ التسجيل: 04/04/2012
المشاركات: 186
الـجــنــس: أنثى | رد: مذكرات أسير كويتي في المعتقلات العراقيه الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أما بعد الطريق إلى العراق أخذونا في عدة باصات يصل عددها إلى حوالي 9 أو 10 باصات وكنا في الباص الثاني وكانت الاضاءات الأمامية للباصات مصبوغ أعلاها بصبغ لونه أزرق كما تفعل كثير من السيارات أثناء الحروب حتى إذا أضاءت ليلا لا يرتفع ضوؤها إلى الأعلى فيراه الطيار فيقصف الباص أو الآلية ظنا منه أنها عسكرية ، ولست أدري سر اختيار اللون الأزرق ولم لا يكون أحمر أو أخضر مثلا . تجهزنا للانطلاق من سجن الأحداث بعد أن جمعونا في الحافلات ( الباصات ) ، ولم يفصحوا لنا بالضبط إلى أين سيأخذوننا ، فمن قائل ٍ إلى بغداد ومن قائل إلى الجبهة !! وقد كانت بعض الإذاعات تقول إن العراقيين يأخذون الكويتيين أسرى ويجعلونهم دروعاً بشرية في جبهات القتال وقد كان هذا مما يقلقنا ، وظن آخرون عندما رأوا نساءً تبكي في وداع الباصات خارج سجن الأحداث بمنطقة الفردوس أثناء المغادرة ، ظن هؤلاء أن الباصات ستأخذ الأسرى إلى موقع للإعدام الجماعي !!! ( هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا ) ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين ءامنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذي إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ) جمعونا في الباصات وانتظرنا حوالي ساعتين في الباص أكلنا فيها القلق ، ثم علمنا أنهم أرسلوا ضابطا يستطلع الطريق إلى المطلاع ، وكانت الحرب في أوجها والقصف مستمر ويزداد ضراوة وشدة ، مما ينبيء عن احتمال وقوع الحرب البرية في أية لحظة ، ثم لما عاد الضابط الذي أرسلوه وأخبرهم أن الطريق إلى المطلاع سالكة وليس بها قوات عسكرية ، أمر ضابطهم الكبير وكان برتبة مقدم وكان يقود سيارة ميتسوبيشي جالانت بيضاء مدنية – مسروقة على الأغلب - موديل 1987 تقريبا ، فقاد وتقدمنا في الأمام وأمر أن تمشي الباصات بالقرب من بعضها البعض ، وكانت تمشي الهوينى ببطء شديد مثير للاشمئزاز والملل ، وكان ذلك الهابط أو الضابط يسير أمامنا ببطء ويشعل أضواءه أحيانا ويطفؤها أحيانا أخرى ويسير أمامنا مسافة ثم يعود مرة أخرى ويتقدم جموع الباصات حتى وصلنا إلى المطلاع فتوقف وأمر الباصات بالاستمرار في المسير إلى العراق وعاد هو إلى داخل الكويت ، وأذكر أن الجندي المسلح المرافق لنا بالباص قال : ذبنا للهاوية والقصف ورجع الجبان . تخطينا المطلاع وظلت الباصات تسير ببطء وظللنا نمشي ببطء ونتقدم بطريقة سلحفائية حتى وصلنا البصرة مع شفق النور في الفجر وكنا قد تيممنا وصلينا الفجر في الباصات ونحن جلوس إذ ألجأتنا الضرورة قبل دخول الوقت حيث خشينا فوات الوقت وكما تعلمون ينقسم وقت الصلاة إلى ثلاثة أقسام أول الوقت وهو وقت الفضيلة وأوسطه وهو وقت السعة وآخره وهو وقت الضرورة فإذا فات وقت الصلاة أثم الإنسان إن لم يصل قبله إلا في حالة الاغماء وما شابهه أو غلبه نوم من غير تفريط، فالصلاة لا تسقط بحال من الأحوال حتى في حالة الحرب فلها صلاة بصفة مخصوصة وحتى أثناء احتدام القتال يصلي كل على حاله وعلى أي قبلة تلجؤه إليها الضرورة وهذا يدل على أهمية الصلاة . في معتقل معسكر أبوصخير بالبصرة أخذونا إلى معسكر في منطقة تابعة لقضاء البصرة ( محافظة البصرة ) واسم هذه المنطقة أبو صخير وأظنها تقع شرق البصرة، وهذا المعسكر الذي أخذونا إليه هو معسكر لتدريب الجيش الشعبي ، كان هذا المعسكر مسورا ويتضمن مجموعة من الباراكسات والباراكس عبارة عن مبنى من دور واحد مبني بالخرسانة المسلحة طوله حوالي عشرة أمتار وعرضه أربعة أمتار تقريبا ، في بدايته باب مكن الحديد وفيه شباك صغير وقضبان مثل أبواب السجون بحيث يستطيع الناظر عبره مشاهدة من بالداخل والعكس كما أنه ينفع أيضا للتهوية ويحتوي الياراكس أيضا من جهاته الطولى على شبابيك مغلقة بقضبان الحديد مثل الحمايات التي نضعها للشبابيك وزجاج هذه الشبابيك مكسور بطبيعة الحال من شدة القصف الجوي للمعسكرات ، أنزلونا في الصباح الباكر من الباصات وما إن أنزلزنا وجعلونا صفوفا بجانب الباصات حتى رمقت من بعيد الأخ الصديق مرشد الدويلة فقلت له : ها مرشد جابووك قال : جابوني الله يقلعهم ويقلع من جابهم . أخذونا صفوفا وكدسونا في الباراكسات ، كان الباراكس مملوءً وضيقا حيث كان عددنا داخل الباراكس 86 شخصا عددتهم بنفسي بعد ذلك ، كان كل من معنا كويتيون إلا واحدا شككنا فيه وكان شكله عراقيا وشاربه ثخين كلاسيكي يشبه شارب الفار ميكي من شخصيات والت ديزني وفي لهجته لكنة تشبه لكنة مدربينا بالتجنيد مثل : اجعد جاعد ، لا تضحتش .. وهكذا ، وكنا نتعامل معه بحذر بل كنت أصلا أتجنب الاحتكاك به ، وأذكر أنه لم يبق معنا حتى الليل فعلى ما أذكر انهم أخذوه في المساء ولم يرجع مما زاد شكوكنا . الطعام والشراب بالحسرة بالنسبة للطعام كان العراقيون في سجن الفردوس قد أخذوا منا نقودا كثيرة لجلب الطعام ولكنهم لم يحضروا لنا في اليوم الأول إلا بيضا مطبوخا بالماء المغلي " مفيوحا " فكان نصيب كل أسير بيضة وبعض الأسرى اقتسموا بيضة بينهم فكان نصيب كل واحد منهم نصف بيضة ، وفي اليوم الثاني وبعد احتجاج الأسرى الذين دفعوا مالا أحضر العراقيون الرز وطبخه بعض الأسرى الكويتيين وكنت أنظر إليهم من الدور الأول وأشكرهم وأصبرهم بالكلام الطيب والمشجع وكان ظاهرا من هيئتهم أنهم في هذا السجن منذ مدة فسألتهم منذ متى وأنتم في هذا السجن ؟ فكان بعضهم في هذا السجن منذ شهرين وآخرون منذ ثلاثة أشهر . وقد كان نصيب كل أسير من طبخهم لقمة رز واحدة تأخذها بشق الأنفس من شدة الزحام على الأكل والأسرى يتضورون جوعا حتى إنني رأيت منظرا لا أنساه وقد آلمني أشد الألم وهو أنني رأيت أستاذ دكتور في جامعة الكويت وكان عميدا لأحد الكليات وأصبح بعد ذلك عميدا لكلية أخرى أهم وأعلى وقد وقف ينظر إلى مشهد تكدس الأسرى على قصعة الطعام القريبة منا مزدحمين كل يأخذ لقمة ويأكلها والدكتور ينظروقد بلغ منه الجوع مبلغه ولا تسمح له نفسه أن يزاحم بهذه الطريقة الغير حضارية التي اضطر إليها الأسرى وبالطبع هم في وضعهم العادي ليسوا كذلك وليس أحد منهم " مشفح " كما يقولون ولكنها الضرورة والحاجة واتباع غريزة البقاء ، فقلت له : دكتور خذ لك لقمة ترا ورانا درب طويل واحتمال ياخذونا للعراق وهناك ما راح نحصل مثل هالأكل ، قال : انت اخذت لك لقمة ؟ قلت له : لأ . قال : انت اخذ أول ، فدخلت في الزحمة وخرجت بلقمة وأنا أنقد على نفسي فتشجع الرجل ودخل الزحام وأخذ له لقمة وخرج وهو ممتعض أشد الامتعاض مما يحدث وقرأت في وجهه ملامح الإحراج الشديد. وفي الحقيقة كنت قد فكرت أن أحجم عن نقل هذا المشهد المحرج الذي أكتبه الآن وأنا أتصبب عرقا ولكنه أمر حدث وهو جزء من التاريخ أدونه لتبيان مدى مكابدة ومعاناة الأسرى بشتى أنواعها حتى المعاناة الناتجة عن سلوك مسلك ساقتنا إليه الضرورة الملجئة مما نتعاظم في أنفسنا أن نقع فيه أو نتصرفه ولكنها المعاناة بشتى أنواعها نسأل الله تعالى أن يثيبنا على صبرنا في تخطي هذه المحنة والأزمة التي مررنا بها بجميع آلامها ومراراتها النفسية والبدنية . إننا أحرار أبناء أحرار ومن حمايل ذوي عزة ومروءة نأنف من الأفعال التي تمجها الطباع السليمة ، ولكن ألجاتنا إليها الضرورة الملحة ، وكما قيل الجوع كافر ( يعني لا يرحم ) . ساقنا الحديث عن الطعام إلى العودة جبرا إلى سجن الأحداث بالفردوس بعد أن كنا قد خرجنا من الحديث عنه ووصلنا إلى سجن أبوصخير بمحافظة البصرة . نعود إلى أبو صخير بعد هذا الاسترسال العفوي ، كنا قد وصلنا إلى نوعية الطعام في معسكر أبو صخير فقد كانوا يعطوننا صمونة يابسة مخبوزة من مطحون الذرة والشعير ونوى التمر الغير مطحونين جيدا حتى إنك تجد في الصمونة التي تشبه "الصمّي" وهو الحجر الصلد تجد فيها نصف حبة شعير وجزءً من حبة الذرة وهكذا ، وكانت صلبة لا تؤكل بهناء إلا بعد تنقيعها في الماء . وأما الشراب فالشراب الوحيد المتوفر كان عبارة عن مياه يجلبها الأسرى بقنينة ماء من بقايا مياه الأمطار ومن السبخات التي تكونت بفعل المطر ، هذه المياه التي يعبر خلالها العراقيون بأحذيتهم وبساطيرهم فتأتي قنينة الماء وفيها الماء الخابط رملي اللون من كثرة ما خالطه من تراب وطين فنتركه ساعة أو ساعتين حتى يصفو الماء بقدر ما يمكن فيشربه الأسرى وهم يرفعون القنينة بكل هدوء مع إنزال الوجه إلى الأرض في وضع الجلوس مع الانحناء حتى لا يتحرك الماء فيعود الماء خابطا رملي اللون مرة أخرى ويشرب الأسير أقل ما يمكن بما يبل ريقه فقط خوفا من التلوث والأمراض ، شربنا من هذا الماء الخابط مضطرين وحسبنا الله ونعم الوكيل . ذكرني هذا بكلمة سمعتها من الشيخ عبدالحميد كشك رحمه الله الذي مات ساجدا لله حيث قال في أحد خطبه : أخذونا في المعتقل وأبقونا بلا ماء لمدة يومين في الصيف الحار الشديد الحر ، وفي ظلام الليل في ظلمة الليل البهيم ، فتح باب الزنزانة فمد إلي أحد السجانين بطاسة باردة فيها ما ظننته ماء باردا فشربته في الحال فإذا بي ولأول مرة في حياتي أشرب البول . !!! فرفعنا أكف الضراعة نشكو إلى الله ظلم العباد . فأرانا الله في الظالم يوما . أ.هـ . ونحن أيضا نقول : لقد أرانا الله في الظالم يوما ، وسيرينا في بقية الظلمة أياما ، وليس ذلك على الله بعزيز . (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون ) نتابع البقية في المرة القادمة
|
02-08-2012, 10:08 AM | #8 (permalink) |
عضو شبكة الدراما والمسرح العــضوية: 14703 تاريخ التسجيل: 04/04/2012
المشاركات: 186
الـجــنــس: أنثى | رد: مذكرات أسير كويتي في المعتقلات العراقيه الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وسلم كان تنظيمنا داخل الباراكس في اليوم الأول منظم بصورة عفوية ولكنه غير تام التنظيم حيث لم يتم تحديد مسئول للباراكس ولا مسئولين للمجاميع ، وكل ما كان هنالك من تنظيم أننا تقسمنا بفعل الصداقات والتجمعات إلى مجاميع بشكل عفوي ، وكان عدم تنظيم الأمور مما أقلقني وأزعجني ، لكن تأخير تنظيم العمل كان مبررا فلقد كنا وحتى هذه الساعة لا ندري كم سنبقى في هذا المكان وقد كان لدينا شعور أن بقاءنا في هذا المكان مؤقت وأنهم لا بد من أن ينقلوننا إلى مكان أكبر ومعتقل مخصص للأسرى وليس مجرد مدرسة تدريب ، ولهذا لم ننظم أنفسنا في اليوم الأول . ولكن بعد أدائنا لصلاة العشاء مباشرة قلت في نفسي هل أقوم وأطلب من الجميع التعاون لتنظيم أنفسنا وأباشر الموضوع ؟ أم أن ذلك يعد تطفلا و " لقافة " في ظل وجود من هم أقدر مني وأكثر خبرة في تنظيم الأعمال ، مثل التوأمين الشيخ خالد القصار الذي أمّـنا في صلاة المغرب والعشاء وشكره الأسرى وارتاحوا من قراءته وأحبوا وجوده معنا ، وأخاه التوأم فوزي القصار الذي كان رئيسا سابقا للاتحاد الوطني لطلبة الكويت أي أنه كان يدير شئون ومصالح حوالي 16 ألف طالبا في الجامعة ( هذا كان عدد الطلبة والطالبات في الجامعة في ذلك الوقت ) وقلت في نفسي : لإن رجلا ترأس ستة عشر ألف ما بين طالب وطالبة وأدار شئونهم هل سيعجز عن إدارة باراكس لم يصل عدد من فيه إلى مائة ؟!! وما هي إلا لحظات حتى قطع الشيخ خالد حبل أفكاري فقام وتحدث عن أهمية تنظيم العمل وقدم أخاه فوزي فقام فوزي وتكلم عن فوائد تنظيم العمل وأنه لمصلحتنا وأن علينا أن نتعاون مع بعضنا البعض ونتقاسم ويحمل قوينا ضعيفنا ونلملم جراحنا ونصبر على هذه المحنة ونتعامل معها بروح المسئولية وأن نستشعر أن كل هذا في سبيل الله وابتغاء مرضاته وأن وطننا الذي قدم لنا الكثير يستحق الكثير والكثير من التضحية ، وأننا بإذن الله سنتخطى هذه المحنة وكلام من هذا من قبيل الصبر والتصبر والجلد والتحمل والتأقلم . ثم قسمنا إلى مجاميع وقد كانت مشكلة بالفعل بشكل تلقائي لكن تم تحديد المسئوليات فعلى رأس كل مجموعة مسئول ، وقد كنت قد ابتليت بأن أحسن إخواني في المجموعة الظن بي فجعلوني مسئولا على المجموعة ، وقد كانت هذه بداية مسئولية مضاعفة ، وكنت في هذا الباراكس قد التقيت بالأخ يحيى الحمادي من شباب العديلية ومعه الأخ علي الراشد والأستاذ وائل بورحمة إضافة إلى الاخوة الذين كنا قد اتفقنا أن نبقى سويا باستمرار. وكان من لطيف ما دار بيني وبين يحيى من حوار للتعرف والتعارف أنه قال لي : احنا لازم يكون عندنا المنطلق الكافي اللي يخلينا ننطلق في مسيرتنا فقلت : صحيح ولازم نتخطى العوائق التي تمر علينا . فرد علي : وعشان نتخطى العوائق نحتاج إلى الرقائق على الدوام . فقلت : وكل هذا يقودنا إلى البوارق لتحديد المسار . قال : عيل وصلت خير قلت له : هلا بالحبيب ، والشباب يعني علي ووائل قال والشباب . . طبعا دار هالكلام بيننا وبعض الشباب يقولون في نفسهم شفيهم ربعنا قاموا يقطون خيط وخيط ! شنو منطلق وعوائق ورقائق وبوارق ومسار شقاعد يقولون الشباب ؟ والمنطلق والعوائق والرقائق والبوارق والمسار كلها أسماء لكتب كانت ولا زالت مشهورة ومنتشرة بين شباب جمعية الاصلاح الاجتماعي بالكويت من تأليف الشيخ العلامة محمد أحمد الراشد حفظه الله وله كتب أخرى مثل كتاب دفاع عن أبي هريرة وكتاب تهذيب مدارج السالكين وكتاب مناقب أبي هريرة وكتاب صناعة الحياة وسلسلة العين وغيرها من الكتب . إذن انقسمنا إلى مجاميع كل مجموعة ما بين 7 إلى عشرة أشخاص في باركس قد ضاق بنا وكان موقع مجموعتنا في زاوية الباراكس اليسرى للداخل في آخر الباراكس بجانب الباب ، وكان الجو باردا آنذاك ،ولحسن الحظ كنت قد لبست جيدا في ذلك اليوم بخلاف الكثيرين الذين كانوا ينوون العودة إلى البيت بعد صلاة الجمعة فلذلك قد تخففوا من الملابس لأن حرارة الجو في الظهر ترتفع ثم يعود البرد في المساء ، أما أنا فقد كنت أتوقع المكث عند الأخ بوعمر الخليفي وأنام عنده ليلة ثم أعود لبيت خالي حيث مقر إقامتي في ذلك الوقت ، وعليه فقد لبست الحذاء والجورب والدشداشة الشتوية وتحتها الملابس الداخلية الشتوية والشماغ مع "القحفية" على الرأس . وقد أعطيت الشراب ( الدلاغ ) لأحد الاخوة في سجن الأحداث بالفردوس ليلبسه إجبارا بعد رفض وتمنع من قبله وذلك لأنه لم يكن يلبس ما يدفؤه في برد الليل ، ثم في معتقل أبو صخير في الباراكس وجدت أحد الشباب من مجموعة أخرى مكانها عند باب المدخل وكان يلبس الملابس الرياضية الصيفية وكانت فانيلته خفيفة جدا وذات كم صغير فخلعت غترتي وألبسته إياها بعد رفض وتمنع شديدين ، وأذكر أنه بعد ذلك في الموصل اشترى غترة جديدة وأهداني إياها . بعد صلاة العصر دفعنا مبلغا جمعناه من الأسرى إلى الجنود ليحضروا لنا طعاما فأحضروا بعض البرتقال وبعض المأكولات ، وكان بعض الأسرى من المدخنين قد دفعوا مبلغا للجنود ليأتوا لهم بالسجائر وعندما أحضروها حاول أحد الأسرى أن يستأثر بالنصيب الأكبر منها وادعى أن الجنود قد أحضروا كمية قليلة منها وسلم الأسرى المدخنين الذين دفعوا مبالغ للسجائر حبات معدودة من السجائر ، وعندما فتش أحدهم أغراضه وجد علبة كاملة ( كرز) وفيها بضعة باكيتات كان قد أخفاها عنهم ، فتجمعوا عليه يريدون ضربه وخنقوه بأيديهم حتى كاد أن يموت وما أنقذه من يدهم إلا الشيخ خالد القصار جزاه الله خيرا . وقد حصل الشيخ القصار بعد ذلك على تهميزة ( مساج ) من يد خبيرة حيث قام أحد الأسرى ويلقب بالعقرب بعمل مساج للشيخ ، وكان ماهرا في التدليك والمساج وقد نصحني الشيخ خالد القصار بالحصول على خدمته في المساج والتهميز فقلت له : يا الـعقرب يقولون انك مهمزتشي درجة أولى فاقترب مني وأمسك بيديه الاثنتين بعرقين على جانبي كتفي بشدة وقوة لمدة ثم شعرت بخدر في الكتفين وشرع الأخ بالتهميز على الكتفين واليدين ووالرقبة والرأس ثم الظهر ، ثم أمسك بيديه الاثنتين أيضا بعرقين تحت الركبة بشدة مثل المرة الأولى فشعرت بخدر في قدماي ثم قام بعمل المساج لساقي وقدمي وقلت له : الله يعز مقامك ويرفع شانك فقال : لي مشكور ملا مشكور ملا حاضرين للملا لوة نخدمكم احنا بعيوننا فقلت له : يا العقرب انت وين تعلمت هالمساج ؟ فقال : ملا ملا استر عاد على ما واجهت . في المساء نمنا وكان الباب خلفي وكنت أصد الهواء بظهري لأنني كنت بحمد الله قد لبست جيدا إلا أن شدة البرد ونومنا على الأرض الأسمنتية وبدون لحاف ولا غطاء قد أذهب النوم عن عيني ناهيك عن ألحان الروك أند رول المزعجة التي كانت تنطلق من فم وأنف أحد الأسرى كلما غط ونام ( صوت الشخير ) فكنت أنغزه برجلي كلما أيقظتني ألحانه فيسكت هنيهة حتى إذا عاد واستغرق في النوم وكنت على وشك النوم أطلق بوقه وأيقظني عدت لتحريك رجله فيتوقف وهكذا دواليك بين لسعة البرودة على الظهر وبين ألحان الشخير قضيت تلك الليلة المزعجة التي قضيتها مع السهاد لا أراكم الله ليلة مثلها .
|
02-08-2012, 10:09 AM | #9 (permalink) |
عضو شبكة الدراما والمسرح العــضوية: 14703 تاريخ التسجيل: 04/04/2012
المشاركات: 186
الـجــنــس: أنثى | رد: مذكرات أسير كويتي في المعتقلات العراقيه الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا حمامات معتقل أبو صخير كان الخروج للحمام يتم من خلال الوقوف بالدور أمام الباب حيث يخرجوننا للحمام على شكل مجموعات يخرج عشرة للحمام ثم يعودون فيخرج عشرة آخرون وهكذا ، وكان الأسرى يحمل كل واحد منهم ما تيسر له من إناء أو قنينة أو كوب معدني كبير أو إبريق أو علبة صدئة من بقايا معلبات الأطعمة ، وكان يملؤها بالماء بعد الخروج من بقايا مياه المطر من السبخة التي نشرب منها، ( ويع) وكانت الحمامات عبارة عن مبنى صغير فيه حمامات صغيرة جدا ليس فيها ماء وتلوع اللوعة بكبرها ، بس ما باليد حيلة ، كما قال الشاعر : وما حيلة المضطر إلا ركوبها . خشينا من الاعدام فساق الله إلينا الطعام في اليوم الثاني وقبل الغروب بقليل ونحن كنا قد خرجنا من الباراكس للحمام وكنا عشرة أشخاص فجأة أمرونا بإلقاء ما بأيدينا من أواني وقناني كنا قد ملأناها بالماء من السبخة والبحرة المجاورة للباراكس استعدادا لدخول الحمام ، في البداية تجاهلت الأمر أول مرة ولم ألق ما بيدي وكان إبريقا للوضوء وقلت في نفسي لقد كان نصيبي هذه المرة هو الابريق فلست أدري في المرة القادمة قد يكون نصيبي علبة صدئة من مخلفات معلبات الطعام ، وحاولت إخفاء الابريق لكن لمحه الجندي فصرخ في وجهي صرخ الجندي وقال : لك ذب هايا الابريج ذبه . فألقيته وأنا أنظر إليه بحسرة ، فأخذونا وأخرجوا خلفنا عشرة آخرون على غير عادتهم !؟ وكانوا ساعتها في حالة من الهستريا والهياج الغير طبيعي وقد دبت الحركة السريعة والمجنونة على غير هدى في المعسكر فهنا عسكر يركضون وهناك آخرون يتصايحون ومجموعة تحمل الأغراض وتجمع الأسلحة وأخرى تتلف الأوراق وتحرقها وثالثة تشغل الآليات وهم لا يلوون على شيء ويتناقشون فيما بينهم بطريقة غير منظمة بحيث اختلط الحابل بالنابل وأصبحت لا تعرف من الآمر الناهي ومن المأمور المنفذ فالكل بدأ يعطي الأوامر للآخر وأصابتنا ريبة وقشعريرة ودار في خلدنا موسوعة كاملة من التساؤلات عما يجري ويحدث وكلما سألنا أحدا منهم عما يجري وجدناهم يتكلمون بهستريا ويتبرمون من قوات التحالف وعدم رغبتها في إيقاف الحرب وأن الجيش العراقي انسحب فماذا يريدون بعد ذلك !! وكانوا في حالة غضب شديد يخالطها خوف وهياج وتوتر طابور العشرة الخارج للحمام أصبح عشرين وأخذونا إلى مبنى في المعسكر لا أدري ما هو ، أوقفونا في الخارج أمام المبنى على شكل طابور ، واحدٌ خلف الآخر ، وحمل أحد الجنود من خارج المبنى تشولة طبخ رأسها مدور ومصنوعة من البايبات المخرومة من الأعلى التي تستخدم في طبخ الولائم الكبيرة أو في التعذيب وكان فوق التشولة سكينة كبيرة حملها وأدخلها إلى داخل المبنى وقالوا للأسير الذي كان الأول في الطابور: روح ادخل المبنى فخاف ورفض وظننا أنهم سيذبحوننا واحدا تلو الآخر فأخذوا الأول وجروه إلى داخل المبنى ونحن ننتظر على أحر من الجمر وبدأ بعضنا يتمتم بالشهادتين وآخر يقرأ القرآن وعندما نطقت الشهادتين قال الأسير الذي كان خلفي قال الاسير : شنو شنو أخوي بيذبحونّا قلت : مادري بس ان ذبحونا ان شا الله شهدا وبعد قليل خرج الأسير الأول وبيده صحن ماذا تتوقعون ؟ صحن عيش ودجاج فيه وجبة تكفي لشخص واحد رز وربع دجاجة وأخذنا الوجوم وأخذنا ننظر في وجوه بعضنا البعض !! ما الذي يحدث ؟ إعدام يتحول إلى إطعام !! ثم جالت في خواطنا الهواجس والأفكار وقلنا أنهم ربما وضعوا لنا السم في الأكل وبينما يدخل الأسرى واحدا تلو الآخر ويخرجون محملين بأطباق الأكل رز ودجاج نظرت إلى أحد الجنود الذين كانوا يحرسوننا فإذا هو ( odd man out ) عن بقية الجنود يعني داش عرض كما نقول شكله يختلف تماما عن كل الجنود العراقيين الذين رأيتهم طوال فترة الاحتلال ، فقد كان أبيض عطر مربرب ، وذرب المظهر والملبس بخلاف باقي الجنود العراقيين الذين كان الواحد منهم أتشلح أملح والهندام رايح فيها والمظهر ميح عدا بعض الضباط الذربين وهم قلة أيضا . نظرت إلى وجهه فقرأت في تقاسيم وجهه ألف كلمة ومليون رسالة من الغضب على الوضع وعدم الرضا بما يحدث وأنه مجبور على العسكرة وأنه خائف ومرتبك بشكل يصعب على الكافر ولا يملك من لديه مثقال حبة من خردل من إنسانية ومشاعر وإحساس إلا أن يتعاطف معه ويعطف على ضعفه ووضعه بل ويشفق عليه ، لهذه الدرجة وقد تستغربون كيف يتعاطف أسير ومسجون مع سجان يحرسه في المعتقل ، لقد قالت تعابير وجهه ما لم يستطع لسانه أن ينطق به ، ولكن كان من الواضح جدا أنه مجبور على فعله هذا ، وفي زيارتي للبصرة والزبير بعد سقوط نظام صدام مع لجنة الإغاثة أخبرني شاب يدرس الماجستير من شباب السنة في البصرة كيف كان الجيش العراقي يوزع الأسلحة على الطلبة ويجبرهم على القتال وتنفيذ المهام العسكرية كحراسة المواقع وغيرها . وهذه الزيارة للعراق بعد سقوط النظام كانت مغامرة من المغامرات التي مررت بها في حياتي المليئة بالتجارب والمغامرات ، وقد أكتب عن هذه الزيارة لا حقا بعد انتهائي من هذه المذكرات . أعود إلى صاحبنا الجندي المجبور الذي كسر خاطري ، وقد تذكرت قول الشاعر مروان حديد الذي قال عن أحد السجانين في معتقله الذي كان فيه في قصيدته التي منها قوله : أبتاه ماذا قد يخط بناني – والحبل والجلاد ينتظراني لم تبق إلا ليلة أحيا بها – وأحس بأن ظلامها أكفاني لكن إذا انقشع الضياء ومزقت – بيد الجموع شريعة القرصان ِ فلسوف يذكرني ويكبر همتي – من كان في بلدي حليف هوان ِ ثم تحدث عن سجان كان يحرس في المعتقل : أنا لا أحس بأي حقد نحوه – هو طيب الأخلاق مثلك يا أبي – نسيت الأشطر الثانية من البيتين ومثله قول الشاعر أحمد مطر عن سجانه في قصيدة له : جاء به وبي قرار هذا عن السجان الطيب المغلوب على أمره بخلاف السجان الغليظ القلب الفظ سيء الخلق عديم القيم فهذا قال عنه : أحدثكم عن بطل ٍ سجانه حمار فأعلنت رابطه الحمير الغضب والاستنكار قائلة ً : إن حموريتنا تأبى أن يلحقنا هذا العار . وبعد هذه الوقفة حول المشاعر الإنسانية نعود إلى موضوعنا حيث عدنا إلى الباراكس حاملين معنا الغنيمة ومن طول الغيبات جاب الغنايم وأخرجوا عشرة آخرين أحضر كل منهم صحنا من الرز والدجاج وبالمناسبة الصحن كان بالحجم العادي حجم الصحن المخصص للشخص الواحد وليس صينية كبيرة وضع كل منا الصحن واجتمع حوله أربعة من الأسرى ترددنا في الأكل بداية لكن الجوع له صولة وجولة فقلنا نتوكل على الله ونأكل خصوصا أن بعض الأسرى جربوا وأكلوا كفدائيين ولم يصبهم مكروه بحمد الله فقام كل منا وفسر عن أكمامه وقال بالخمس وما هي إلا لحظات وإذا بالصحن خا على عروشه يقول طن طن فاضي فاضي ويرجع منه الصدى ولا يحتاج إلى غسيل بعد ذلك
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدلالية (Tags) |
مذكرات, أسير, المعتقلات, العراقيه, في, كويتي |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4) | |
انواع عرض الموضوع |
العرض العادي |
الانتقال إلى العرض المتطور |
الانتقال إلى العرض الشجري |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
هدى حسين .. | الأنين | صور الفنانين , والصور الفنية ( قاعة الصور ) | 1 | 22-09-2010 06:51 PM |
نبيلة عبيد داخل المعتقلات الإسرائيلية | بحر الحب | الـقاعـة الـكـبرى ( الفن والإعلام ) | 2 | 19-08-2009 03:40 AM |
Powered by vBulletin® Version
Copyright ©vBulletin Solutions, Inc
SEO by vBSEO 3.6.0
LinkBack |
LinkBack URL |
About LinkBacks |